بورتريه

ثائر جزائري ألقى عصاه في وجه فرنسا وأعلن مقاومتها (بورتريه)

كانت مقاومة الشيخ الحداد واحدة من المحطات المهمة في تاريخ الثورات الشعبية بالجزائر- عربي21
كانت مقاومة الشيخ الحداد واحدة من المحطات المهمة في تاريخ الثورات الشعبية بالجزائر- عربي21
أهم قادة المقاومة الجزائرية، وقائد ديني صوفي من أتباع الطريقة الرحمانية الصوفية.
قاد المقاومة في القرن التاسع عشر بجانب رفيقه الشيخ المقراني.

أعلن ثورته في منطقة صدّوق ببلاد القبائل بالجزائر وهو في الثمانين من العمر. ورغم أنها ثورة لم تدم سوى أشهر قليلة إلا أنها شكلت مفصلا مهما و كبيرا على الاحتلال في المنطقة.

ولد محمد أمزيان بن علي الحداد، واشتهر باسم "الشيخ الحداد" في عام 1789 بصدوق في الجزائر، وأصله من بجاية، انتقلت أسرته واستقرت في بلدة صدوق وفيها امتهن جده حرفة الحدادة لذلك منحت الأسرة اسم الحداد.

تعلم الشيخ الحداد في الزاوية التي أسسها والده علي الحداد في صدوق فحفظ القرآن وتعلم قواعد اللغة العربية، ومنها انتقل إلى زاوية الشيخ أعراب في جبال جرجرة التي قضى فيها وقتا طويلا وتلقى معارفه العلمية وعلومه الإسلامية الأخرى.

وعند عودته إلى أهله تولى تسيير زاوية أبيه، وقد اختاره أهله أن يكون إماما على قرية صدوق ومعلما للأطفال في جامع المدينة، وأصبح بعد ذلك خليفة للطريقة الرحمانية التي أسسها الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري الجزائري الخلوتي عام 1793 الذي عاش ربع قرن من عمره بين أروقة الأزهر الشريف في مصر، وتأثَّر من شيوخه المصريين بالطريقة الخلوتية الصوفية، وعاد إلى بلاده فنشرها وأصبح لها عشرات الآلاف من الأتباع والمريدين.

اظهار أخبار متعلقة


وألف الحداد العديد من الأعمال حول هذه الطريقة منها رسالة صوفية بعنوان "التّقيّد المبارك".
وقد ساهم الشيخ الحداد من خلاله الطريقة الرحمانية مساهمة كبيرة وفعالة في دعم الشيخ المقراني وذلك بإكسابها تأييدا شعبيا واسعا، مكنها من الصمود أمام الجيوش الفرنسية التي غزت الجزائر في عام 1830.

وكان سبب اندلاع ثورة الشيخ الحداد والمقراني، سقوط حكومة نابليون الثالث إثر هزيمة فرنسا في الحرب السبعينية مع ألمانيا، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة المؤقتة بالنسبة للجزائر في عام  1870، بمضايقة الجزائريين في جميع سبل العيش وفي محاولات طمس الهوية العربية والإسلامية في الجزائر.

وبدأت فرنسا تمارس سياسة تجريد الجزائريين من أراضيهم وتسلمها للمستوطنين، وهو ما تسبب في غضب شعبي أشعل ثورة الشيخ المقراني أولا.

وكان محمد المقراني قد قرر الاستقالة من خدمة فرنسا بسبب فقده مكانته الاجتماعية ومن هنا بدأ البحث في استرجاع هيبته ومكانته الشعبية للدخول في الثورة.

وفي المقابل كان الشيخ الحداد رجل ديني مقدر ومهاب وله شعبية كبيرة من أتباع الطريقة الرحمانية، وفي أثناء ذلك توطدت صلة المقراني بالشيخ الحداد فاتفق معه في عام 1871 على الثورة، وقد أعلنت الثورة في السوق بعد صلاة الجمعة حيث قال الحداد: "سنرمي فرنسا إلى البحر كما ألقي عصاي هذه" ثم أعلن الجهاد.

وقد خلد شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء إعلان الشيخ الحداد ثورته من السوق، فقال في "إلياذة الجزائر" المكونة من ألف بيت من الشعر:

وحداد في السوق ألقى عصاه
وأعلنها في الذرى والبطاح
كمثل عصاي سألقي الفرنسيس
في البحر أركلهم بالرماح

كانت مقاومة الشيخ الحداد والمقراني واحدة من المحطات المهمة في تاريخ الثورات الشعبية بالجزائر، فخلال هذه الثورة التي شهدها الشرق الجزائري، كان لدى الجزائريين السطوة الأقوى في المعارك، حيث فرض الثوار الحصار على القوات الفرنسية في العديد من المدن والقلاع، وكبدوا المستعمر خسائر فادحة.

وتسبب انضمام الحداد إلى المقراني في دفعة هائلة لمسار الثورة والمقاومة الجزائرية بطول البلاد وعرضها، وسرعان ما بدأت تؤتي ثمارها في هزائم الفرنسيين والمتعاونين الخونة من الجزائريين، الذين سعوا وراء مصالحهم المادية والاجتماعية؛ وهو وتر أجاد المحتل اللعب عليه، بعد أن قرب بعض القبائل بينما حارب أخرى، وكان لهذه الخيانة أثرها طيلة تاريخ المقاومة الجزائرية وليس في ثورة المقراني والحداد فقط.

اظهار أخبار متعلقة


واعتبرت ثورة الحداد وإخوانه المشاركين الذين بلغ عددهم 200 ألف مقاتل، أغلبهم من أتباع الطريقة الرحمانية، أهم وأخطر حدث في هذه الثورة التي كادت أن تقتلع الاحتلال الفرنسي وترميه عرض البحر كما قال الشيخ الحداد، ومازالت تشكل حدثا تاريخيا وتثير الكثير من التساؤلات والدراسات التي تغري الكثير من الباحثين والدارسين.

وبعد سلسلة من المعارك، واستشهاد المقراني ألقي القبض على الشيخ الحداد من قبل الجنرال الفرنسي لالمان، وحوكم بقسنطينة هو وأبناؤه والكثير من طلبته ومريديه.

وما لبث أن استشهد الشيخ الحداد بسجن "كودية" بقسنطينة، حيث حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، قضى منها عشرة أيام فقط في حبس انفرادي، قبل أن توافيه المنية، في وقت قامت فيه السلطات الفرنسية بنفي أبنائه وأتباعه من المشاركين في الثورة إلى كاليدونيا الجديدة.

وبعد نهاية ثورة المقراني والحداد، انتفض الجزائريون في ثورات متتالية كان أبرزها: ثورة الشيخ بوعمامة، وثورة أولاد سيدي الشيخ، وفيما بعد ثورة الطوارق مع نهاية القرن التاسع عشر.
التعليقات (0)

خبر عاجل