يندرج هذا المقال في سياق الجدل المتجدد حول
مسألة الهوية في الجزائر، والذي عاد ليطفو بقوة على الساحة السياسية والفكرية بعد
التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها المؤرخ الدكتور محمد الأمين بلغيث بشأن
نفيه لمصطلح "الأمازيغ" واعتباره مصطلحاً استعمارياً بديلاً
لـ"البربر"، مما فجّر أزمة سياسية داخلية وخارجية.
وفي هذا السياق، يقارن الدكتور أحمد بن
نعمان، في هذا المقال الخاص لـ "عربي21"من موقعه الفكري والهوياتي، بين مواقف بلغيث وشاعر الثورة مفدي زكرياء،
كاشفاً عن عمق الأزمة الهوياتية التي تواجه الجزائر بين ثوابت نوفمبر ومحاولات
التشويه والتفكيك.
مفدي زكريا.. توفي في منفاه بالمغرب دون أن يتراجع
لقد عاش مفدي زكرياء طوال حياته حرا وطنيا
أبيا.. ولم يرتد يومًا حركيا عنصريًا جهويا وثنيا، وتوفي المجاهد الصامد مبعدًا عن
وطنه منفيًا من أجل موقفه السياسي والديني والوطني والقومي الوحدوي.. وكذلك صنوه
اليوم في الإخلاص والوطنية وحسن النية في قول ما يراه أنه الحق ويخدم وحدة وطنه وأمته
ترابا وشعبا، والمتمثل في وحدة العقيدة واللسان كما سطرها الشهداء الأبرار في
البيان، وطبقوها في الميدان بأغلى الأثمان في التضحية بأعز ما يملكون في هذه
الدنيا من أجل تحرير الوطن من السطوة الأجنبية الفرنسية وتحقيق وحدته واسترجاع
مقومات هويته الوطنية (غير الفرنسية) التي استفتي عليها الشعب الجزائري بعد ثورته
الجهادية المجيدة في استحقاق عام لتقرير المصير الذي فرضه الشعب الموحد في حرب
التحرير.
وبما أن شهداء التحرير لا يعودون لا هذا
الأسبوع ولا بعده إلى يوم يبعثون فتقرير المصير للشعب والوطن لا يعاد النظر
فيه عدة مرات حسب أمزجة بعض الأفراد والجماعات في كل حين تحت تأثير الظروف
المناخية القارية المتقلبة!!
صورة نادرة لمفدي زكريا.
وإذا أعدنا النظر في نص بيان الشهداء فيتحتم
علينا بالبداهة أن نعيد النظر أيضا في نتائج تطبيقه في الواقع وهو الحرية
والاستقلال واسترجاع السيادة ومقومات الهوية والوحدة الوطنية (الترابية والشعبية)
التي قضى عليها الاحتلال بعد إتمام غزوه واستتباب أمره وبسط حكمه على البلاد
والعباد قد استرجعت كاملة في اعتقادنا كما كانت عليه قبل الغزو والاحتلال بمقتضى
هذا الاستقلال الذي حققه الرجال وسيبقى أمانة في أعناق كل الأجيال ولكل جيل أبطاله
وقادته ورموزه من الرجال.
ومن سخريات القدر في جزائر المعجزات
والمتناقضات أيضا أن يتجرأ بعض الأفاقين والمزورين للتاريخ حسب أهوائهم وتحريف
الكلم عن مواضعه لخدمة أهدافهم القريبة والبعيدة لصالح عدو وطنهم المتربص بوحدة
شعبهم وأمتهم ووطنهم يحرفون ويزيفون ويتحاملون على أحد أهرامات الوطنية الجزائرية
الذي يسكن الوطن بثوابته المقدسة في قلبه ودمه وعقله، ويتهمونه بأنه عنصري وثني
جهوي فكانوا كمن يسجل هدفا ضد مرماه لصالح خصمه بجهله وغباه!
وإليكم تحريف الكلام عن موضعه في سياق نصه
وتجاهل ما يناقضه من كلام في مواطن كثيرة هي القاعدة العامة والثابتة في شعره..
