في خطوة توصف بأنها إنقاذ اقتصادي وتأكيد
على تحرك استراتيجي لحماية قطاعات حيوية، أعلنت المملكة المتحدة عن اتفاق تجاري
جديد مع الولايات المتحدة يهدف إلى خفض الرسوم الجمركية على عدد من المنتجات
البريطانية، وعلى رأسها السيارات والصلب والألمنيوم.
ويُنظر إلى هذا الاتفاق على
أنه استجابة عملية وفعّالة للتهديدات الاقتصادية التي شكّلتها سياسات الحماية
التجارية الأمريكية في السنوات الأخيرة، خاصة تلك التي أطلقها الرئيس الأمريكي
السابق دونالد ترامب، والتي كادت أن تعصف بصناعة السيارات البريطانية وقطاعات
التصنيع.
جاء الإعلان عن الاتفاق في لحظة سياسية
واقتصادية دقيقة، إذ يسعى حزب العمال بقيادة كير ستارمر إلى تعزيز الثقة في أدائه
الاقتصادي والتجاري، وإثبات قدرته على حماية مصالح الطبقة العاملة والشركات
البريطانية في عالم تجاري مضطرب. زيارة ستارمر إلى مصنع "جاكوار لاند
روفر" شكّلت الخلفية الرمزية لإعلانه عن هذا الاتفاق الذي قال إنه تم التفاوض
عليه واضعًا في الاعتبار احتياجات عمّال السيارات والقطاعات الصناعية المتضررة.
تفاصيل الاتفاق
أبرز ما تضمنه الاتفاق خفض الرسوم الجمركية
الأمريكية على السيارات البريطانية من 27.5% إلى 10% على نحو 100,000 سيارة يتم
تصديرها سنويًا إلى الولايات المتحدة. كما ستُلغى بالكامل الرسوم المفروضة على
صادرات الصلب والألمنيوم من المملكة المتحدة، ما يُعد دعمًا قويًا لقطاعات صناعية
عانت من اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف التصدير في السنوات الأخيرة.
الاتفاق كذلك يشمل ضمانات استراتيجية لقطاع
علوم الحياة، الذي يعتبر من الركائز المستقبلية للاقتصاد البريطاني، إضافة إلى فتح
السوق الأمريكية أمام المنتجات الزراعية البريطانية دون المساس بالمعايير الصحية
والبيئية الصارمة التي تتبعها لندن.
اظهار أخبار متعلقة
ردود الفعل
لاقى الاتفاق ترحيبًا حذرًا من الأوساط
الاقتصادية والنقابية. فقد وصف اتحاد نقابات العمال البريطاني (TUC) الاتفاق بأنه
"إنقاذ من كارثة" محتملة كانت تهدد آلاف الوظائف، خاصة في الصناعات التي
استُهدفت برسوم جمركية تعسفية في عهد ترامب. وأكد الأمين العام للاتحاد، بول
نوفاك، على أهمية الخطوة، لكنه دعا في الوقت نفسه إلى الاطلاع الكامل على تفاصيل
الاتفاق قبل إصدار حكم نهائي، كما شدد على ضرورة تعزيز
العلاقات التجارية مع
الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال أكبر شريك اقتصادي لبريطانيا.
الجدل البرلماني
في سياق آخر، شهد مجلس العموم البريطاني
جدلًا بشأن توقيت الإعلان عن الاتفاق. فقد أشار وزير التجارة دوغلاس ألكسندر إلى
أن تأخر الإعلان عن البيان يعود إلى اعتبارات "تهذيبية"، مما أثار
استياء بعض النواب الذين غادروا البرلمان دون مناقشة الاتفاق. رئيس مجلس النواب،
ليندسي هويل، طالب الحكومة بتقديم بيان تفصيلي يوم الإثنين المقبل، ما يعكس حساسية
الملف وأهميته السياسية.
يمثل هذا الاتفاق التجاري برأي مراقبين خطوة
متقدمة في مساعي المملكة المتحدة لإعادة تموضعها الاقتصادي على الساحة العالمية
بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويمثل كذلك اختبارًا مهمًا لحكومة كير ستارمر في
قدرتها على إدارة ملفات التجارة الخارجية بما يحقق حماية حقيقية للوظائف والقطاعات
الوطنية. وبينما يبدو أن الاتفاق يُشكل انتصارًا مرحليًا، فإن التحديات القادمة،
لا سيما ما يتعلق بعلاقات
بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي والأسواق الآسيوية، ستحدد
مآلات هذا التوجه الجديد.
اظهار أخبار متعلقة