يأبى الطابور الخامس من المتصهينين العرب إلا
أن يعكر بادعاءاته صفو لحظة
انتصار المقاومة وتحقيق معركة طوفان الأقصى لأهدافها
الاستراتجية والمرحلية كاملة وهو ما تؤكده علوم الحرب والتخطيط الاستراتيجي
والوقائع على الأرض ونضالات الشعوب من أجل التحرر وأهل الاختصاص وأصحاب العقول المتحررة
من وهم تفوق الغرب وما أظهرته لحظات اليوم التالي عند بداية تبادل الأسرى.
فهل ما حصل يعد نصرا بالفعل أم هو غير ذلك؟ وما هي الانعكاسات
الاستراتجية والظرفية التي سيخلفها بعد اتفاق الهدنة؟ ولماذا يولول المتصهينون العرب أكثر من الصهاينة أنفسهم؟
وما مدى مصداقية ما يدعونه؟
للحكم على ما حصل في معركة طوفان الأقصى من
حيث انطلاقتها وأداء المقاومة أثناءها وجرائم الإبادة الموصوفة التي ارتكبها
الكيان الصهيوني في حق الشعب
الفلسطيني بغزة والتي تحولت إلى محرقة العصر وتجاوزت
الهلكوست الذي مارسه الغرب في حق أجدادهم.
تختلف معارك التحرير وجولاتها عن الحروب النظامية فالخسائر لا تقتصر على المادية منها والبشرية فهناك خسائر أخرى معنوية واستراتجية معيارها الأساسي مدى التقدم نحو الهدف المتمثل في إنهاء الاحتلال والتحرير الشامل.
فلا بد من الاحتكام لمعايير محددة باتت
معلومة في العلوم العسكرية والتخطيط الاستراتيجي.
ـ وضع القضية قبل المعركة وبعدها:
لقد كانت القضية الفلسطينية على حافة تصفية
يريدها العدو وداعموه والمتواطئون معه من الأعراب نهائية بفرض مشروع الشرق الأوسط
الجديد بالقوة الصلبة والناعمة عبر التطبيع واتفاقيات إبراهام ومزيد تفتيت دول
المنطقة وتجزئتها لصالح هيمنة الكيان.
ـ طبيعة المعركة وأهدافها:
هي معركة بين قوة احتلال استيطاني غاشم وقوة
مقاومة مطاردة ومحاصرة مع حاظنتها الشعبية وهذا الوضع يختلف جوهريا عن الحروب
النظامية وهي أيضا ليست معركة تحريك لجلب الانتباه وتثبيت دور طرف دولي أو إقليمي
كما حصل في حرب 1973 رغم أهمية الانجاز العسكري للجيش المصري. كما أنها ليست معركة
تحرير فلسطين بالكامل إنما أطلقتها المقاومة لإعادة طرح القضية خارج سياق التطبيع
والتصفية النهائية والتقدم بها خطوة نحو التحرير.
ـ معايير النصروالهزيمة:
تختلف معارك التحرير وجولاتها عن الحروب
النظامية فالخسائر لا تقتصر على المادية منها والبشرية فهناك خسائر أخرى معنوية
واستراتجية معيارها الأساسي مدى التقدم نحو الهدف المتمثل في إنهاء الاحتلال
والتحرير الشامل.
إن التقدير الموضوعي والعقلاني لا يمكن أن
يغفل عن النقلة النوعية التي أحدثتها معركة طوفان الأقصى نحو إنهاء الاحتلال
والتحرير الشامل لفلسطين وهو نصر للقضية في حدود ما تتطلبه المرحلة حيث دقت
المقاومة الفلسطينية آخر مسمار في نعش الكيان الغاصب كما يقال الذي حولته معركة
طوفان الأقصى إلى عبء على شركائه الغربيين وخاصة أمريكا وأحدثت داخله زلزالا
عسكريا وميدانيا بمعية جبهات إسنادها من لبنان واليمن والعراق وزلزالا معنويا
تمظهر في الهجرة العكسية والرعب النفسي والتفكك الاجتماعي وزلزالا اقتصاديا بتعطل
نسبة هامة من القطاعات والمرافق الحيوية .