ومن هذا التلفيق الفاضح والافتراء الواضح على شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء
صاحب نشيد (فداء الجزائر) لحزب الشعب الجزائري مفجر ثورة التحرير والذي يقول فيه:
فِـدَاءُ الْجَزَائِـرِ رُوحِي وَمَـالِي أَلَا فِــي سَبِيـلِ الْحُرِّيَّـة
فَـلْيَحْـيَ حِـزْبُ الشَّعْبِ الْغَالِي وَنَجْـمُ شَمَــالِ إِفْرِيقِيَّـة
وَلْيَحْيَ جُنْدُ الاِسْتِقْلاَلِ مِثـَـالُ الْفـِـدَاءِ
وَالْوَطَنِيَّـة
وَلْتَحْيَ الْجَزَائِـرُ مِثْلَ الْهِلاَلِ وَلْتَحْـيَ فِيهـَـا
العَرَبيّة
وصاحب نشيدها الوطني الرسمي (الخالد) الذي
يقول فيه بالعربية الفصحى (وليس ببريريته الميزابية):
قسماً بالنازلات الـماحقات
والدماء الزاكيات الطاهرات
والبنود اللامعات الخافقات
في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا
نحن جند في سبيل الحق ثرنا
وإلى استقلالنا بالحرب قمنا
لم يكن يصغى لنا لـما نطقنا
فاتخذنا رنة البارود وزنا
وعزفنا نغمة الرشاش لحنا
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
وطويناه كما يطوى الكتاب
يا فرنسا إن ذا يوم الحساب
فاستعدي وخذي منا الجواب
إن في ثورتنا فصل الخطاب
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا
نحن من أبطالنا ندفع جندا
وعلى أشلائنا نصنع مجدا
وعلى أرواحنا نصعد خلدا
وعلى هاماتنا نرفع بندا
جبهة التحرير أعطيناك عهدا
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا
صرخة الأوطان من ساح الفدا
اسمعوها واستجيبوا للندا
واكتبوها بدماء الشهداء
واقرأوها لبني الجيل غداً
قد مددنا لك يا مجد يدا
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا
صاحب هذا النشيد الوطني الرائع والخالد الذي
نظمه بطلب من قيادة الثورة الجزائرية سنة 1956 كما يقول الرئيس بن يوسف بن خدة
(انظر مقالنا عنه في
"عربي21" ليوم 9 أغسطس 2024) ومحاولة إلصاقهم
بشاعرنا أبياتا منحولة او مفصولة عن سياقها العقدي والوطني فصلا، يثير السخرية
والاشمئزاز والاستهجان !؟
وإليكم الأبيات الممسوخة الممجوجة والمنحولة
بكل خبث واحترافية في التحريف والتلفيق والتزييف وإلحاقها زورا باسم شاعر الثورة
الجزائرية المسلم الوطني الثائر مفدي زكرياء المجاهد صاحب النشيد الوطني المذكور
أعلاه رحمه الله وأعلى شأنه فوق كل الأقزام المشوهين لسيرته الوطنية وروحه
الجهادية الوحدوية المسلمة العربية، مع خلطهم المتعمد التضليلي العنصري بين عروبة
السلالة الخاصة بالحصان وعروبة الرسالة الخاصة بالإنسان، والتي يحصل عليها المرء
طواعية دون إكراه مثلما يحصل على الإسلام بنطق الشهادتين بالاكتساب وليس بالوراثة
وتسلسل الأنساب، وهم يلوكونها على مسامع أرهاطهم بمناسبة وبدون مناسبة ويكتبونها
على الرموز العنصرية في بعض الحدود والنصب التذكارية الجهوية المتوهمة في عقولهم
المصابة بالعقد النفسية (الدونية) نحو أسيادهم السابقين والحاليين وسيدتهم
(الفرنسية) على حساب مختلف اللهجات واللغات المحلية وعلى رأسها اللغة العربية
الوطنية والرسمية جوهر الهوية والوحدة الوطنية!!!!
