نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا، للصحفية سوزانا جورج، قالت فيه إنّ "الإجلاء الطبي من قطاع
غزة، بالنسبة للعديد من الفلسطينيين الذين يعانون من إصابات خطيرة أو أمراض مزمنة، هو السبيل الوحيد للوصول إلى الرعاية المنقذة للحياة".
وأوضحت جورج، في التقرير الذي ترجمته "عربي21": "الآن، بعد أن اقترح الرئيس دونالد ترامب إخلاء غزة من سكانها، يقول عمال الإغاثة والأطباء إنهم يخشون أن أولئك الذين يغادرون القطاع قد يفقدون قدرتهم على العودة إلى ديارهم يوما ما".
وتابعت: "في داخل غزة، تباطأت عمليات الإجلاء لعدد من الأسباب، بما في ذلك حالة عدم اليقين هذه، وتشديد عمليات التفتيش الأمنية، وفقا للأطباء وعمال الإغاثة"، مبرزة: "في الوقت نفسه، يقبل عدد أقل من البلدان النازحين، وهو التطور الذي يقول عمال الإغاثة إنه قد يكون جزئيا نتيجة للإرهاق بعد أكثر من عام من الأزمة، لكنه يعكس أيضا الخوف المتزايد من عدم السماح لأولئك الذين يغادرون بالعودة".
"كل هذا يعني انتظارا أطول للأسر التي لديها أحباء مصابون. لكن الأطباء الذين عملوا في مستشفيات غزة يقولون إن العديد من الأشخاص الذين ينتظرون الإجلاء الطبي ليس لديهم وقت"، تابعت الصحيفة.
ووفقا للتقرير نفسه، قالت المدافعة والعاملة في مجال الإغاثة مع عمال الصحة من أجل فلسطين، أميرة نمراوي، إنها تكافح، مع العلم أن بعض الأشخاص الذين ساعدتهم على مغادرة غزة قد لا يتمكنون من العودة. موضحة: "على المستوى الشخصي والمهني، إنه موقف غير مريح ومثير للغضب".
لكن كعاملة إنسانية، قالت إن أولويتها ستكون دائما تقديم المساعدات المنقذة للحياة.
واستفسرت: "كم عدد الأطفال أو الأشخاص الآخرين الذين سنخسرهم بسبب حالات يمكن الوقاية منها؟ هناك عدد كبير من الأشخاص الذين ماتوا بسبب نقص الوصول للخدمات الطبية".
وأشار التقرير إلى أنه منذ اندلاع الحرب بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ازدادت الحاجة للرعاية الطبية خارج غزة. حيث تقول منظمة الصحة العالمية إن 25,000 شخص في غزة يحتاجون إلى الإجلاء الطبي، بمن فيهم 2,500 طفل يحتاجون لعناية عاجلة لمعالجة جروح الحرب والأمراض المزمنة، مثل السرطان، التي لا يمكن علاجها في القطاع.
وخلال الأشهر الأولى من الحرب، حدثت عمليات الإجلاء الطبي بانتظام. بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وأيار/ مايو 2024، إذ تمّ نقل حوالي 4,900 جريحا أو مريضا بشكل خطير خارج غزة للعلاج في مصر المجاورة وخارجها في الخليج العربي وأوروبا وحتى الولايات المتحدة.
ولكن منذ ذلك الحين، بحسب التقرير ذاته: "حوصر الآلاف من الفلسطينيين المصابين بجروح خطيرة وأمراض مزمنة داخل غزة، بعد إغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية قبل ثمانية أشهر".
وأردف: "قبلت قطر والإمارات العربية المتحدة ومصر الغالبية العظمى من الجرحى والمرضى من سكان غزة منذ بدء الحرب. وتشير إحصاءات وزارة الخارجية إلى أن نحو 2,300 مريض وأفراد أسرهم موجودون في أبو ظبي، ونحو 2,500 شخص موجودون في الدوحة".
