كتاب عربي 21

على كل مترين من الأرض خمسة شهداء

نور الدين العلوي
"هل قرأتم الرسالة أخيرا، وهل ستعلنون نقدا ذاتيا أمام غزة وأمام شعوبكم؟"- إكس
"هل قرأتم الرسالة أخيرا، وهل ستعلنون نقدا ذاتيا أمام غزة وأمام شعوبكم؟"- إكس
أعلنوا ندمكم على خذلان غزة في معركة الطوفان ولا تستعرضوا جيوشكم، لعلنا نعود فنصدق أن لكم قوة وبأسا، لا تبالغوا في احتقار ذكاء العربي البسيط، الذي منح قلبه لغزة ويعجز عن الوصول إليها ليرمم خيامها، فاستعراضاتكم العسكرية الأمنية ليست لحماية الفلسطيني، بل لإرهاب العربي الذي يمكن أن يناصر الفلسطيني. يا شجعان ما بعد المعركة؛ لقد فوّتّم على أنفسكم فرص المجد والحرية، يوم أعنتم العدو على المقاومة وبكم رغبة مفضوحة في محوها من الوجود، فلا ترغمونا على تحمل كل هذا النفاق. الفلسطيني ونحن الفقراء من حوله سنحارب وحدنا، وما ترامب إلا مرحلة.

أعلنوا ندمكم أولا

عندما كانت غزة تستصرخكم، وضعتم أصابعكم في آذانكم واتهمتم غزة في عقلها وافتريتم عليها كل فرية، وأرسلتم قوافل الغذاء والسلاح إلى العدو، تحت أنظار شعوبكم وأنظار العالم ولم تخجلوا قليلا ولا كثيرا. الأمريكي الذي فضحكم بنشر محادثاتكم السرية وأنتم تطلبون منه القضاء على حماس؛ هو الذي يأمركم الآن بقبول الفلسطيني المهجر، فتتظاهرون بالشجاعة. هو يعرفكم أكثر من شعوبكم، لذلك يتصرف على أساس من هذه الخبرة.

عندما كانت غزة تستصرخكم، وضعتم أصابعكم في آذانكم واتهمتم غزة في عقلها وافتريتم عليها كل فرية، وأرسلتم قوافل الغذاء والسلاح إلى العدو، تحت أنظار شعوبكم وأنظار العالم ولم تخجلوا قليلا ولا كثيرا. الأمريكي الذي فضحكم بنشر محادثاتكم السرية وأنتم تطلبون منه القضاء على حماس؛ هو الذي يأمركم الآن بقبول الفلسطيني المهجر، فتتظاهرون بالشجاعة.

هل راجعتم موقفكم من المقاومة؟ هل فهمتم أنها كانت تحارب في غزة من أجلكم أيضا، وأن معركتها لم تكن فقط من أجل المربع الغزاوي، وعندما كانت تستصرخ برودكم، كانت تكشف لكم عمق المعركة القومية الجبارة التي ستحرركم في أقطاركم وعروشكم، حتى قبل أن تتحرر غزة؟ هل قرأتم الرسالة أخيرا، وهل ستعلنون نقدا ذاتيا أمام غزة وأمام شعوبكم التي منعتموها من إرسال بسكوت بسيط لأطفال غزة الجياع؟

قولوا لقد أخطأنا تقدير الموقف، وأننا سنغير وسنعمل على حماية الفلسطيني في أرضه ولو تحت خيمة من بلاستيك، لنصدق أن استعراضاتكم العسكرية من أجل معركة حقيقة تأخرتم عنها طويلا، ولكن لا بأس فزمن المعارك الكبرى لا يحسب بالأشهر. نريد أن نصدقكم! نريد أن نوهم أنفسنا بأنا لنا ملوك عظام ورؤساء أفذاذ! اكذبوا علينا كذبة قابلة للتصديق، تبدأ بجملة واضحة، قولوها: لقد أخطانا في فهم معركة الطوفان، وسنصحح الخطأ الآن بما تقتضيه المعركة الطويلة.

لا وهْم ولا عزاء، ولكنها نتائج الطوفان

جيوش الإعلاميين المسخَّرة في ركابكم حتى توشك أن تسقط علينا من الأجهزة المعلقة، لن تقنعنا بأن رئيس مصر عثر على برشام الشجاعة ليحمي الفلسطيني، فقد رأينا الاستعراض الأمني المرعب، كل تلك الأجهزة والآليات لا تشارك في حروب خارجية، إنها موجهة إلى صدور الشعب المصري. الرئيس المصري يعرف جيدا أن صدور الشعب المصري تحترق من أجل غزة، وأن معركة التهجير قد تمنحها فرصة التنفيس ضد من خانها قبل أن تقوم ضد من دمرها، أما الدبابات الصهباء، فقد رأيناها رابضة في وضع غير قتالي وفي مكان مختلف تماما عن صحراء سيناء. الصورة غير محددة المكان، صاحب الدبابات الكثيرة الرابضة يتعرض لاحتقار ترامب وإذلاله لسلطته، فلا يرد على ترامب بما يليق برئيس شجاع، بل يحتقر شعبه فيبث له صور دبابات لم تدخل سيناء، ويرسل الجوقة الإعلامية تدمر العقول.