إن هؤلاء القادة الكبار من رفقاء شاعر الثورة الجزائرية الصادق مع الثوار الذين طالبوا فرنسا في بيانهم المرجعي الخالد الذي ينص حرفيًا على: "الاعتراف بالجنسية الجزائرية (بمعنى الهوية الوطنية) بطريقة علنية ورسمية ملغية بذلك كل القرارات والقوانين التي تجعل من الجزائر أرضا فرنسية التاريخ والجغرافية واللغة والدين والعادات للشعب الجزائري".
وترديد هذا البيت النشاز بكل تكلف وتزلف
وكأنهم اكتشفوا البارود بعد قرون وعقود من أرقى وأطول حضارة إنسانية شيدها الأجداد
الأولون الأحرار تحت راية الإسلام ولسان القرآن بمعية إخوانهم في الدين من أحفاد
الفاتحين في بجاية وتيهرت والقيروان وفاس وتلمسان قبل عقدة (الداروينية) المستفحلة
في نفوس بعضهم.
تقول الأبيات المنسوبة لشاعر الثورة والوحدة
دون دليل مقنع بالحجة والمرجع:
"نحن من قمم الأوراس لسنا من نجد أو
حلب..
أجدادنا أمازيغ ولم يكونوا ذات يوم من العرب
قالوا الإسلام لبينا الندا قالوا العروبة
قلنا كسيلة أولى"..
لنفرض أنه قالها كما يفترون فلماذا لا يلبون
النداء مثله إلى الإسلام كما يدعون ولا يفطرون في رمضان كما يفعلون ويرفعون الصليب
نكاية في الهلال كما يكفرون ويظنون أنهم سيقضون على الإسلام الموحد الصامد بالجهاد
المتوارث في البلاد من الأجداد إلى الأحفاد عبر القرون!! فهل يعقل أن يصدر من قائل
هذا الكلام الملفق الطافح بالعنصرية والجهوية والردة إلى الجاهلية الوثنية والعصور
الحجرية.. يصدر عنه هذا البيان الصريح الفصيح المعبر عن ضمير الملايين من المسلمين
الموحدين في الدنيا والدين.!؟ وهو نفس الموقف الذي لم نجد ما يناقضه في كل ما قاله
صنوه في الوطنية والإسلام والعربية الأستاذ الدكتور محمد الأمين بلغيث في كل ما
عرفناه عنه أو قرأناه له كرفيق لنا في درب النضال ضد الاستحلال بعد الاحتلال أو
كزميل في التيتم المبكر ووراثة الشهادة مثلنا ومواصلة النهج المرسوم لنا من أسلافنا
كالصلاة في محراب التهجد والتعبد!؟
الشهادة الأولى التي خطها مفدي زكريا بيمينه
لنا ولغيرنا في كل أرجاء الوطن هي:
وسر في المغرب العربي لحنا وفي قيثارة الاعياد عرقا
ودع مراكش الحمرا تغني خلاصا من معذبها وعتقا
وفي استقلالها تتلو كتابا به جاء المليك هدى وحقا
تنزل عابقا بدم الضحايا وجاء بيانه نورا وصدقا
به قلب العروبة مستقل إلى وطن العروبة ذاب
شوقا
فدام على عروبته وفيا يراعى عهدهاخلقا وخلقا
وولى وجهه للشرق لما تطلع يبتغي للعز افقا
فلم ينس العروبة وهو حر وما نسي العروبة وهو يشقى
بلاد المغرب العربي شرق وكانت قبلة العربي شرقا
فحيوا في بني بغداد شعبا زكا في الخالدين وطاب عرقا
وحيوا مصر موطن كل حر وحيوا في اماجدها دمشقا
(والكلام عن الشعوب المحكومة هنا لا ينطبق
بالضرورة على أنظمة الجامعة العربية المظلومة اسمًا وظرفا وحكما) الآن!! وهي أوضح
وأفصح ردود مفدي زكرياء الثورية على جميع العملاء والخونة وتجار التلاعب بالهوية
الوطنية في مواد الدستور الوطني وفي كواليس السياسة وثقافة الفولكلور في بعص
الدوائر والقصور على موائد الخمور والفجور وهو الميزابي المحافظ (محليًا) والمسلم
العربي الملتزم (وطنيا وقوميًا) يصدح بقوله الصريح المجلجل بالبيان القرآني في
وجوه كل المرتدين من أبواق التيار الماسوني والعلماني الاستحلالي والاستئصالي
والانفصالي..
