فجر الجدل حول قانون
العفو العام بين السلطات القضائية عاصفة مواقف وتساؤلات، أظهرت مدى احتقان المشهد السياسي في
العراق.
ورغم رد المحكمة الاتحادية العليا الطعون المقدمة ضد قوانين العفو العام، الأحوال الشخصية، وإعادة العقارات، مع إلغاء الأمر الولائي الذي كان قد أوقف العمل بها، فإن المشهد العراقي ما زال محتقنا ومتأثرا بما جرى في
سوريا.
وأكد رئيس المحكمة، القاضي جاسم محمد عبود العميري، خلال جلسة البت بشرعية القوانين، أن "الدستور هو القانون الأسمى في العراق، ولا يجوز سن قوانين تتعارض معه"، مشيرًا إلى أن المحكمة ألغت الأمر الولائي، وأعادت العمل بالقوانين المذكورة.
هذه المستجدات أعادت للذاكرة مشهد العام 2013، عندما خرجت المحافظات السنية بتظاهرات استمرت نحو عام، أنهاها رئيس الوزراء آنذاك نوري
المالكي بقوة السلاح.
اظهار أخبار متعلقة
مواقف حادة
بدأ الأمر مطلع الشهر الجاري، أصدرت المحكمة الاتحادية أمرًا ولائيًا بإيقاف تنفيذ القوانين الثلاثة، بعد أن تقدم أعضاء في البرلمان بطعون تتعلق بآلية التصويت على القوانين، وسط جدل قانوني وسياسي واسع.
إلا أن القرار قوبل برفض شديد من القوى السياسية السنية والكردية، ما أدى إلى احتجاجات واسعة وتعطيل الدوام الرسمي في عدد من المحافظات، حيث بدأت الاحتجاجات في نينوى، تلتها الأنبار وصلاح الدين، ثم محافظة كركوك، التي قررت تعطيل الدوام الرسمي تضامنًا مع الاحتجاجات.
وفي أول رد فعل سياسي على قرار المحكمة الاتحادية الولائي، القاضي بإيقاف تنفيذ قوانين العفو العام والأحوال الشخصية وإعادة العقارات، أعرب رئيس البرلمان السابق، محمد الحلبوسي، عن رفضه الشديد لقرار المحكمة الاتحادية القاضي بإيقاف تنفيذ قانون العفو العام، مهددا بتظاهرات عارمة في البلاد.
يقول الكاتب والباحث السياسي العراق نظير الكندوري، إن ما حدث في الأيام الأخيرة من إصدار المحكمة الاتحادية قرارات مسيَّسة، ومنع تنفيذ قانون العفو العام (على علَّاته) يمكن اعتبارها مناسبة جيدة لخروج الجماهير لأبداء اعتراضها على القضاء المسيس، كما دعا لذلك ما يسمى (السياسيون السنة)، لأنه قرار يستهدف أبناء السنة، وإبقاءهم عن عمد في السجون.
وأضاف أنه لا يمكن فعل ذلك في الحالة العراقية الآن، فلدينا تجارب سابقة، فقد قامت الجماهير السنية بأبداء اعتراضها على الإجراءات الحكومية بحق السنة عام 2013، فتم وأدها بالحديد والنار، ووجدت الجماهير نفسها وحيدة أمام آلة البطش الطائفية، وكذلك في تظاهرات تشرين التي كانت في غالبها من المكون الشيعي، تم وأدها بالحديد والنار، ولم تجد من يساندها.
التأثر بسوريا
كل تلك الأحداث جاءت عقب سقوط الأسد، حيث مثل ذلك صدمة للحكومة العراقية، التي تدرجت بمواقفها من إعلان استعدادها للتدخل إلى النأي بالنفس، ثم الحديث عن مباحثات مع حكومة الشرع.
الأمر كان كذلك مع القوى السياسية التي رحبت السنية منها بالتغيير، بينما هاجمت الأحزاب الشيعية.
ويبدو أن تصريحات نوري المالكي الأخيرة كانت الأكثر صراحة من غيرها، حيث حذر مما سماها "محاولات الالتفاف على العملية السياسية"، وتكرار التجربة السورية بالعراق، مطالباً بالحذر من عودة البعث المحظور وممن سماهم "الطائفيين".
وحول ذلك، يقول الكندوري إنه لا يمكن
أن نقيس انعكاسات التغيير الذي حدث في سوريا على العراق ككتلة واحدة، فتأثير التغيير
السوري على النظام العراقي كان مختلفًا عن تأثيره في الشارع العراقي.
