مدونات

أن تعيش في خيمة!

مصطفى أبو السعود
"تتساقط عليك الأمطار من سقف الخيمة وتدخل عليك المياه من أطرافها"- جيتي
"تتساقط عليك الأمطار من سقف الخيمة وتدخل عليك المياه من أطرافها"- جيتي
الخيمة هي مساحة جغرافية صغيرة، لا تكفي لأن يمارس الإنسان الطقوس التي كان يمارسها قبل نزوحه واضطراره للسكن فيها، ولا حتى نصف الطقوس، لأن الخيمة تقوم رغم صغرها مقام البيت رغم كبره.

وبالعودة للعنوان فيعني:

1- تنازلك عن كثير مما كنت تحبه، وممارسة ما لم تكن تحبه.

2- أن تنام وبجوارك كل أفراد الأسرة كبيرهم وصغيرهم.

3- أن تشعر بأنك تنام في الشارع فلا يفصل بينكما إلا قطعة قماش.

4- أنك ستكون جاهزا لاستقبال الحشرات من الصراصير والفئران والنمل وما ظهر لدينا مما يسمى "خولند".

5- انعدام الخصوصية في أبسط الأمور، حتى تبديل ملابسك يحتاج طرد الجميع من الخيمة لتنجز المهمة.

6- أن تأكل وتنام وتشرب وتمارس كل طقوسك في رقعة جغرافية بسيطة.

7- يعني أنك تستوعب مشاغبات الأطفال الذين يستيقظون مبكرا، ولا يملون من الحركة واللعب.

8- أن تكون جاهزا للاستيقاظ في كل لحظة فلو قام أحد سكان الخيمة لقضاء حاجته ليلا ستستيقظ أنت، لأن الذي استيقظ "حيضرب فيك".

9- أن بحثك عن شيء ما قد يستغرق وقتا طويلا لأن الأدوات غير مرتبة ترتيبا جيدا.

10- إصابتك بطلق ناري في أي لحظه لأن الحاجز القماشي لا يحمي من الطلقات النارية.

11- أن تقضي ليلك بلا إنارة، لأن إنارة البطارية تنفد بسرعة.

12- أن تشتاق لجدار تسند ظهرك عليه، فجدران الخيمة قماشية لا تسمح لأحد بأن يسند ظهره إليها، وقد حدث كثيرا أن شخصا ما نسي أنه في خيمة وجلس وسند ظهرا للخلف ثم وقع على الأرض.

13- أن تشعر بأن الأرض غير مستوية، وهذا يسبب ألما.

14- أن تشعر بأن البرد في الشتاء ينخر عظامك نخرا، وفي الصيف تشعر أن الحرارة تحرق جلدك، فالخيمة صيفا كما الفرن، وفي الشتاء كما الثلاجة.

15- أن تتساقط عليك الأمطار من سقف الخيمة وتدخل عليك المياه من أطرافها، فتعبث بمحتويات الخيمة.

16- أن تتأقلم مع فكرة أن الخيمة تصلح لأن تكون للنوم وللضيافة والطبخ.

لكن رغم سوداوية المشهد في الخيمة، إلا أن فيها حفظ الكثيرون القرآن، وقرأوا الكتب واجتازوا الامتحانات الجامعية، وفيها وضعت كل ذات حمل حملها، وتساوى الناس في العيش، وتخرج الطلبة من جامعاتهم كما كاتب المقال، فقد استطعت بفضل الله عز وجل إتمام دراستي للحصول على بكالوريوس تربية إسلامية من جامعة القدس المفتوحة، والالتحاق بمرحلة الدراسات العليا (ماجستير)، وقرأت الكثير من الكتب وكتبت الكثير من المقالات ودونت قصص معاناتنا في الحرب، ووضعت تصورات وخططا شخصية وعامة للحياة ما بعد الحرب.

أستودعكم الله، ونلتقي بكم في الجرح الرابع من جروح في رحلة النزوح، إن كان لنا في العمر بقية.
التعليقات (0)

خبر عاجل