اظهار أخبار متعلقة
"عبر عشرات الآلاف من سكان غزة إلى مصر منذ اندلاع القتال، وكثيرون منهم، ولكن ليس كلهم، يسعون إلى العلاج الطبي. وفي الأسبوع الماضي، تعهد الملك عبد الله الثاني ملك الأردن بأن بلاده ستقبل 2,000 طفل مريض من غزة، ولكن من غير الواضح متى ستتم عمليات الإجلاء هذه"، استرسل التقرير.
وأبرز أن ميمي سيد، طبيبة الطوارئ، عالجت بعض الأطفال الذين ينتظرون الآن الإجلاء الطبي من غزة. وقالت إنّ "العديد منهم يحتاجون إلى عمليات جراحية متكررة في أثناء تعافيهم من جروح ناجمة عن طلقات نارية أو حروق شديدة أو بتر، وهي إجراءات تعتبر "بسيطة" في المستشفى الذي تمارس فيه مهنتها في ولاية واشنطن".
وأضافت: "العديد من هؤلاء الأطفال هم أطفال لو عاشوا في الولايات المتحدة، لكانوا قادرين على عيش حياة طبيعية". مردفة بأنه بسبب الافتقار للمرافق الطبية وارتفاع خطر الإصابة بالعدوى في غزة، فإن تأخير العلاج "يعتبر حكما بالإعدام".
في البداية، أعطى وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، للأطباء مثل ميمي سيد، الأمل في زيادة عمليات الإجلاء الطبي. وبموجب شروط وقف إطلاق النار، كان من المقرر إعادة فتح معبر رفح لعمليات الإجلاء الطبي، بدءا بخمسين مريضا يوميا، بالإضافة إلى مقدمي الرعاية لهم.
ومضى
التقرير بالقول: "لكن عمليات الإجلاء تعطلت بسبب العديد من القضايا. فقد أدت عمليات التفتيش الأمنية المشددة، والقواعد الصارمة التي تحكم من يمكنه مرافقة الجرحى كمقدمي رعاية، إلى إبطاء إصدار التصاريح لمغادرة غزة. وبحجة اكتظاظ المرافق الطبية، حدت السلطات المصرية من عدد الأشخاص الذين ترغب في استقبالهم".
ويقول عمال الإغاثة والأطباء: "في معظم الأيام، يتم إجلاء أقل من خمسين مريضا، وفي بعض الأيام لا يخرج أحد"، فيما قالت طبيبة من جامعة ستانفورد، والتي تطوعت مؤخرا في غزة، عائشة خان: "بصراحة، أي طفل يحتاج إلى ذلك يجب أن يكون قادرا على الخروج من خلال هذه العملية. ولكن ما لم تقابل أجنبيا، أو يربطك شخص ما بمنظمة غير حكومية، أو تظهر بطريقة ما في الأخبار، فإن الأمر صعب للغاية، جدا".
ووفقا للتقرير، فإنّ ميرا دريني، البالغة من العمر أربع سنوات، والتي أصيبت بطلق ناري في الرأس في آب/ أغسطس، هي واحدة من الأطفال الذين ينتظرون الإجلاء الطبي؛ إذ تمكّن الأطباء في غزة من إنقاذ ميرا من الإصابة الأولية، ولكن لأنها لا تزال تنمو، فإن الأنبوب الجراحي المجوف الموجود في دماغها للمساعدة في إبقائها على قيد الحياة يحتاج إلى استبدال، وهو إجراء لا تستطيع المرافق الطبية في غزة القيام به.
ظلّ طلب ميرا للإجلاء الطبي معلقا منذ أشهر، وقالت والدتها إسراء حبوش إنّ "آخر تحديث تلقته من منظمة الصحة العالمية هو أنهم ما زالوا ينتظرون عمليات التدقيق الأمنية الإسرائيلية".