والشهادة الثانية التي خطها بيمينه مثل
سابقتها لكل من يهمه الأمر ممن يريدون إعادة النظر في نتائج تقرير المصير الأخير
هي: "على عهد العروبة سوف نبقى وأما بالجزائر انكرونا سنخرق.. وصمة الإجماع
خرقا وثبنا كالكواسر واتخذنا إلى استقلالــــنا الأرواح طرقا فلا نخشى العذاب ولا
نبالي إذا وجب الفدا سجـــنا وشنقا إذا ما الرزق صار حليف ذل مضينا نبتغي في الموت
رزقا.. رسول الشرق قل للشرق إنا نسام الخسف ألوانا ونسقــى.. وإن الشامتين بنا أبادوا
أعز ديارنا نسفـــــــا ومحقا وإنا في الجزائر خير شعب عروبته مدى الأجـــيال وثقى وأن الوحدة الكبرى إذا
ما تحررت الجزائر سوف تبقى".
ليس في كلام بلغيث ما يتعارض مع بيان نوفمبر
ونكرر ما قلناه بأننا لم نجد في موقف الدكتور
محمد الأمين بلغيث ما يتعارض أو يناقض هذا الموقف النوفمبري الناصع والساطع
والقاطع نصا وروحا كما سنثبت فيما يلي للذين يدعون أنهم من البربر (أو الأمازيغ)
سواء كانوا من الهقار أو الأوراس أو غرداية أو بلاد القبائل الزاووية الوطنية
المجاهدة التي طبع على أرضها بيان الجهاد الخالد لأعظم ثورة في القرن العشرين التي
لقب مفدي زكرياء بشاعرها الأول دون منازع وصاحب نشيدها الوطني الخالد مثل خلود
شهدائها في كل أنحاء الوطن من أقصاه إلى أدناه.
قلت بيانها الخالد الذي طبع بقرية (إغيل إيمولا)
بجنوب مدينة تيزي وزو الحالية بأمر من زعيمها النوفمبري (التاريخي) بلقاسم كريم،
الذي استأصل بيده هو ورفاقه كل دعاة العنصرية وتمزيق وحدة الشعب والوطن تحت أي
شعار كان، وهذا الموقف ذاته لم يتغير حتى نهاية الحرب، بما في ذلك قرارات المؤتمر
الأول للثورة المسلحة المنعقد بوادي الصومام في 20 أغسطس (سنة 1956،) التي أكدت
هذا الموقف بكل صرامة في وثيقتها الموقعة من كل قادتها الأحياء (باستثناء عميدهم
مصطفى بن بولعيد قائد الولاية الأولى الذي كان قد استشهد في مارس 1956) وبقية
القادة الحاضرين هم يوسف زيغود (الولاية الثانية) بلقاسم كريم (الولاية الثالثة،)
عمرو اوعمران ( الولاية الرابعة،) محمد العربي بن مهيدي (الولاية الخامسة،) على
ملاح (الولاية السادسة)، وعبان رمضان (المنطقة الحرة بالجزائر العاصمة)، منطلق
وملتقى طرق كل الولايات الوطنية حتى توقيف القتال وتقرير المصير والإمضاء على
أوراق الاستقلال مع دولة الاحتلال بناء على نص البيان المذكور دون تحريف أو تزييف أو
نقصان، كما يدّعي المدّعون من الغائبين أو الخائنين على الشهداء الراحلين أو
الشهداء المنتظرين؟!؟
وإن هذا الطمس والتشويه لتاريخ الرجال
والأبطال مثلما فعلوه مع شاعرنا الوطني مفدي زكرياء و يفعلونه مع غيره ممن هم على
نهجه الدكتور محمد الأمين بلغيث وغيره لهو عينة واضحة وصارخة من مظاهر الاستحلال (كما
شرحناه في مقال مفصل هنا في "عربي21" ليوم 10 يوليو 2023.)
