قضايا وآراء

سوريا الجديدة برئيس ذو صلاحيات بروتوكولية فقط

جمال قارصلي
يمكن لسوريا أن تنطلق نحو عهد جديد من الديمقراطية والاستقرار، لتصبح نموذجا يُحتذى به في المنطقة.. فيسبوك
يمكن لسوريا أن تنطلق نحو عهد جديد من الديمقراطية والاستقرار، لتصبح نموذجا يُحتذى به في المنطقة.. فيسبوك
منذ بداية الثورة السورية إلى الآن، هناك العديد من المقترحات والأفكار المطروحة على الساحة السورية، بهدف التغلب على التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه سوريا الجديدة. جُلّ هذه الأفكار تُلح على ضرورة بناء نظام سياسي جديد يعكس تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والعدالة والمساواة. يُعد النظام الديمقراطي البرلماني القائم على فصل السلطات وإرساء اللامركزية الإدارية، خطوة محورية لتحقيق الاستقرار والتنمية.

هذه الرؤية، تقدم إطارا متكاملا لضمان مستقبل مستدام لسوريا، حيث يتطلب بناء النظام السياسي الجديد صياغة دستور عصري يُرسّخ حقوق الإنسان والحريات الأساسية والمساواة بين جميع المواطنين. وتؤكد هذه الرؤية أن الدستور الجديد يجب أن ينص على المبادئ الأساسية، مثل فصل السلطات واستقلال القضاء وحرية الصحافة والتعددية السياسية، كما ينبغي أن يضمن سيادة القانون كضمانة لعدم انتهاك حقوق الأفراد والجماعات.

ينبغي أن يكون هذا الدستور شاملا، بحيث يُنظم عمل الدولة بوضوح ويمنع تركيز السلطة في يد فرد أو جهة واحدة. يجب أن تعكس القوانين تطلعات الشعب، وتكون قابلة للتطبيق بفعالية لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

النظام البرلماني.. تعزيز الديمقراطية والمساءلة

تشير أغلب الاستنتاجات إلى أن النظام البرلماني هو الخيار الأمثل لدولة مثل سوريا، المتعددة الثقافات والأعراق والديانات. في هذا النظام، يصبح رئيس الجمهورية منصبا فخريّا بصلاحيات محدودة تقتصر على المهام البروتوكولية، مثل تعيين رئيس الوزراء بناء على نتائج الانتخابات البرلمانية. لتجنب التسلط السياسي، يجب تحديد فترة رئاسة الجمهورية بدورتين فقط طوال حياة الرئيس، بحيث تكون مدة كل دورة خمس سنوات.

لطالما عانت سوريا من هيمنة السلطة التنفيذية، حيث تم تفصيل الدستور لتمكين الرئاسة من السيطرة على جميع مؤسسات الدولة. بالإضافة إلى ذلك، كانت الانتخابات الرئاسية السابقة مجرد مسرحيات مكلفة ماليّا ومهينة لعقول الشعب. على سبيل المثال، كلف آخر "استفتاء" في عهد حافظ أسد حوالي 360 مليون دولار، رغم أنه كان محسوما سلفا لصالحه.

إن بناء نظام ديمقراطي برلماني في سوريا يقوم على الفصل بين السلطات واللامركزية الإدارية والشفافية، ليس مجرد خيار سياسي، بل هو ضرورة لضمان مستقبل مستدام للدولة.
لهذا، يُقترح انتخاب رئيس الجمهورية عبر تصويت أعضاء البرلمان بالإضافة إلى ممثلين عن الشعب، يُساوي عددهم عدد أعضاء البرلمان، وتختارهم الأحزاب الممثلة في المجالس البلدية. تتم هذه العملية في مؤتمر خاص يُسمى "المؤتمر الجمهوري". هكذا عملية انتخابية ليست معقدة وتتم خلال اجتماع واحد وخلال ساعات قليلة. كمثال، شاركت في مؤتمر مماثل في عام 1999 عند انتخاب الرئيس الألماني الراحل يوهانس راو.

أما رئيس الوزراء، الذي يُنتخب من قبل أغلبية برلمانية، فسيحظى بالصلاحيات التنفيذية الكاملة. هذا النموذج يعزز مساءلة الحكومة أمام البرلمان المنتخب، مما يتيح للشعب مراقبة أداء الحكومة من خلال ممثليه، ويضمن استمرار العمل الديمقراطي بعيدا عن التسلط الفردي.

إلغاء منصب المحافظ وتطبيق اللامركزية

لتعزيز اللامركزية الإدارية، يجب إلغاء منصب المحافظ الذي غالبا ما يؤدي إلى تضارب المصالح مع رؤساء البلديات. بدلا من ذلك، تُدار المحافظات والمدن من خلال رؤساء بلديات منتخبين بطريقة شفافة. هذا النهج يمنح المواطنين دورا أكبر في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم اليومية، ويعزز المساءلة.

يمكن تقسيم المدن الكبرى إلى بلديات فرعية، يدير كل منها رئيس بلدية ومجلس محلي منتخب. وتكون هناك بلدية كبرى ومجلس بلدي شامل ينسقان بين البلديات الفرعية. هذا التنظيم يُعزز الكفاءة، ويضمن تلبية احتياجات السكان بشكل مباشر وأكثر فاعلية.

اللامركزية الإدارية لا تقتصر على نقل السلطات الإدارية إلى المناطق، بل تشمل أيضا تمكين المجالس المحلية المنتخبة من إدارة قطاعات حيوية مثل التعليم، الصحة، الخدمات الاجتماعية. هذا النموذج يتيح للمجتمعات المحلية اتخاذ القرارات المناسبة وفقا لخصوصياتها واحتياجاتها. كما يعزز من المشاركة الشعبية في صنع القرار، ويتيح للأفراد فرصة مراقبة الأداء في الإدارة المحلية والمساهمة في تحسينه.

خاتمة

إن بناء نظام ديمقراطي برلماني في سوريا يقوم على الفصل بين السلطات واللامركزية الإدارية والشفافية ليس مجرد خيار سياسي، بل هو ضرورة لضمان مستقبل مستدام للدولة. هذا النظام يضمن مشاركة جميع المواطنين في صنع القرار، ويُعزز العدالة الاجتماعية، ويُرسخ سيادة القانون. مع توفر الإرادة السياسية والتعاون بين مختلف الأطراف، يمكن لسوريا أن تنطلق نحو عهد جديد من الديمقراطية والاستقرار، لتصبح نموذجا يُحتذى به في المنطقة.

*نائب ألماني سابق من أصل سوري
التعليقات (0)

خبر عاجل