اظهار أخبار متعلقة
بالنسبة للأطفال المصابين، يجب الموافقة على سفر الطفل وعضو الأسرة. وتقول منظمات الإغاثة إنّ "الأقارب الذكور يُحرمون في أغلب الأحيان من الموافقة الأمنية، ولا يتم إبلاغ الأفراد الذين يتم رفضهم بالسبب". وتقول ميمي سيد، الطبيبة من ولاية واشنطن، إنّ "القواعد التي تحد من مقدم الرعاية لكل مريض تفصل الأسر في بعض الحالات".
وتابعت: "إن ما تفعله هو إجبار الآباء على اتخاذ قرار بين ترك أطفالهم وراءهم أو الحصول على الرعاية". فيما تزداد هذه القرارات إيلاما بسبب عدم اليقين المتزايد بشأن قدرتهم على العودة منذ اقترح ترامب تهجير جميع الفلسطينيين من غزة.
وقالت سهاد الخطيب، التي غادرت غزة إلى الدوحة مع ابنيها الأصغرين لتلقي العلاج الطارئ، إنها لم تكن لتتوقع أبدا أن تظل منفصلة عن زوجها بعد عام. مبرزة أن الأيام القليلة الأولى بعد أن ضربت غارة جوية للاحتلال الإسرائيلي منزلهم كانت ضبابية محمومة.
كذلك، كان ابن الخطيب البالغ من العمر 4 سنوات، وسام، داخل المنزل عندما تعرض للقصف. وانهار المبنى جزئيا، وأصيب وسام بجروح في رأسه ووجهه شديدة، لدرجة أن الأطباء في المستشفى الأول الذي أخذته إليه رفضوا إعطائه سريرا.
قالت الخطيب: "لقد اعتقدوا أنه سيموت على الفور. كان علي أن أتوسل لنقل الدم". بمجرد استقرار حالته، حصلت على مقاعد في قافلة الأمم المتحدة المتجهة إلى جنوب غزة. ومن هناك، تم نقلها إلى مستشفى في مصر، وبعد بضعة أسابيع إلى الدوحة، حيث حصل ابنها أخيرا على علاج متخصص.
وقالت إنّ "وسام تعافى بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين. عندما وصلوا لأول مرة، فقد القدرة على الكلام بسبب التورم حول دماغه. الآن بدأ يمشي قليلا بمفرده. تعيش الخطيب وأبناؤها في مجمع خارج الدوحة تم بناؤه في البداية لإيواء الرياضيين خلال كأس العالم 2022".
وبيّن التقرير: الآن، تمتلئ صفوف المباني السكنية الأنيقة بالعائلات الفلسطينية. في ساحة مركزية، تركض مجموعات من الأطفال وتلعب، على الرغم من ندوب الحرب التي تبعد أكثر من 1000 ميل: حروق شديدة، وأطراف مبتورة، وأصابع مفقودة".
اظهار أخبار متعلقة
وختم بالقول إنّ "الخطيب رفضت تعليقات ترامب حول إفراغ غزة، ووصفتها بأنها "كلام مجنون، وأحلام". ولكن عندما سُئلت عن مستقبلها، أقرت بأنها لا تستطيع العودة إلى غزة حتى يتعافى وسام تماما، وقد يستغرق ذلك سنوات".
وتابعت بأنّ قرارها بترك زوجها وأطفالها الأكبر سنا يملؤها بحزن شديد، لدرجة أنها لا تستطيع تناول الطعام عدة أيام أحيانا. فيما وصف فلسطينيون آخرون في المجمع مشاعر مماثلة.
واستطرد التقرير ذاته بأن يحيى، الأستاذ البالغ 68 عاما، قد عانى من كسر ساقيه عندما تعرض منزله في غزة لغارة جوية، ويعتمد الآن على كرسي متحرك. ويقول إنه "شعر بالرعب من صور الدمار في القطاع، مردفا: "كان الزلزال ليكون أكثر لطفا.. لا شيء مثل غزة. في النهاية، غزة هي الوطن. هذا كل شيء".