نشرت
صحيفة "
الغارديان" مقالا للمعلقة نسرين مالك قالت فيه إن من المحتم أن
يحمّل زهران ممداني الكثير من المسؤولية، فالفراغ كبير جدا على يسار السياسة لدرجة
أن فوزه سيحتل مساحة كبيرة للتقدميين خارج مدينة نيويورك. ولذا، وقبل تحميله
الكثير من المسؤولية، هناك بعض التحفظات.
وأوضحت، أن نيويورك
مكان محدد ولها خصائص ديموغرافية واقتصادية محددة، وممداني رجل ذو خلفية محددة،
عرقية وسياسية ودينية، ولكن بعد تجاوز ذلك، فالكاتبة تعتقد أن الممارسة الناجحة لـ"سياسات الهوية" خلال حملته الانتخابية تقدم بعض الدروس العالمية.
وأضافت
إنها تضع "سياسات الهوية" بين علامتي اقتباس لأن المصطلح لم يعد يعني
شيئا متفقا عليه عالميا، وبشكل عام، أصبح يعني شيئا مهينا، نوعا ما بنفس الطريقة
التي أصبحت بها كلمة "الوعي الاجتماعي" كذلك، فإنها تحمل دلالات سلبية
متزايدة مثل "نداء سياسي للعرق أو غيره من علامات الهوية" يكون سطحيا، متجذرا في الشعور
الدائم بحس الضحية ويركز فقط على التمثيل ومنفصل عن الواقع المادي، ومن هذا
المنظور، لا تتعلق سياسات الهُوِيَّة بالأهداف العامة، مثل انتشال الناس من الفقر
وبالتالي حشد تحالفات واسعة من الناخبين، بل هي متعلقة ببساطة بالظهور.
وأوضحت
أن سياسات الهوية كقوة سياسية منظمة لها أصولها في الفكرة المعاكسة تماما، صاغتها
منظمة "مجموعة كومباهي ريفر" النسوية الاشتراكية السوداء في عام 1977،
وعرّفت سياسات الهوية على أنها طريق إلى التحرر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال
فهم أن الأنظمة تضطهد العديد من الأشخاص المختلفين على أساس هويتهم، وبالتالي لا
يمكن تفكيكها إلا إذا عملت جميع المجموعات معا، حيث أعلنت المجموعة: "نعتقد أن
السياسات الأكثر عمقا والأكثر راديكالية تأتي مباشرة من هويتنا الخاصة"، ولكن
"غالبا ما نجد صعوبة في فصل العرق عن الطبقة عن الاضطهاد الجنسي لأننا في
حياتنا نعاني منها في أغلب الأحيان في وقت واحد".
وأشارت
إلى أن هذه "التجربة المتزامنة" هي ما تتحدث عنه في هذا المقال، وقد
استغل ممداني ذلك، لقد بنى حملته الانتخابية بقوة على تجربة العيش في نيويورك،
وكيف تحتاج المدينة إلى أن تصبح في متناول الجميع، ثم وسّع نطاق ذلك ليشمل جميع
الطرق التي تعيش بها المجموعات المختلفة هذه التجربة.
أصدر ممداني، مقاطع فيديو دعائية
باللغات الأردية والهندية والإسبانية والعربية، وركز فيها جميعا على رسالة
اقتصادية موجهة للمستهلكين: "تجميد الإيجارات، وحافلات مجانية، ورعاية أطفال شاملة،
وجعل نيويورك مكانا مناسبا لتربية الأطفال وتأسيس المشاريع الصغيرة"، ثم أضاف لمسة
شخصية مميزة، ففي رسالته باللغة العربية، مازح قائلا إن الأمر الأكثر إثارة للجدل
من رسالته السياسية هو اعتقاده بأن الكنافة، مذاقها أفضل في شارع ستاينواي في
كوينز منها في نيوجيرسي. وتعلق قائلة: "يا له من اختيار موفق!"
إن
إدراج لغات الهويات المهمشة هو بمثابة تمكين لهذه الفئات، وقد اقتبس العبارة
العربية "أنا منكم وإليكم" في خطاب فوزه، وذكر أولئك "المنسيين من
سياسات مدينتنا: أصحاب المتاجر اليمنيين والجدات المكسيكيات، وسائقي سيارات الأجرة
السنغاليين والممرضات الأوزبكيات، وطهاة المطاعم من ترينيداد والعمات الإثيوبيات".