مصر الرسمية خانت غزة وأعانت عليها عدوها، ولكن أثر المعركة وصل إليها وهي تعاني ثمن خيانتها، ولن تخرج سالمة فالطوفان متواصل. لقد سارت عبر طريق التطبيع حتى بلغت مبلغ الخيانة، والعدو الذي ظنته صديقا (أقرب إليها من الغزاوي)، عرف ضعفها وهوانها على نفسها وعلى شعبها فعاملها بما يليق بها من احتقار، وما الإصرار على أنها ستقبل التهجير مرغمة إلا لمعرفة العدو بهوانها. لم يُجْدِها ولم يَحْمِها من عدوها ما دفعت له حتى الآن (الغدر بغزة)، وما زال عليها أن تدفع، فهذا العدو لا يشبع ولا يتراجع ولا يقدر (وهل يستحق الخونة التقدير من عدوهم).

حركة واحدة تنقذها من عدوها، أن تعود إلى شعبها وتنطق جملتها المقدسة على الأرض لا في التلفزيونات؛ إيقاف العمل من جانب واحد باتفاقية كامب ديفيد، هذه الجملة تترجم بنقل عتاد حقيقي إلى سيناء، والسماح للشعب المصري بالسفر حافيا إلى معبر رفح لهدمه بأظافره.

لن يحصل هذا، لذلك نقول بأمل؛ إن هوان الحاكم العربي في معركة التهجير هو من أثر الطوفان. لقد عرّى الطوفان الخونة حتى العظم، ومهد لمزيد من إذلالهم وتحقيرهم في العالم وبين شعوبهم، وقرّب الأرض أكثر من السابق عود كبريت لا يحسن حاكم مثل السيسي توقعه، لذلك لم يجد إلا أن يستعرض قوات القمع الداخل،ي ويرسل الذباب الإعلامي للتمويه والإيهام.

المؤمنون بالطوفان يرون أرضا مفروشة بالشهداء، لقد قمنا بعملية حسابية بسيطة بقسمة بتوزيع عدد الشهداء على عدد الأمتار المربعة أي كل مساحة غزة، فوجدنا أن ثمن كل متر مربع قد بلغ شهيدين ونصف الشهيد، دون حساب شهداء المعاركة السابقة على الطوفان. هذا الثمن لا يحسن تقديره إلا من دفعه ومن سيبني عليه.

من انتصر بالطوفان ينتصر ضد التهجير

المؤمنون بالطوفان يرون أرضا مفروشة بالشهداء، لقد قمنا بعملية حسابية بسيطة بقسمة بتوزيع عدد الشهداء على عدد الأمتار المربعة أي كل مساحة غزة، فوجدنا أن ثمن كل متر مربع قد بلغ شهيدين ونصف الشهيد، دون حساب شهداء المعاركة السابقة على الطوفان. هذا الثمن لا يحسن تقديره إلا من دفعه ومن سيبني عليه. أرض معمدة بالدم لن يسمح أهلها الباقون لحماية الشهداء بتدنيسها بناطحات سحاب سياحية، نعرف يقينا أنها ستكون مواخير مفتوحة.

هل تقام مواخير ترامبية فوق كل تلك الدماء الطاهرة؟ لم نشك أبدا في عقل المجاهد الغزاوي وهو يطلق معركته، وهو يقودها، وهو يستخلص نتائجها، ولا نراه يفقد صبره وعقله وهو يواجه بعض آثارها الجانبية. يقينا ستكون معركة أخرى تؤجل إعادة الإعمار وتطيل معاناة الأطفال والنساء والجرحى، ويشتغل أعداء الطوفان على قلب الجمهور الصامد على مقاومته، لكن أن يُشْحَن مليونا شخص في الشاحنات كالخرفان لترحيلهم، فهذه أماني أشخاص مضطربي العقول؛ سيقابلهم عقلاء مدبرون علّمهم الزمن الصبر والمطاولة وهم رجال المعارك الطويلة.

نحن في منافينا الوطنية نتمتع اللحظة برؤية زعماء العرب أذلّاء أمام ترامب، ونحن موقنون بأنه لن تخطر ببالهم ربع فكرة عن الاستناد على شعوبهم للبقاء. أعداء شعوبهم هؤلاء يرون الطوفان يجرفهم، وهذه هي الترجمة الأشد بلاغة لشعار عظيم "دم الشهداء ما يمشي هباء".

لن تسير الغواني على دماء الشهداء المصطفين.. هذا إيمان لا تحليل.
التعليقات (0)

خبر عاجل