والملاحظ في هذا القرار أن أربعة من هؤلاء
القادة السبعة الكبار الموقعين على الحكم بالإعدام هم من ثوار بلاد القبائل، وأبناء
حزب الشعب الجزائري الواحِد الموّحد بثوابت هويته الوطنية (العربية الإسلامية)
المكتوبة باللغة العربية على البطاقة النضالية لكل واحد منهم وهي؛ "الجزائر
وطني، الإسلام ديني، العربية لغتي"، و هي المؤكدة بوضوح لا يقبل أي لبس أو
تأويل في البيان النوفمبري المطالب في أحد بنوده بالاستقلال التام عن فرنسا على
أساس الاختلاف في الهوية عن شعب الدولة الفرنسية الغاصبة، وكأن هؤلاء القادة
يستشرفون بنور الله والجهاد الصادق ما يحصل في أيامنا هذه، من ردة وطنية كالتشكيك
في وحدة الشعب والمصير وتشييد "النصب التذكارية" للمرتدين ورموزهم من
أمثال كسيلة وغيره نكاية في الإسلام والمسلمين ضد قائد المجاهدين الفاتحين عقبة بن
نافع الذي كان اسمه كلمة السر في ليلة الانفجار العظيم (خالد - عقبة) وذلك تملقا
وتزلفا للأعداء السابقين واللاحقين!!!!
إن هؤلاء القادة الكبار من رفقاء شاعر
الثورة الجزائرية الصادق مع الثوار الذين طالبوا فرنسا في بيانهم المرجعي الخالد
الذي ينص حرفيًا على: "الاعتراف بالجنسية الجزائرية (بمعنى الهوية الوطنية)
بطريقة علنية ورسمية ملغية بذلك كل القرارات والقوانين التي تجعل من الجزائر أرضا
فرنسية التاريخ والجغرافية واللغة والدين والعادات للشعب الجزائري".
ونعتقد أن هذا الرفض القاطع للجنسية
الفرنسية وهويتها اللغوية والدينية من أصحاب البيان الذين يصرحون بأن للجزائر هوية
متميزة تتكامل فيها كل المقومات التاريخية والجغرافية واللغوية والدينية، يصدر من
قائل هذا الكلام الملفق (على طريقة ويل للمصلين؟!!) عن العنصرية والجهوية والردة
والانفصال والوثنية الحجرية.. هذا البيان الصريح الفصيح المعبر عن ضمير الملايين
من المسلمين الموحدين في الدنيا والدين.!
إلى هؤلاء المتهمين لشاعرنا وأمثاله (في
الفصيلة والقدوة الوطنية) بالجهوية والردة الوثنية ونكران الأصل الترابي والحجري
لصالح السياسة الفرنسية في التفرقة العنصرية لأبناء الأمة المحمدية في البلاد
المشرقية والمغربية على امتداد اللسان وسماع الأذان وتلاوة القرآن، إذا كانت قبائل
الأصلاء والشرفاء فمفدي زكرياء وأمثاله منهم وهم كلهم منه بإمتياز من جرجرة إلى
الونشريس والهقار والأوراس.. وإذا كانت قبائل العملاء والحَرْكى وبقايا الزرقاء،
فلا يشرفه أبدا لا هو ولا أي مجاهد أو ابن شهيد على دربه أن يمثلهم، ولا أن يلتقي
معهم حتى في الآخرة، لأن الكفر والإيمان، والخيانة والأمانة ووالوفاء والإحسان لا
يلتقيان أبدا داخل قلب أي إنسان في ذات الزمان والمكان!!؟؟
وباختصار نقول، لهؤلاء الذين لا يشرفهم أن
يمثلهم أمثال شاعرنا في أي مكان من الوطن الجزائري كله، وليس في قرية فحسب أو جهة
أو جبل أو مدينة من الأوراس أو زواوة أو الهقار أو ميزاب الجغرافية الحالية وليست
الثقافية لأن الثقافة والهوية والوحدة الوطنية واحدة في كل التراب الوطني المسقي
بدماء كل الشهداء من أقصاه إلى أدناه! فهذه القبائل الأصيلة، هي التي ينتمي إليها
شاعرنا بجبالها وأهلها ودينها ولسانها الفصيح الجامع المكتوب والمحفوظ بشرف، لا
ينزعه منه أي عميل أو خائن كان بالأمس يحارب المجاهدين في إذاعة "صوت
البلاد" بالقبائلية واليوم يحاربهم مع العدو ذاته بلغته الفرنسية ولحسابها
وحدها ضد اللغة العربية لغة الجزائر الوطنية والرسمية حسب بيان نوفمبر وتقرير
المصير وليس أي كلام أو تغيير أملاه مزاج أي حاكم أو أمير!!؟
وإذا كان الزمان غير الزمان، فالإنسان
الخائن العنصري والعميل هو الإنسان، من تبسة وعنابة إلى بجاية وتيزي وزو ومعسكر وتلمسان..
