ما زالت تبعات أحداث
السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023 تترك آثارها على الإسرائيليين بعد مرور أكثر من
عامين على وقوعه، مما دفع جيش
الاحتلال الإسرائيلي للقيام بكل الجهود الوقائية الاستباقية
للحيلولة دون حصول المزيد من العمليات المفاجئة، وهو ما تجسد في الاغتيال الأخير للقائد
العسكري لحزب الله.
وذكر الجنرال يتسحاق
غيرشون قائد المنطقة الوسطى خلال انتفاضة الأقصى، وعضو حركة الأمنيين، في مقاله
بصحيفة
يديعوت أحرونوت، أن "دولة الاحتلال ترغب في أن تُطبّق الحكومة
اللبنانية سيادتها
الفعلية على كامل أراضيها، خاصةً في الجنوب، وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1701، بزعم
أنها مصلحة واضحة للبنان ودولة الاحتلال، بحيث تُعبّد الطريق نحو المبادرة الأمريكية
لبناء شرق أوسط أكثر استقرارًا وأمنًا، فقد كنا ندرك ذلك منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق
النار في نوفمبر 2024 أن قدرة بيروت على الوفاء بالتزاماتها محدودة للغاية".
وأضاف في المقال الذي
ترجمته "عربي21" أنه "في الوقت نفسه، يواصل
حزب الله وإيران بذل قصارى
جهدهما لتعزيزه، واستعادة قدراته، ولذلك لم يكن أمام الاحتلال خيار سوى استهداف أبو
علي الطباطبائي، أحد كبار الشخصيات في هيكلية الحزب العملياتية، وهو شخصية ذات خبرة
عملياتية، وكفاءة تنظيمية استثنائية، وشكلت هذه الخطوة، التي نُفذت في قلب بيروت، دقيقة
وصحيحة، ولم تعد إحباطًا تكتيكيًا، بل إحباطًا استراتيجيًا يتضمن رسالة واضحة وموجزة
لجميع الأطراف في المنطقة".
وأوضح أن "هجوم
السابع من أكتوبر غيّر الكثير من السلوكيات والسياسات الإسرائيلية، ولم تعد قواعد ضبط
النفس، و"ألعاب المعادلات"، و"الصمت يُجاب بالصمت"، ذات جدوى،
رغم أن المجتمع الإسرائيلي متوحد حول مفهوم واحد أن "ما كان ليس ما سيكون"،
وكأن لسان حال دولة الاحتلال هو "نهاية المعادلات"، أي أن الهجوم على أحد
كبار شخصيات الحزب الأكثر خبرة يبعث برسالة مزدوجة، لسان حالها أن قادته على جميع المستويات،
ومن بقي منهم، هم أهداف إسرائيلية مشروعة".
وأشار أن "الاغتيال
الأخير يعني أن دولة الاحتلال لن تسمح بعد هجوم السابع من أكتوبر بإعادة تأهيل أو تقوية
المنظمات والجيوش المعادية على حدودها، ويتوافق هذا الرأي مع التوجه الأمريكي المتنامي،
الذي يرى في تفكيك الميليشيات المسلحة غير الحكومية شرطًا أساسيًا لاستقرار المنطقة،
وهو ما تدعمه السعودية ومصر، اللتان تدركان التهديد الإيراني بوضوح أكثر من أي وقت
مضى، ويخدم هذا التوجه استقرارهما الداخلي، ومصالحهما الاقتصادية".
وأكد أن "المصلحة
الجديدة، التي تشترك فيها تل أبيب وواشنطن والرياض والقاهرة، مفادها أنه لن تُحدد الميليشيات
المسلحة الأمن الإقليمي بعد الآن، وسيُطلب من لبنان تنفيذ نصيبه من الاتفاقيات، وإلا،
ستزيد دولة الاحتلال من عملياتها، وإذا لزم الأمر، ستشن حملة تهدف لمنع مفاجأة أخرى
في المستقبل القريب أو البعيد".
وزعم أن "ما حصل
في قلب بيروت، يحمل رسالة واضحة إلى حماس، ومفادها إما المضي قدمًا، وتنفيذ المرحلة
الثانية من خطة الرئيس ترامب، روحًا ونصًا، أو ستتسبب بعودة الاحتلال إلى القتال، وتطبيق
سيطرة مدنية محدودة وأمنية عملياتية واستخباراتية على قطاع
غزة، تقريبًا أو مشابهة
للضفة الغربية".
وأشار أن "أولى
الآثار الأوسع للاغتيال في لبنان التعطيل العملياتي الفوري لأنظمة التخطيط وإعادة هيكلة
الحزب، وثانيها أن الضرر الذي لحق طوال الحرب بسلسلة قيادته بأكملها لم يترك العديد
من القادة بالخبرة التي امتلكها الطباطبائي، وثالثها أن الاحتلال لم يعد يشتري مبدأ
الصمت يُجابه بالصمت، لأن تنظيم وإعادة بناء وتعزيز المنظمات المسلحة على حدودها سبب
كافٍ للهجوم، وحتى الحرب، ورابعها الزخم الدبلوماسي للخطوة الأمريكية العربية الجديدة،
الهادفة لمنح لبنان الأدوات اللازمة لتطبيق الاتفاق بما يسمح لها بممارسة سيادتها".
وزعم أن "الاغتيال
يسعى لإرساء نموذج جديد يتمثل في أن أي رد من حزب الله، حتى لو كان رمزيًا، سيُقابل
برد إسرائيلي غير متناسب، بما يعكس التغيير الذي حدث في دولة الاحتلال، والمنطقة بأسرها،
أي أن مبدأ التناسب القديم انتهى، مما يستدعي توجيه العديد من التوصيات لصانعي السياسات،
وأهمها تعزيز الخطوات التي من شأنها مساعدة الحكومة اللبنانية على ممارسة سيادتها بفعالية
لصالح اللبنانيين والمنطقة، ومواصلة الضغط المركز والمكثف على الحزب، من أجل منع إعادة
تأهيله بشكل عام، وجنوب الليطاني بشكل خاص".
تحمل هذه السطور توجهات
إسرائيلية جديدة للاستفادة من التنسيق الأمريكي السعودي المصري لزيادة الضغط السياسي
على بيروت للوفاء بالتزاماتها، فيما يتعلق بنزع سلاح حزب الله، والاستعداد لرد فعل
إسرائيلي غير متناسب على أي محاولة من الحزب لتغيير المعادلة، وإبعاده عن مواقع اللاعبين
الرئيسيين في المنطقة، ومراقبة توجهات إيران عن كثب، التي لا تزال تحاول استعادة قدراتها
وقدرات وكلائها، وتعميق الشراكة مع الولايات المتحدة والدول المعتدلة لعزل إيران.