برغم الرسائل العديدة التي أرسلتها
شعوب المنطقة في "تحرير أفغانستان" و"طوفان الأقصى"
و"انتصار الثورة السورية"، والتي تمحورت حول التذرع بالهوية واللوذ
بالحضارة الإسلامية ورفض الوضعية المهينة التي فرضت عليها منذ الحرب العالمية الأولى،
والتي حاولت مقاومتها عبر انتفاضات شعبية متواصلة لم تتوقف طوال القرن وحتى اليوم؛
هذه الانتفاضات تمثل في أحد أبعادها رد الفعل الإسلامي، في مواجهة التحديات
والمخاطر التي يجري تلغيم المنطقة بها، والتي جرت عمليات زراعتها وتكريسها خلال
قرن كامل، وكان آخرها التآمر والتواطؤ على شعوب الربيع العربي، التي ثارت ضد
جلاديها وكانت تطمح للحرية وتتطلع إلى حياة كريمة ككل شعوب العالم، ففوجئت بثورات
مضادة مدعومة بشكل غربي مطلق، تناصبها العداء وتنقض على ثوراتها.
والأدهى أن تقف هذه الثورات المضادة
ليس لتكريس الاستبداد فحسب، بل وقفت أيضا بشكل مطلق داعمة للاحتلال الصهيوني
وللإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني؛ فلذة أكباد العرب والمسلمين ومركز اهتمامهم،
حيث كان "طوفان الأقصى" هو رد الفعل الإسلامي الجديد، الرافض لاستعمار
المنطقة واحتلال ارادتها، فضلا عن إعلانه الرفض لكل أشكال النفوذ الأجنبي، المناقض
لمصالح شعوبنا ونهضة بلادنا.
هذا الحضور التصاعدي للإسلام في كل
جنبات وأركان المنطقة، يجب أن يُستثمر لصالح الأمة وكل قضاياها الحية والمصيرية،
وهو ما يوجب على الحركات الإسلامية، الكتلة الأهم في هذا المجال، أن تعمل على
إعادة تموضعها، وإعادة توجيه بوصلتها، لتواكب بوصلة الأمة، وتقف على طريق
تطلعاتها، وتنطلق في المسارات الحية التي خلقتها، والمساحات الجديدة التي أوجدتها.
الحضور التصاعدي للإسلام في كل جنبات وأركان المنطقة، يجب أن يُستثمر لصالح الأمة وكل قضاياها الحية والمصيرية، وهو ما يوجب على الحركات الإسلامية، الكتلة الأهم في هذا المجال، أن تعمل على إعادة تموضعها، وإعادة توجيه بوصلتها، لتواكب بوصلة الأمة، وتقف على طريق تطلعاتها، وتنطلق في المسارات الحية التي خلقتها، والمساحات الجديدة التي أوجدتها
وكما تناولنا من قبل "مظاهر
الصعود الإسلامي" وأسبابه، وعالجنا أيضا "أهم ملامح الخطاب الجديد"
الذي يجب أن يتبناه، فإن الواجب يقتضي الإشارة إلى أهم "الأهداف والأولويات
والتحالفات"، وهو ما سنحاول أن نعالجه في هذا المقال، علما بأن الأهداف إضافة
إلى الخطاب والتحالفات الجديدة تشكل أهم جوانب الرؤية الجديدة.
- وفي هذا الإطار فإن الأهداف
الجديدة لمشروع استئناف الحضارة الإسلامية، وفق السياق الحالي، يجب أن تركز على
تكثيف شرعية "
المقاومة" و"الثورات الشعبية"، فضلا عن تعظيم
قيم العدالة والتنمية المستدامة، واستعادة ثقة الشعوب بالمستقبل الإسلامي، وتوسيع
دائرة التحالفات الإقليمية والدولية. فالمشروع الإسلامي يجب أن يستند إلى رؤية
متجددة تعيد صياغة الحراك الإسلامي كقوة قيادية حضارية تعالج تحديات الأمة، وتعمل
على بناء مستقبل أكثر عدلا وكرامة
- ضرورة تكريس مشروعية المقاومة
كركيزة أساسية للمشروع الحضاري، بعد إعادة تعريف المقاومة كنهج شامل، وذلك من خلال
تقديمها كركن من أركان المشروع الحضاري، الذي يجمع بين التحرير والتنمية، وإبراز
المقاومة الفلسطينية كنموذج ملهم للصمود والكرامة الإسلامية، وتعزيز الدعم الشعبي
والإقليمي اللازم لاستمرار زخمها، والعمل على توسيع دائرة المؤيدين من خلال
التوعية بأهدافها ودورها في الدفاع عن كرامة الأمة والانسانية، وليس فلسطين وحدها.
- لا بد من العمل على جعل القضية
الفلسطينية محور المشروع الحضاري، وذلك من خلال توحيد الجهود حول فلسطين، وتحويل
القضية الفلسطينية إلى رمز جامع للأمة الإسلامية، وتدعيم الرواية الفلسطينية في
مواجهة الدعاية الصهيونية، وتوسيع التحالفات لدعم فلسطين، والعمل مع الدول
والحركات الداعمة للقضية الفلسطينية لتنشيط وتدعيم التأثير الإقليمي والدولي.
- لا بد من التأكيد على أن
"الثورات الشعبية" هي التعبير الفصيح عن قيمنا وحضارتنا، وهي التحدي
الحقيقي المكافئ لكل أشكال الطغيان كما الاستعمار والنفوذ الأجنبي، الذي يحتل
بلادنا ويتخلل كل مسام جسدها، وهو ما عبرت عنه خلال ثورات عديدة على مدى القرن، بل
ولا زالت تداعيات ثوراتها الأخيرة ماثلة تأخذ يوميا زخما جديدا.