فالخيانة الوطنية والعمالة واحدة وهي مسألة فردية وفئوية مثل البطولة الوطنية وليست
مسألة جهوية أو عرقية لهجوية أو لغوية على الإطلاق!!؟.
إن الإنسان مسيرٌ في مكان ازدياده ولكنه
مخيرٌ في مكان جهاده واستشهاده، وأنه قد يولد مسلمًا ثم يرتد ويموت ملحدًا،
أو يولد كافرا ويصبح مؤمنًا (معتنقًا للإسلام عن قناعة والتزام) بالإرادة
والاختيار مثل كل الأجداد الأحرار وليس بالإجبار كما هو ثابت في بلادنا الشمال
الإفريقية التي وقعت كلها تحت إدارة الاحتلال الفرنسي والإيطالي بعد الغزو الصليبي
للجزائر سنة 1830: وقد كانت فرصة لهذه الشعوب المغربية المسلمة العربية والبربرية
كي ترتد وتكفر ولكنها ازدادت تشبثا بهويتها لسانا وإسلامًا وإيمانا وصلابة وجهادًا
كما يشهد على ذلك فشل الجنرال (بيجو) والكارد ينال (لافيجري) وتلميذه (شارل
دوفوكو) في تنصيرهم وفرنستهم!!
وأن تقرير المصير الذي وقع سنة 1962، بين
الشعب الجزائري الواحد الموحد في تطبيق بيان نوفمبر، وبين الذين صوتوا على
الاستقلال بنسبة %97,5 كانت توجد أقلية من الجزائريين صوتت ضد الاستقلال في كل
مناطق الوطن بنسب متقاربة لا تتجاوز 2،5٪ فالذي لم تعجبه نتائج الصندوق ضمنت له
فرنسا (حسب اتفاقيات إيفيان) الحصول على جنسيتها، والالتحاق بأرضها ليخضع
لقوانينها الوطنية السيادية الصارمة التي تحقق الاندماج الثقافي التدريجي هناك
والذي أنشأت له الدولة الفرنسية أول وزارة للهوية في تاريخها المعاصر!؟!؟. والذي
فضل منهم البقاء في الجزائر مثل بعض الفرنسيين (المسيحيين واليهود) الذين ما
يزالون محافظين على دينهم بكل حرية حتى الآن، على غرار الجزائريين المسلمين
المقيمين في فرنسا حاليًا والذين يتمتعون بكل حقوقهم ويقومون بكل واجباتهم الوطنية
التي تفرضها عليهم الدولة الفرنسية ككل المواطنين بما فيه التعامل في الإدارة
الفرنسية باللغة الوطنية والرسمية!!!
