ذكر تحليل نشرته مجلة "
فورين أفيرز" الأمريكية أنه في 13 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تابع
الإسرائيليون عبر شاشات التلفزيون دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ وعودة آخر 20 أسيرا إسرائيليا، بينما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عرّاب الاتفاق، يلقي خطابا في الكنيست الإسرائيلي قال فيه: "هذه ليست مجرد نهاية حرب، بل نهاية عصر من الرعب والموت، وبداية عصر من الإيمان والأمل".
وأضاف التحليل الذي كتبه رئيس تحرير صحيفة هآرتس، ألوف بن، أن "الخطاب حضره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو، الذي شكره ترامب قائلاً: أود أن أعرب عن امتناني لرجل يتمتع بشجاعة ووطنية استثنائيتين، قبل أن يطلب منه الوقوف، فاستجاب نتنياهو مبتسما".
وأوضح أن "تلك اللحظة رائعة بالنسبة لنتنياهو، وأنه بعد هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لم يتوقع أحد تقريباً بقاء نتنياهو في السلطة لعامين إضافيين، فضلاً عن تلقيه المديح من رئيس أمريكي".
وأكد أنه "عندما تعرضت إسرائيل لآخر هجوم كبير في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، استقالت رئيسة الوزراء غولدا مائير بعد الحرب بفترة وجيزة، بينما نفى نتنياهو أي مسؤولية عن فشل منع هجوم حماس، وألقى باللوم على الجيش وأجهزة المخابرات، مفضلاً إطالة أمد الحرب للحفاظ على حكومته رغم أعبائها الداخلية والضغط الدولي لإنهائها".
وذكر التحليل "بينما كان ترامب يمتدحه في الكنيست، كان نتنياهو يخطط لمعركته المقبلة — الانتخابات الإسرائيلية المقررة في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وقد يتم تبكيرها إلى حزيران/ يونيو، متعهداً بالترشح والفوز مجدداً، ومصوراً حرب غزة على أنها نصر كبير، بالإضافة إلى الهجوم على معارضيه بوصفهم أعداء الداخل، كما استأنف جهوده للسيطرة على القضاء، والجيش، والمخابرات، والإدارة العامة، ووسائل الإعلام، في إطار توجه استبدادي يهدف لترسيخ سلطته".
وأشار التحليل إلى أن "الانتخابات المقبلة تُعد بمثابة استفتاء وطني على حكم نتنياهو، كما كانت جميع الانتخابات منذ عودته إلى السلطة عام 2009. ويصفه مؤيدوه بأنه "المنقذ والمقاتل في الخطوط الأمامية للحرب الثقافية" داخل المجتمع الإسرائيلي، فيما يرى معارضوه أنه "زعيم فاسد وانتهازي مستعد لفعل أي شيء للبقاء في السلطة"، بحسب ألوف بن، الزميل في مركز بيل غراهام للتاريخ الدولي المعاصر بجامعة تورنتو، الذي أشار إلى أن دافع نتنياهو الأساسي ليس إنقاذ إسرائيل بل إنقاذ نفسه من المحاكمة والحفاظ على موقعه".
وأكد أن "توجهه الاستبدادي (نتنياهو) قد أدى إلى تآكل شعبيته. فاستطلاعات الرأي أظهرت تراجع دعم ائتلافه بقيادة "الليكود" من 52 مقعداً في أيار/ مايو 2023 إلى 44 بعد هجوم أكتوبر، ثم عاود الصعود إلى 52 مقعداً عقب اغتيال إسرائيل لزعيم حزب الله حسن نصر الله عام 2024، وظل عند هذا المستوى".
ولم يتحول هذا التراجع لم يتحول إلى هزيمة انتخابية واضحة، نظراً للفوضى السياسية في "إسرائيل"، إذ يمنحه وجوده في السلطة أفضلية كبيرة تتيح له التحكم بالحرب والميزانية والضرائب، وبالتالي القدرة على تأجيل الانتخابات أو كسب الناخبين عبر امتيازات مالية. كما يتمتع بدعم قاعدة موحدة تتبنى رؤيته لإقامة "إسرائيل الكبرى" ورفض الدولة الفلسطينية.
في المقابل، تعاني المعارضة من الانقسام. فالأحزاب غير المشاركة في الحكومة، رغم اتفاقها على رفض نتنياهو، تختلف في القضايا الجوهرية. وبعضها يشارك أجندته القومية، فيما ترفض أحزاب أخرى التعاون مع الحزبين العربيين اللذين يُتوقع فوزهما بعشرة مقاعد ضرورية لأي أغلبية.
ورغم الانتقادات الدولية الواسعة لسياسات نتنياهو واتهام "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية في غزة، لا يزال كثير من الإسرائيليين يرون في تدمير القطاع وقتل أكثر من 68 ألف فلسطيني "رداً مبرراً على فظائع حماس". وتُفسَّر تلك الانتقادات داخل إسرائيل باعتبارها "عداءً للسامية".
ويُعتبر رئيس الوزراء الأسبق نفتالي
بينيت أبرز منافس لنتنياهو، كونه شخصية طموحة غير متورطة في قضايا فساد، ويمزج بين القومية الدينية والعلمانية المادية. وبينيت، الذي خدم في حكومات نتنياهو سابقاً، شكّل عام 2021 ائتلافاً متنوعاً ضم أحزاباً من اليمين واليسار وحتى حزباً عربياً محافظاً، فيما عُرفت حكومته باسم "حكومة التغيير" قبل أن تنهار بعد عام، مفسحة المجال لعودة نتنياهو.
مع ذلك، أظهرت تجربة بينيت أنه قادر على توحيد أطراف متباعدة، ويبدو أنه سيخوض الانتخابات المقبلة بشعار "نتنياهو يفرّق، وأنا أُوحّد".
واختتم تحليل فورين أفيرز بأن الانتخابات الإسرائيلية المقبلة ستكون اختباراً جديداً لاستراتيجية "فرّق تسد" التي بنى عليها نتنياهو بقاءه السياسي.