قضايا وآراء

نيران الدبلوماسية الأمريكية الصديقة

هاني بشر
"الدبلوماسية الأمريكية في العهد الترامبي الجديد تعاني من قصر نظر شديد"- جيتي
"الدبلوماسية الأمريكية في العهد الترامبي الجديد تعاني من قصر نظر شديد"- جيتي
اقتضت التحالفات السياسية دوما وقوف الطرفين الحليفين في مربع واحد والدفاع عن بعضهما البعض على أساس المصالح أو القواسم المشتركة. وكان للتحالفات الموسمية المحددة بمصلحة أو وقت محدد أو تلك الاستراتيجية ذات العمق الثقافي أو الحضاري عمر طويل وتقاليد راسخة. تستوي في ذلك دول الشرق ودول الغرب؛ كان هذا حتى أتت نسخة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في ولايته الثانية لتقلب ما كان مستقرا.

إن مشهد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي في البيت الأبيض أبعد من مجرد خلاف دبلوماسي بين طرفين، بل هو تطبيق حرفي للنيران الأمريكية الصديقة حين تقرر أن تصيب بعض حلفائها بشكل علني ومن دون شفقة أو رحمة. ففي التقاليد العسكرية حين تضرب بعض الآليات العسكرية جنودا أو قواعد حليفة لها يعتبر الأمر خطأ غير مقصود حتى ولو كان مقصودا، ويغطي ستار الخطأ والعفوية على الحادثة، أما اليوم فإن نيران الدبلوماسية الأمريكية تستهدف الأصدقاء علنا وبشكل مقصود.

من أهم الانتقادات التي توجه للمعسكر الغربي في الدبلوماسية أنها قائمة على تعريف ضيق للمصالح المباشرة وأن هذه المصالح متغيرة طوال الوقت. والولايات المتحدة تحديدا تعرف بأنها من الدول التي تعتمد على الدبلوماسية الخشنة في علاقتها الخارجية

من أهم الانتقادات التي توجه للمعسكر الغربي في الدبلوماسية أنها قائمة على تعريف ضيق للمصالح المباشرة وأن هذه المصالح متغيرة طوال الوقت. والولايات المتحدة تحديدا تعرف بأنها من الدول التي تعتمد على الدبلوماسية الخشنة في علاقتها الخارجية، تلك الدبلوماسية التي تعتمد على الانتشار والتمدد عن طريق القوة العسكرية وقوة الاقتصاد، وليس عن طريق الدبلوماسية الناعمة التي تعتمد على أساليب مثل الثقافة والفنون مثلا.

من غير المفهوم ولا المبرر أن توجه هذه القوة الخشنة والنيران الصديقة لأطراف حليفة مثل أوكرانيا مهما كانت حدة الخلافات بين واشنطن وكييف. ولا يفسر الأمر طمع ترامب في معادن البلاد أو فكرة طول الحرب، لأنه في خلفية المشهد هناك حليف تاريخي أو بالأحرى حديقة خلفية للولايات المتحدة هي دول أوروبا الغربية التي تشعر بتهديد عميق من الدب الروسي وترى في أوكرانيا حاجزا جغرافيا وسياسيا في مواجهته.

يتضح أن الدبلوماسية الأمريكية في العهد الترامبي الجديد تعاني من قصر نظر شديد، فكل تقييماتها للأمور متعلقة بمصالح آنية أو مباشرة أو على الأقل قريبة الأجل، ولا يهمها من قريب أو بعيد الأبعاد الاستراتيجية أو بعيدة المدى. فقد شهدت العقود الماضية سباقا أمريكيا محموما من أجل مد النفوذ الغربي نحو الحدود الروسية مع جمهوريات أوروبا الشرقية، تمثل ذلك في دعم ثورات وضم للاتحاد الأوروبي وغيرها من الإجراءات.
العقيدة الأمنية التي بني عليها النيتو ما بعد الحرب الباردة كانت عقيدة هشة لا تصلح لأن تحل محل العقيدة القديمة التي صممت لمواجهة الاتحاد السوفييتي السابق، ولهذا كانت حروبها في السنوات الأخيرة ضعيفة التبرير والأساس القتالي، وقد تجلى هذا فيما حدث للنيتو في أفغانستان
وكانت دوافع هذا السباق معروفة، ما ليس معروفا الآن هو لماذا تضحي الولايات المتحدة بكل هذا الرصيد الآن وفي مقابل ماذا؟ فهل تحتاج الخزانة الأمريكية لهذا القدر من التوفير الذي يترتب عليه إعاقة عمل حلف النيتو في أوروبا مثلا وتقليص النفوذ العسكرية الغربي فيها؟

أقرب التفسيرات أن العقيدة الأمنية التي بني عليها النيتو ما بعد الحرب الباردة كانت عقيدة هشة لا تصلح لأن تحل محل العقيدة القديمة التي صممت لمواجهة الاتحاد السوفييتي السابق، ولهذا كانت حروبها في السنوات الأخيرة ضعيفة التبرير والأساس القتالي، وقد تجلى هذا فيما حدث للنيتو في أفغانستان.

أوكرانيا ليست قطعا هي أفغانستان، لكن مهمة حلف شمال الأطلسي تكاد تتشابه؛ غموض شديد اكتنف مهمة الحلف في جبال أفغانستان، فماذا يريد الحلف بالضبط هناك؟ وما تعريف النصر والهزيمة؟ ومتى تنتهي المهمة؟ نفس السؤال يتكرر في أوكرانيا، فهل يريد الحلف دفاعا في المطلق عن أوكرانيا؟ وهل فشلت كل الجهود الدبلوماسية حقا في حل النزاع أم أن هناك عشوائية في اتخاذ قرارات الحرب؟ أتصور أن الفشل في الإجابة على هذه الأسئلة هو الذي قاد إلى المشهد التاريخي الدرامي الذي شاهدناه في البيت الأبيض بين رئيسي الولايات المتحدة وأوكرانيا.

x.com/HanyBeshr
التعليقات (0)