إلى الذين يريدون تقسيم الشعب الجزائري
الموحد إلى أعراق وأعلام وكيانات عصبية وكانتونات قبلية حسب اللهجات المحلية
والطوائف الدينية والمذهبية.. نقول إن سيدي عبد الرحمان الثعالبي، (العالم الصوفي
والولي الصالح) الذي تحمل عاصمة الجزائر بعض معاني اسمه هو من برج منايل،
والبُصَيْري (صاحب أعظم قصيدة في مدح الرسول (ص) هو جزائري الأصل صنهاجي القبيلة
مثل ابن باديس، وكذلك الإدريسي أستاذ ابن خلدون في بجاية والمدفون في قرية يلولة
(ولاية تيزي وزو) وابن أجروم صاحب كتاب "الأجرومية في النحو العربي"، هو
من البويرة وابن معطي الزواوي صاحب "ألفية ابن معطي في النحو العربي"
الذي سبق بها ألفية ابن مالك الأندلسي، هو من قبائل زواوة كذلك فضلا عن الأسماء
الجهادية اللامعة في الماضي والحاضر.
ا يوجد استقلال دائم ولا احتلالٌ دائم، وإنما توجد خيانات وانحرافات مستمرة للعملاء والجهلاء، ويوجد جهاد متواصل قائم للشرفاء من كل الأنحاء داخل الوطن الواحد الموحد الشعب والهوية ضمن كل دول وشعوب الأمة المحمدية بعيدًا عن العصبيات القبلية والنزعات العرقية والطائفية الدينية والمذهبية والردة إلى الكفر والشرك والوثنية الجاهلية المتمثلة في التحلل والاستحلال والعلمانية العدمية..؟!
وإن وحدة المعتقد ووحدة اللسان هي التي تحقق
وحدة الوجدان والأوطان بالتفاهم والتقارب بين الناس في الأمم و البلدان.. (انظر
مقالينا عن مقومات الهُوِيَّة الوطنية الثقافية وليست العرقية في "عربي21"
ليوم 10 يناير 2025 ويوم 7 فبراير 2025..) إنه لا يستطيع أحد من أولئك المدعين
للتميز الهوياتي والعرقي عن عامة الشعب الجزائري خارج دائرة التواصل المحلي
باللهجات الجهوية في بعض المناطق الجبلية بحكم الفقر وانعدام التمدرس وانتشار الأمية
تبعا لذلك.. علما أن التحدث بأية لغة أو لهجة محلية (عربية أو بربرية) هو معطى
مكتسب اجتماعيا لضرورة التواصل بين الأفراد وليس له أية علاقة بالأصل العرقي أو
السلالي للإنسان الناطق بها محليًا أو وطنيا مع عامة أفراد الشعب في الوطن الواحد.
كما أنه لا يمكن لأي فرد من سكان منطقة
القبائل الحالية (زواوة) أو غيرها خارج بعض المدن والحواضر (كبجاية والبورية ودلس
وبرج مناديل..)، أن يثبت وجود اسم عائلته قبل أربعة قرون خلت، كما بينا ذلك في
مقالنا (بـ "عربي21" ليوم 30 اغسطس 2024) عن الوثيقة الصادرة سنة 1857
بأسماء هذه العائلات القبائلية (الزواوية) وأصولها المختلفة حسب شهادة الفرنسيين أنفسهم
غداة الاحتلال قبل أن يبدأوا تطبيق سياسة "فرق تسد" التي نعيش اليوم
نتائجها المرة المتمثلة في هذه الردة المنذرة بعواقب وخيمة على وحدة الوطن والشعب
والدولة الموحدة ذاتها؟؟!! تلك الوثيقة التي تثبت أن هؤلاء السكان كلهم وافدون أو
نازحون إلى المنطقة لاحقا ومعظم السكان الحاليين كافحوا جماعيًا في جبهة واحدة من
أجل تحرير وطنهم من الاحتلال الفرنسي الغازي للجزائر كلها سنة 1830 وحققوا
الاستقلال الوطني سنة 1962 بعد كفاح مرير نادر المثال في التاريخ المعاصر لا
يدانيه إلا جهاد الشعب الفلسطيني في الوقت الحاضر.. !!؟
وأختم ردي على هؤلاء المزورين للتاريخ والمفترين
أو المتحاملين على شاعرنا مفدي زكريا المجاهد العتيد ومؤرخنا الباحث الأمين