وقد وضعت المعركة القضية على طاولة البحث عن
حل مرحلي عادل لم تتبلور إلى الآن معالمه ولن يكون مثل الحلول والاتفاقيات السابقة
لأن المفاوض يختلف عن سابقيه.
وكما وحدت المعركة الجبهة الفلسطينية بين
غزة والقدس والضفة وبين الداخل والخارج وحشدت
الرأي العام الدولي الحر ضد الكيان
وعرت دول الغرب والنظام الدولى وكشفت زيف التزامها القيم والمبادىء التي تعلنها
وأسقطت ورقة التوت عن عدد لا بأس به من الأنظمة العربية وفضحت الطابور الخامس من
المتصهيين العرب وأكدت أن من يملك الميدان يملك القرار والمبادرة، وهو ما تترجم في
كيفية تسليم أسرى المرحلة الأولى من
اتفاق الهدنة الذي أكد أن غزة هي حماس وحماس هي غزة، كما عبر عن ذلك كبار صناع
الرأي في الكيان وأن اليوم التالي لن يكون إلا فلسطينيا في صالح القضية والمقاومة
ولا موقع فيه للخونة المطبعين رافعي أسلحتهم في وجه أبناء شعبهم.
ومع ذلك تتعالى الأصوات وتنعق بعدم انتصار
المقاومة ويذهب بعضها إلى القول بأنها قد جنت على غزة وشعبها بما حصل من إبادة
وتدمير وأن المدخل الوحيد لحل القضية الفلسطينية هو السلام الدائم مع إسرائيل على
قاعدة القرارات الأممية.
لقد حققت المقاومة الفلسطينية مدعومة بحزب الله والحوثيين في اليمن والمقاومة العراقية وأحرار الأمة الإسلامية وأحرار العالم انتصارا تاريخيا في جولة مهمة من جولات الصراع مع المشروع الصهيوني الاستيطاني الغاصب تمهيدا لجولات أخرى على طريق تحرير الأقصى ولا عزاء للمطبعين المتصهينين العرب وغير العرب..
وهي أصوات تختلف في منطلقاتها وتلتقي في
مخرجاتها، فمنها من يفعل ذلك شفقة وحرصا ويفلسفه ببعض الأدلة والشواهد الدينية
وغيرها مجتزأة ومؤولة تأويلا خاطئا مبتذلا مثل قول أحدهم "جاهد بالسنن يا أبا
عبيدة" ومنها من يفعل ذلك كرها وحقدا وخدمة للكيان الغاصب ووكلائه في المنطقة
من أنظمة الاستبداد والفساد .
وفي كل الأحوال فقد غاب عن هؤلاء المتصهينين
أن رد الاعتداء لا يتم إلا بالمقاومة وتلك سنن التاريخ وأصل الوجود الإنساني
"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"، صدق الله العظيم.
ورغم أن القتال تكرهه النفس البشرية فقد كتبه الله على عباده في مثل هذه الحالات "كتب
عليكم القتال وهو كره لكم" صدق الله العظيم فلا أحد يرغب بالقتل والدمار ولكن
من غير المنطقي أن يكون رد الاعتداء دون خسائر مادية فقد قدمت الثورة الجزائرية
مليون شهيد ظريبة للتحرر الوطني وكل ثورات التحرير كذلك من فتنام الى جنوب افريقيا .
أما السلام فمن المؤسف أن يحاجج به البعض
بعد أن تبخر مع رفض الشهيد أبو عمار ياسر عرفات تسليم القدس للكيان وبعد أن تحول إلى وهم وسراب يلهث وراءه المطبعون حتى إذا
جاؤوه وجدوه استسلاما وخضوعا وخنوعا. فمن يصدق أن الكيان الصهيوني سيقبل بقيام
دولة فلسطينية بجانبه حتى وإن كانت منزوعة السلاح؟
لقد حققت المقاومة الفلسطينية مدعومة بحزب
الله والحوثيين في اليمن والمقاومة العراقية وأحرار الأمة الإسلامية وأحرار العالم
انتصارا تاريخيا في جولة مهمة من جولات الصراع مع المشروع الصهيوني الاستيطاني
الغاصب تمهيدا لجولات أخرى على طريق تحرير الأقصى ولا عزاء للمطبعين المتصهينين
العرب وغير العرب.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ".
*كاتب تونسي