الكتاب: الإخفاق الاستخباراتي والعسكري
والسياسي الإسرائيلي في 7 أكتوبر، دراسات وتحليلات لخبراء وباحثين إسرائيليين
إعداد: رندة حيدر
الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية
أحدث هجوم السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى)
صدمة كبيرة في إسرائيل على جميع المستويات الشعبية والرسمية، قد تستمر تداعياتها
لسنوات طويلة مقبلة. وهو لا يزال يثير الكثير من الجدل والنقاش حول فكرة أساسية
تتعلق بأسباب فشل إسرائيل بالتصدي له ومنعه. وفي هذا الكتاب مجموعة من التحليلات
والمقالات التي وضعها صحافيون ومحللون إسرائيليون، في محاولة منهم لفهم وتفسير
الإخفاق العسكري الإسرائيلي في مواجهة هذا الحدث الكبير، وهي تعكس وجهات نظر
متنوعة، وإن كانت تركز على ثلاثة محاور هي الإخفاق الاستخباراتي، والإخفاق
السياسي، والإخفاق التكنولوجي.
بحسب ما جاء في مقدمة الكتاب يقول فادي
نحاس، الباحث في شؤون الجيش والأمن القومي الإسرائيلي، إنه يمكن تلخيص النقاط
الرئيسية والمشتركة للإخفاق الاستخباراتي في ثلاثة جوانب أساسية هي فشل التقديرات
الاستخباراتية، التي قللت من أهمية التهديدات العينية، واطمأنت إلى تقديرات مفادها
أن "حماس" مردوعة. والتركيز على المهمات الدفاعية، وإخفاق أجهزة
الاستخبارات في توقع الهجوم، فضلا عن ضعف التنسيق بينها.
إن الخطر القادم من الحدود والضفة لم يكن مهما بالنسبة لنتنياهو، لقد ركز على تحطيم الديمقراطية الإسرائيلية، ومأسسة مكانته كحاكم أعلى، وتحويل الموارد إلى الحريديم والمستوطنات
أما على صعيد سياسي فقد عكست المقالات نزعة
إلى تحميل القيادة السياسية المسؤولية الرئيسية عن الإخفاق، وركزت على تجاهلها
للتحذيرات الاستخباراتية، وفشلها في اتخاذ إجراءات وقائية كافية. وفيما يتعلق
بالإخفاق التكنولوجي تناولت المقالات فشل منظومة "العائق" الحدودي، وضعف
وسائل المراقبة والإنذار، منتقدة الاعتماد المفرط على الوسائل التكنولوجية،
والتركيز على "الأمن السائد بلا جنود" بدلا من الاعتماد على القوات
البشرية. ويلفت نحاس إلى أن هؤلاء المحللين والكتاب حاولوا في الوقت نفسه التقليل
من دور وقدرات حماس، ولم تناقش مقالاتهم الأداء العسكري للحركة، كما أنهم لم
يشيروا إلى عنصر أساسي في فشل التقديرات الاستخباراتية والاستراتيجية الإسرائيلية،
وهو تجاهل وجهة نظر
الفلسطينيين، فالمقالات "لا تتعمق في فهم الدوافع والظروف
الفلسطينية بصورة شاملة، بل هناك تركيز على الأحداث المباشرة..".
الشاباك أصيب بالعمى
يقول المحلل العسكري رونين برغمان إنه بحسب
مصدرين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، تحدثا إلى صحيفة "نيويورك
تايمز"، لاحظت الاستخبارات التحضير لشيء استثنائي، قبل وقت قصير من شن حماس
لهجومها، ووجها تحذيرات إلى المقاتلين على الحدود مع
غزة، لكن هذا لم يؤد إلى أي
إجراء.. وبعد ذلك أرسلت حماس مسيّرات أوقفت عمل جزء من شبكة الاتصالات الخليوية
وأبراج التنصت على الحدود، وعطّلت منظومة "يرى ـ يطلق النار" التي
تفعلها وحدات الرصد عن بعد. لقد اعتقد المسؤولون في الجيش أن الدمج بين منظومة
المراقبة عن بعد، والجدار الصلب والحاجز تحت الأرض لمنع الأنفاق التي تمر تحت
الجدار، سيجعل اختراق الحدود غير ممكن، ويقلل الحاجة إلى عدد كبير من الجنود
الموجودين في القواعد.