والشاهد ابن الشهيد بقولي: إن كل احتلال يحمل بذور استقلال (وهذا ما قد حصل
بالفعل)، وكل استقلال قد يحمل بذور احتلال أيضا كما حصل وهو ما يراد له أن يتكرر
ثانية بهذه الطروحات الاستحلالية والانعزالية والانفصالية المفتعلة لحاجة في نفس
يعقوب الفرنسي!؟ وأن بذور الاستقلال في الاحتلال تسقى بالشهادة والوفاء والأمانه،
وبذور الاحتلال في الاستقلال تسقى بقبول الوصاية والسكوت عن الانحراف والخيانة
والتلاعب بالثوابت الوطنية عن طريق تمييعها لصالح أطراف أجنبية بخلق ثنائية الهوية
الوطنية كضرة رسمية للهوية الوطنية (النوفمبرية) القطعية كما أثبتناه بالنص آنفا!؟
علما أن الهوية الواحدة مثل الأم الوالدة تتطور عموديًا في الزمان ولكنها لا تتعدد
أفقيا في المكان ولا هوية وطنية موحدة دون وحدة لغوية محددة مثل فرنسا في فرنسا مع
10 لغات محلية وجهوية بما فيها (الغولوا) التي تعادل من حيث الشبه (في القدم
والشفهية) اللغة البربرية في البلاد المغربية قبل الفتح الإسلامي الذي قضي على
الرومانية التي استبدل بها الشعب المسلم اللسان القرآني مثلما استبدل بها الشعب
الفرنسي اللسان الروماني كما يقول الجنرال دوغول ذاته في كتابه (الأمل) وهي اللغة
الوحيدة الرسمية للدولة الفرنسية حاليًا في الداخل وفي مستعمراتها كلها لأنها
مسألة وحدة وطنية وسيادة وجنسية وهوية كما يقولون ويفعلون هناك في وطنهم وهو عكس
ماينصحون به غيرهم لخلق أوضاع لسانية لديهم بترسيم لغات شفوية محلية لتنافس اللغة
الوطنية والرسمية في ذات الزمان والمكان كما يخطط له منذ زمان في السر والعلن وقد
استفحل الآن!!؟؟
وإني أكرر هنا ماقلته منذ نصف قرن بأنه لا
وحدة وطنية بدون وحدة لغوية وطنية ورسمية مع إمكان تعايشها الوظيفي الاجتماعي
المحلي مع اللغات المحلية والجهوية مثل فرنسا في فرنسا ذاتها لكن وجود لغتين
رسميتين في الوطن الواحد لا ينتهي إلا بالحروب الأهلية والانقسام والتفتت
الى دويلات مجهرية بعدد اللغات المحلية المرسمة في الدستور والمطبقة في إدارة
الدولة المعنية من قبيل (منكم أمير ومنا أمير)!! وإني أقول هنا وللتاريخ بأنه إذا
تحقق ذلك الإزدواج الهوياتي الناتج حتما عن فرض الازدواج اللساني (طوعا أو كرها): في
التعليم والإدارة دون تمزيق وحدة الشعب المفعول به والمفعول فيه الى أشتات من
العروش والكنتونات والإمارات والولايات غير المتحدة على حساب الوحدة الترابية
والشعبية المعهودة منذ 14 قرنا إذا طبق الترسيم ولم يحدث التقسيم فاعدموني مثل أبي
وإذا مت فاخرجوا جثتي من قبري واحرقوها بستة من كتبي هي: (البربرية ـ التعصب ـ
الهوية الوطنية ـ حزب البعث الفرنسي ـ مصير وحدة الجزائر بين أمانة الشهداء وخيانة
الخفراء..).
وأذكر
المؤمنين بأنه لا يوجد استقلال دائم ولا احتلالٌ دائم، وإنما توجد خيانات
وانحرافات مستمرة للعملاء والجهلاء، ويوجد جهاد متواصل قائم للشرفاء من كل الأنحاء
داخل الوطن الواحد الموحد الشعب والهوية ضمن كل دول وشعوب الأمة المحمدية بعيدًا
عن العصبيات القبلية والنزعات العرقية والطائفية الدينية والمذهبية والردة إلى الكفر
والشرك والوثنية الجاهلية المتمثلة في التحلل والاستحلال والعلمانية العدمية..؟!