- ضرورة استعادة "الثقة
الشعبية" وترميم الفجوة بين الشعوب والحركات الإسلامية، فضلا عن تجديد وتطوير
العلاقة مع الشعوب، والعمل على الاشتباك مع مصالحها من خلال مشاريع تعبر عن
تطلعاتها وتستجيب لمشكلاتها، كما استعادة ثقة المواطنين من خلال الشفافية والالتزام
بخدمتهم، ومعالجة الأخطاء في مسيرة هذه العلاقة، من خلال مراجعة نقدية للتجارب
السابقة، وخاصة تجارب الحكم والعمل المجتمعي، لتجنب الأخطاء المستقبلية.
- العمل على تنمية القوة الذاتية
للأمة العربية والإسلامية، والتأكيد على ضرورة بناء اقتصاد مستقل، ودعم المشاريع
الاقتصادية التي تقلل من الاعتماد على القوى الخارجية، والاستثمار في الصناعات
المحلية وريادة الأعمال، وإحياء البحث العلمي، وتشجيع التعليم والابتكار كمحركات
للنهضة الإسلامية، وإنشاء مراكز أبحاث تهدف إلى تقديم حلول عملية للتحديات التي
تواجه الأمة.
- دعم الوحدة والتكامل بين الشعوب،
وبناء تحالفات تشمل كل مكونات الأمة الحية، وتقوية العلاقات بين الحركات الإسلامية
عبر حوار بناء وتنسيق مشترك، وتجنب الانقسامات التي تؤثر على فاعلية العمل
الإسلامي، وإطلاق مشاريع موحدة، وتنفيذ مشاريع عمل حول أهداف مشتركة مثل التعليم،
التنمية، ودعم المقاومة، والعمل على تصحيح صورة الحركات الإسلامية، التي تتعرض
لحملات تشويه منظم، وتقديمها كبديل سياسي يركز على التنمية وحل الأزمات.
- مواجهة "الهيمنة
الغربية" والصهيونية، وفضح الجرائم والاختراقات الصهيونية لعالمنا العربي
والإسلامي، وإعداد تقارير توثق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وتسويقها في المحافل
الدولية، وتكثيف خطاب الاستقلال الوطني والتخلص من التبعية، والتركيز على بناء مجتمعات
عربية وإسلامية حرة مستقلة سياسيا واقتصاديا عن الهيمنة الغربية.
أصبح من الأهمية بمكان للشعوب المتطلعة للحرية والحركات الساعية للتغيير أن تعمل على اعداد "رجال دولة"، يستطيعون تحويل الأهداف التغييرية إلى سياسات عملية، فلم يعد هناك شك في أن النجاح في التغيير ليس له قيمه ما لم يُتوج ببناء يعبر عن أهداف التغيير وتطلعات الشعوب، وإلا كنا كمن يحرث في الماء أو يقفز في الهواء
- الاستثمار في "الشباب"
كقوة دافعة للمشروع الحضاري، والعمل على تأهيله للقيادة، وإنشاء برامج تدريبية
تهدف إلى إعداد الشباب لتحمل المسؤوليات السياسية والاجتماعية، وتمكينه من
المشاركة الفعالة في صنع القرار داخل الحركات الإسلامية، وتركيز الخطاب الإسلامي
على قضايا الشباب، والتعامل المستمر مع مشكلاته مثل البطالة وضعف التعليم، وذلك من
خلال برامج مبتكرة.
- كما أصبح من الأهمية بمكان للشعوب
المتطلعة للحرية والحركات الساعية للتغيير أن تعمل على اعداد "رجال
دولة"، يستطيعون تحويل الأهداف التغييرية إلى سياسات عملية، فلم يعد هناك شك
في أن النجاح في التغيير ليس له قيمه ما لم يُتوج ببناء يعبر عن أهداف التغيير
وتطلعات الشعوب، وإلا كنا كمن يحرث في الماء أو يقفز في الهواء.
- إطلاق مشاريع دعوية وتربوية تكرس
"
الهوية الإسلامية"، وذلك من خلال إحياء العمل الدعوي، وتكثيف قيم
العدالة، والحرية، والتكافل الاجتماعي، وتنظيم حملات تستهدف إعادة بناء الوعي
الإسلامي بالمشروع الحضاري، وتطوير المناهج التربوية، وتصميم مناهج تركز على بناء
الشخصية الإسلامية المتوازنة، وتعزيز قيم العمل الجماعي والمسؤولية الاجتماعية.
- تقديم نموذج عملي "للحكم
الرشيد والتنمية المستدامة"، واطلاق الحريات واستعادة الكرامة، وبناء
المجتمعات المتضررة من خلال إطلاق مشاريع تعالج مشكلات الفقر، والبطالة، وضعف
التعليم في الدول العربية والإسلامية، وتقديم نموذج تنموي مستدام يعكس القيم
الإسلامية في العدالة والتكافل الاجتماعي.
- تنمية وتطوير
"التحالفات" لدعم القضايا الإسلامية، وذلك من خلال بناء علاقات
استراتيجية، وتكثيف التعاون مع الدول الداعمة لقضايانا ولا سيما القضية الفلسطينية،
وإقامة شراكات مع الدول المناهضة للصهيونية، وتوسيع الحضور الإسلامي في المحافل
الدولية، والعمل على وصول الصوت الإسلامي للمنظمات الدولية ليكون صوت الأمة حاضرا.