فضلا عن ذلك فقد صدق الإسرائيليون مسؤولي "حماس"
عندما قالوا في شبكات الاتصالات الداخلية، التي تعلم الحركة أن الإسرائيليين
يتنصتون عليها، إنهم لا ينوون خوض معركة. حتى أن رئيس مجلس الأمن القومي تساحي
هنغبي قال في مقابلة قبل الهجوم بـ 6 أيام إن "حماس اتخذت قرارا بضبط النفس
بصورة غير مسبوقة.. إنها مرتدعة جدا لـ 15 عاما على الأقل".
ومن جهته يلفت المحلل السياسي أفنر برنياع
إلى أنه استنادا إلى الكثير من المعلومات المنشورة، يتبين أن حماس كان لديها
معلومات استخباراتية جيدة عن استعدادات الجيش الإسرائيلي، في الوقت الذي أصيب فيه
جهاز الشاباك "بالعمى"، ولم يشاهد ما يجري في القطاع، وخصوصا بسبب
النقص في المصادر البشرية وسط متخذي القرارات في حماس، وأيضا في الدرجات الأدنى في
الحركة.
وثائق تحذيرية مهملة
يوضح المحلل العسكري إيتاي إليناي أنه في
مطلع العقد الماضي أوقفت شعبة الاستخبارات العسكرية تشغيل عملاء في قطاع غزة،
وأصبحت هذه المهمة موكلة إلى جهاز الشاباك وحده. وبناء على محادثات أجريت مع
مسؤولين سابقين وحاليين في الشعبة، فقد تكشّف أثر نقص الاستخبارات البشرية لدى
الشعبة، إذ تحوّلت إلى شعبة عمياء وصماء إزاء ما يحدث تحت ناظريها.
وبحسب مصدر سابق مسؤول عن الساحة الفلسطينية
فإن هناك "تدهورا جنونيا في المنظومة حيال كل ما يتعلق بمعرفة دواخل العدو
وخصوصا من ناحية إتقان اللغة العربية وفهم الثقافة العربية". بينما صرح مصدر
آخر أن هذه الشعبة تفتقد إلى التنوع، فالعاملون فيها "عصريون وغربيون،
يرغب الكثير منهم إلى الانتقال إلى صناعة الهاي-تك، بعد تمضية فترة تجنيدهم في
الشعبة. لا يوجد هناك أي درزي أو بدوي، أو آخرون من تنوعات المجتمع اليهودي.. لذلك
يصعب عليهم إدراك أن العدو يفكر بصورة مختلفة عنا" ومثال ذلك هو المفهوم الرائج
بينهم من الناحية الاقتصادية وهو أن "حماس لا ترغب سوى في المزيد من الراحة
والمال.. وأن حماس آخذة في التجذر داخل الحكم، وبدأت بإدمان مزاياها الاقتصادية..
فجرى إغفال الدافع الأيديولوجي للقيام بعمل حربي".
يشير إليناي إلى وثائق "إيفخا
مستبرا" التي يصدرها قسم الرقابة في الشعبة عدة مرات سنويا، الذي يتلخص دوره
في نقض التصورات السائدة باستخدام مواد استخباراتية، ويذكر أن إحدى هذه الوثائق
الصادرة في العام 2017 أشارت إلى إمكان أن تشن حماس هجوما كبيرا، لكن شعبة
الاستخبارات تعاملت مع هذه الوثيقة كما الوثائق الأخرى في سنوات تالية "بقليل
من الثقة". "وكان التصور السائد في القسم أن حماس حتى لو كان لديها
مخططات فإنها غير ناضجة، أو عازمة على تنفيذها".
يقول إليناي إن رئيس شعبة الاستخبارات
الجنرال أهارون حليفا قام بزيارة تفقدية إلى الجنوب قبل أربعة أيام فقط من هجوم
حماس، وكرر في كلمته أنه مقتنع بأن حماس مردوعة، وبعد هذه الزيارة ذهب إلى إيلات
في عطلة خاصة قبل الهجوم بـ24 ساعة. وعندما بدأت الأخبار تتوالى بشأن نشاط مشبوه في
غزة، تلقى حليفا تقريرا بهذا الخصوص، لكنه لم يقطع إجازته، ولم يشارك في
الاجتماعات الهاتفية الليلية التي جرت بين رئيس هيئة الأركان ورئيس الشاباك وقائد
المنطقة الجنوبية، والتي توصل المشاركون فيها إلى أن الحركة لا تخطط لعملية
هجومية، بل خطوة محدودة الأثر.