وأردف: "في الوقت
الذي لاقت الحكومة العراقية ومن خلفها الأحزاب الداعمة لها والمليشيات المسلحة
المتحالفة معها تغييرات سوريا، بمزيد من القلق والتوجس والخوف، وخشية تكرار ما
حدث في سوريا بالعراق، نجد إن الشارع العراقي تلقى التغييرات في سوريا بمزيد من
الاستبشار والفرح العارم، بسبب تخلص الشعب السوري من نظام دكتاتوري ومن مليشيات
إيران التي سفكت دمه. بل وجدنا الكثير من النخب العراقية المثقفة، تُناقش أوجه
الشبه بين الحالة العراقية والحالة السورية، وما مدى إمكانية تكرار السيناريو
السوري في العراق".
وأضاف في حديث لـ "عربي21"، أنه على
أساس رد الفعل الرسمي العراقي، يمكننا تفسير الإجراءات التي اتخذها النظام العراقي
على مستوى الحكومة، مثل غلق الحدود وقطع التجارة مع سوريا، وإيقاف تصدير النفط
الخام لها، وصولًا إلى عدم تهنئة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع بعد تنصيبه رئيسا للجمهورية العربية السورية. وردود الفعل التي ظهرت على شكل تصريحات من
مسؤولين مهمين في الأحزاب والمليشيات الداعمة للحكومة العراقية، وأشهرها تصريحات
نوري المالكي زعيم حزب الدعوة، التي أظهر فيها عداءً سافرًا للحكومة السورية
الجديدة، ولأسباب طائفية بحتة.
كما نعلم
أن الأحلام لا حدود لها، والتغييرات التي حدثت في سوريا جعلت العراقيين، وبالتحديد
السنَّة منهم، يستغرقون في أحلامهم لرسم حالة شبيهة بما حدث في سوريا، ويحلمون بتحرير
بلدهم من المليشيات ونفوذ إيران، واسترجاع سيادة بلدهم المفقودة، لكن الأحلام تبقى
أحلاما، والواقع بعيد جدًا عن تحقيقها، بالرغم من أنها ليست مستحيلة، وفق الكندوري.
اظهار أخبار متعلقة
الحالة السنية
وأشار الكندوري إلى أن من أهم الدروس التي استفاد منها أهل السنة في العراق، من التجربة
السورية، هو يقينهم من إن حالة التغيير في العراق لا يمكن لها أن تكون بدون أن
تكون هناك "جهة سياسية معارضة لها ذراع عسكري تقود الحراك التغييري في العراق"،
وإلا فأن الاعتماد على الخارج في تغيير الحال في العراق، أو الاعتماد على ما يسمى
بـ (السياسيون السنة) المنخرطون بالعملية السياسية الحالية، قطعًا لن يأتي التغيير
المنشود.
وبما أن
حالة المعارضة العراقية الحالية (إن جاز لنا تسميتها بذلك) هي على وضعها المزري من
التشرذم والانقسام، وعدم امتلاكها لوحدة قرار، أو لها جهة سياسية واحدة تقود
نضالها، وافتقارها لقوة عسكرية فاعلة على الأرض، فستبقى حالة التغيير المنشودة في
العراق بعيدة كثيرًا.
وتابع، على هذا
الأساس، فأن السنَّة في العراق بوضعهم الحالي، لا يمتلكون أدوات التغيير، فهم
يفتقرون لأدوات سياسية فاعلة، كأحزاب معارضة رصينة، ووحدة خطاب سياسي ناضح، وافتقارهم
لأدوات الضغط العسكري، والتي هي في غاية الأهمية في بلدٍ كالعراق تدعم نظامه
الطائفي عشرات الميليشيات المسلحة والطائفية.
وشدد الكندوري، أن "على السنة أن لا يتورطوا مرة ثانية بالإعلان
عن احتجاجهم على الوضع المأساوي في العراق قبل اكتساب أدوات الضغط الكافية لإدامة
حراكهم وتعزيز قدرتهم على فرض التغيير".
وفي ذات السياق يقول النائب في البرلمان العراقي لعدة دورات مشعان الجبوري، إن التغيير في سوريا على المزاج العام لدى السنة في العراق، حيث ولّد لديهم إحساسًا جديدًا بوجود عمق عقائدي وسياسي قد ينعكس على واقعهم الداخلي.
ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تدرك الحاكمية الشيعية الأسباب التي دفعت شركاءهم في الوطن إلى البحث عن عمق خارج حدود العراق؟".