قضايا وآراء

وانتصر الشعب قبل المقاومة

ياسر عبد العزيز
"الثبات النفسي، والعزيمة التي لا تُفَل، والإيمان الراسخ بالله قبل القضية والحق في الأرض"- الأناضول
"الثبات النفسي، والعزيمة التي لا تُفَل، والإيمان الراسخ بالله قبل القضية والحق في الأرض"- الأناضول
"إنما النصر صبر ساعة".. وساعة أهل غزة بألف مما تعدون.. قصف وقنص وتدمير وتهجير وفراق للديار والأحباب، والاعتقال والتعذيب، هذه ساعة شعب الجبارين، هذه ساعة الشعب الذي لا تقهره لا "إف 16" ولا "كواد كابتر"، الشعب الذي واجه الـ"ميركافا" بعبوة محلية، وجعلها مسخرة عالم المدرعات، بعد أن كانت مفخرته، الشعب الذي خرج مقاتلوه حفاة ليواجهوا جنود "ناحال" المدججين بالسلاح وبالدروع المصفحة على صدورهم، وطائرات التجسس فوق رؤوسهم وشردوا بهم.

عشرات الآلاف من الشهداء، ومثلهم من المصابين، وآلاف القابعين تحت الركام، ينتظرون تكريمهم بالدفن بعد أن حالت قلة الإمكانيات والآلة الحربية دون ذلك، فيما تنكوي قلوب ذويهم لعدم تمكنهم من إلقاء نظرة الوداع عليهم، وإعطائهم آخر حق لهم في هذه الدنيا التي حرفت معاني الإنسانية، واختزلتها في إطلاق سراح عشرات من المغتصبين للأرض، والمعتدين على العرض الفلسطيني الأبي على أن يمس شرفه معتد.

خمسة عشر شهرا، ضاقت بهم الأرض بما رحبت، خمسة عشر شهرا من القتل بجميع أنواع الأسلحة التي تفتقت عنها أذهان أهل الشر من صانعي وممولي الترسانات العسكرية الغربية من أدوات القتل، ولم تبخل هذه الترسانات لا بالعتاد ولا السلاح ولا حتى الرجال لهزيمة الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لكن المفارقة أنهم لم يفلحوا، خمسة عشر شهرا وآلة الحرب الإسرائيلية التي فشلت في إنهاء حكم المقاومة وقدراتها العسكرية، رغم تعهدات نتنياهو بإنهاء العملية والقضاء على "حماس"، كما صرح لصحيفة "وول ستريت جورنال"، وهو ما لم يحدث بعد خمسة عشر شهرا.

خمسة عشر شهرا من تصفية القيادات، في عمليات مخابراتية أو ميدانية، حتى إن الاحتلال لم يترك مكانا إلا ولاحق فيه قادة المقاومة، وانتهك في ذلك كل الأعراف الدولية والأخلاقية، وصولا لقتل من يفاوضه، وهي خرق للمروءة في الأعراف الدبلوماسية منذ أن عرفت الدنيا الدبلوماسية، لكن عدوا مجنونا مخذولا يريد أن يحقق انتصارا مهما كلف الأمر، بعد أن ارتهن لوعود عرف قبل غيره أنه لن يحققها، فقد وعد بإعادة المحتجزين، ولم يفعل، ووعد بوقف الصواريخ على الأراضي الفلسطينية التي يحتلها، ولآخر لحظة لم يستطع، ووعد بالقضاء على المقاومة، وها هي المقاومة تستعرض قواتها في جنوب غزة مكبرة لله شكرا.

خمسة عشر شهرا، والآلة الإعلامية الإسرائيلية والغربية وبعض وسائل الإعلام العربية تبث الأكاذيب، في حرب نفسية رهيبة، لو وجهت لجيش من الجيوش التي لاقت إسرائيل من قبل لهزمته معنويا، اشترى هذا الإعلام الموجه الذمم، وأخرج الفرى وبث الشائعات، ومارس كل الضغوط النفسية، مستغلا الحالة الميدانية التي تحدثها آلة الدمار الإسرائيلية المدعومة غربيا، لكن الثبات النفسي، والعزيمة التي لا تُفَل، والإيمان الراسخ بالله قبل القضية والحق في الأرض؛ كل ذلك كان كفيلا بأن يهزم هذه الآلة الإعلامية التي ينفق عليها ملايين الدولارات شهريا لتحقيق الهدف.

لم تنتصر المقاومة بهذا الاتفاق، وإنما المنتصر الحقيقي هو ذلك الشعب الأبي المؤمن الصابر الصامد، ذلك الشعب الذي قدم من الأرواح والدماء والمعاناة، ما يجعله الشعب الأعظم على هذه البسيطة، وما قدمه هذا الجيل من هذا الشعب يفوق ما قدمته البشرية في معاناتها جميعا، وهو نتاج تربية إيمانية، لا يمكن أن يغفل عنها غافل، لذا فإن الحرب القادمة ستكون على الأخلاق وهدم المبادئ ليسهل كسره، وسينفق العدو المليارات للوصول لهدفه.. فالحذر الحذر.

يا أهل غزة؛ هنيئا لكم صبركم وجهادكم ورباطكم، يا مدرسة الفداء والتضحية (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
التعليقات (0)

خبر عاجل