ويضيف إليناي: "إزاء كل ما يتعلق بحماس، اتسقت
الصورة الاستخباراتية التي عرضها الرجل(حليفا) تماما مع مصالح المستوى السياسي،
وعلى رأسه نتنياهو، الذي فضل تمكين حكم حماس في القطاع لأسباب عديدة، بينها إضعاف
مكانة السلطة، وبالتالي تلافي أي خطوات سياسية معها".
عاصفة مثالية
يصف رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"،
ألوف بن، الوثائق التحذيرية التي أرسلها رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات
العسكرية، الجنرال تامير ساعر، إلى نتنياهو في شهري مارس ويوليو، بأنها الدليل
الأكثر حسما على مسؤولية رئيس الحكومة عن "الكارثة" التي ضربت إسرائيل
في السابع من أكتوبر. ويقول إن ساعر حذر نتنياهو من أن "أعداء إسرائيل ـ إيران
وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي ـ يشخصون ضعفا إسرائيليا وضررا في الردع، وذلك
بسبب الأزمة الداخلية (الأزمة القضائية) التي تتعمق أكثر. لذلك هناك احتمال كبير
لهبوب عاصفة مثالية وتصعيد أمني". لكن نتنياهو تجاهل التحذيرات وانشغل بتصفية
حساباته مع يوآف غالانت لأنه تحدث عن هذه التحذيرات علنا.
في مطلع العقد الماضي أوقفت شعبة الاستخبارات العسكرية تشغيل عملاء في قطاع غزة، وأصبحت هذه المهمة موكلة إلى جهاز الشاباك وحده. وبناء على محادثات أجريت مع مسؤولين سابقين وحاليين في الشعبة، فقد تكشّف أثر نقص الاستخبارات البشرية لدى الشعبة، إذ تحوّلت إلى شعبة عمياء وصماء إزاء ما يحدث تحت ناظريها.
يقول ألوف بن "إن الخطر القادم من
الحدود والضفة لم يكن مهما بالنسبة لنتنياهو، لقد ركز على تحطيم الديمقراطية
الإسرائيلية، ومأسسة مكانته كحاكم أعلى، وتحويل الموارد إلى الحريديم
والمستوطنات". بل إنه أنكر تلقيه تحذيرات من شعبة الاستخبارات العسكرية والشاباك.
والغريب أن محضر اجتماع عقدته لجنة رقابة الدولة في الكنيست في مارس 2017 يظهر أن
نتنياهو قدم وصفا لهجوم تخطط له حماس من قطاع غزة، كان مطابقا تقريبا لهجوم طوفان
الأقصى، غير أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أكد في الاجتماع أن سياسات حكومته ردعت
الحركة.
من جهة أخرى يرى ألوف بن أن شعبة
الاستخبارات العسكرية لم تلتفت إلى الاستفزازات التي تقوم بها حكومة اليمين حيال
الفلسطينيين، من توسيع للمستوطنات، والمقاطعة السياسية للسلطة الفلسطينية، وارتفاع
أعداد اليهود الذين يقتحمون حرم المسجد الأقصى "الذي يشكل مبررا للعنف
الفلسطيني منذ مئة عام.. وليس اعتباطا أن تمت تسمية الحملة التي شنتها حماس طوفان
الأقصى". ويعتقد ألوف بن أن قمة هذا الاستفزاز كانت عندما أعلن نتنياهو نيته
التوصل إلى سلام مع السعودية من دون مفاوضات مع الفلسطينيين.
وأهم من ذلك أن هناك "أزمة" في
الرؤية الاستراتيجية لدى شعبة الاستخبارات، بحسب ما يقول ألوف بن، ذلك أنها ركزت
على "الأعداء الأقوياء" (إيران وحزب الله) وتعاملت مع الفلسطينيين في
الضفة وغزة باعتبارهم يشكلون خطرا أقل. متجاهلة حقيقة أن الفلسطينيين لديهم ميول
أكبر إلى المخاطرة، وشرعية أكبر داخليا ودوليا، لضرب إسرائيل، مما لدى إيران أو
لبنان.