وقالت
إنه جمع بين ذلك وبين التواجد في الأماكن التي يشغلها أبناء الطبقة العاملة، وكثير
منهم من ذوي البشرة الملونة. فمن خلال زيارته لسائقي سيارات الأجرة وعمله في نوبات
العمل الليلية، صاغ استعارة قوية لمدينة تدار بجهود أولئك الذين يعملون في الظلام، وقد جمع كل ذلك معا من خلال إبراز هويته الخاصة، كما وصفها هو نفسه، "إلى
النور". كونه مسلما نشأ في ظل (رهاب الإسلام)، فقد عانى من حملة عنصرية شنيعة
ضده، لكنه قاوم الضغط للتخلي عن هويته من أجل الاندماج والنجاح. قال: "لن
أعيش في الظل بعد الآن".
وأشارت
إلى أن هذه الظلال واسعة، وفي هذه اللحظة، لا تشمل ممداني فحسب، بل شرائح واسعة من
الناس من جميع الهويات الذين يعيشون تحت نظام من الخوف والصراع الاقتصادي والترحيل
وخنق حرية التعبير ومؤسسة سياسية كاملة جعلت من التنمر والقسوة أسلوب عملها، وأصبح
التحالف الذي بناه ممداني، عبر جميع الأعراق، يدور حول سد الفجوة الهائلة بين
الناس والسلطة.
وفي تناقض واضح مع سياسيي الحزب الديمقراطي التقليديين، عندما تعرض
ممداني للمقاطعة الأسبوع الماضي بسبب موقفه من غزة، لم يقل، كما فعلت كامالا هاريس
عندما تعرضت للمقاطعة، "أنا أتحدث"، ابتسم ممداني وقال: "أريدكم أن
تكونوا قادرين على تحمل تكاليف العيش في هذه المدينة أيضا يا أخي".
وذكرت
أن هناك شيئا آخر في نهج ممداني يكشف كيف أن الهوية، عندما تمارس بشكل صحيح، تكون
منتجة، إنها سياسة تصاغ وتعرّف من خلال التواجد على الهوامش، ولكن ليس كفرد واحد
يريد الهروب بمفرده، أولئك الذين يرون هويتهم وسيلة ليصبحوا جزءا من مؤسسة يمكنها
بعد ذلك أن تشير إليهم كنماذج لشمولية السياسة سيكون لهم دائما جاذبية محدودة،
وبالتالي نجاح محدود كصانعي تغيير.
إن رؤية هذه الهوامش، العرقية والاقتصادية
والسياسية، كمساحات يمكن فيها حشد الأغلبية، كمساحات لا يريد فيها الناس سماع
الحديث عن الضحية بل عن العدالة، هو خلق تحالفات والهروب معا. إنه الكشف للجمهور الناخب
أن المشكلة ليست في أنواع معينة من العنصرية أو التحيزات، بل في نظام كامل يستبعد
جميع أولئك الذين لا يملكون رأس المال بجميع أشكاله.
وأضافت أن هذه الرسالة تلقى صدى واسعا لدى الآباء البيض المتعلمين جامعيا
الذين يعانون من تكاليف رعاية الأطفال، وكذلك لدى سائق التاكسي المهاجر الذي يكافح
لدفع الإيجار، ولكن فوق كل شيء، ومن المفارقات، جسّد ممداني فضائل "بوتقة
الانصهار" الأمريكية، أمة المهاجرين الذين يعيشون في خضم الرأسمالية، والذين
يدركون بشكل متزايد جميع أوجه فشل البلاد في الارتقاء إلى مثلها العليا.
وأنهت بالقول، إن جميع
أشكال المعارضة التي واجهها ممداني، ليس فقط من اليمين بل من حزبه أيضا، تثبت أن
السياسة الليبرالية الأمريكية قد ضلت طريقها منذ زمن طويل في خدمتها لرأس المال
ونهجها المتعالي تجاه الهوية، ما ينجح في نيويورك لا ينطبق بالضرورة تماما على
بقية الولايات المتحدة وخارجها، لكن
فوز ممداني يذكّرنا بأن الناس، مهما كانت
هوياتهم، يريدون شيئا واحدا فقط: "قادة ينتمون إليهم ويعملون من أجلهم".