قضايا وآراء

ما أهمية التحول الغربي تجاه إسرائيل؟

غازي دحمان
"استثمر اليمين الإسرائيلي المتطرف الغطاء لخوض حرب لم يشهد العصر الحديث مثلها"- جيتي
"استثمر اليمين الإسرائيلي المتطرف الغطاء لخوض حرب لم يشهد العصر الحديث مثلها"- جيتي
بعد حوالي 600 يوم من حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة، بدأ الموقف الدولي يشهد تحوّلات تجاه إسرائيل، ولا سيما الدول الأوروبية التي دعمت حكومة نتنياهو بقوّة في حربه وقدمت غطاء سياسيا لجرائم نتنياهو، مدعيّة أن إسرائيل تخوض حرب الدفاع عن النفس، وقد استثمر اليمين الإسرائيلي المتطرف هذا الغطاء لخوض حرب لم يشهد العصر الحديث مثلها، ولا سيما على مستوى انتهاك القوانين الإنسانية وقوانين الحرب عموما.

التحوّل في المواقف شمل دولا عديدة، لدرجة وصفه من الإعلام الإسرائيلي بـ"تسونامي دبلوماسي" وأزمة غير مسبوقة أدت إلى انهيار موقع إسرائيل الدبلوماسي عالميا في غضون أسابيع قليلة بسبب طريقتها في إدارة الحرب في غزة. وقد تزعمت هذه المواقف كل من بريطانيا وفرنسا وكندا، حيث أكدت هذه الدول في بيان مشترك، أنها لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تواصل حكومة نتنياهو أعمالها الفاضحة (القتل والتجويع)، مندّدة بـ"اللغة البغيضة" التي استخدمها مؤخرا أعضاء حكومة نتنياهو، والتهديد بالترحيل القسري للمدنيين الذين يواجهون دمارا يائسا في غزة.

أثار هذا التحول قلق المستوى السياسي الإسرائيلي بكل تياراته وأجنحته، ما دفع أصواتا من هذا المستوى إلى التنديد بسياسات حكومة نتنياهو

وقد أثار هذا التحول قلق المستوى السياسي الإسرائيلي بكل تياراته وأجنحته، ما دفع أصواتا من هذا المستوى إلى التنديد بسياسات حكومة نتنياهو. وقد أكد مصدر سياسي، لم يكشف عن نفسه لصحيفة "يديعوت أحرنوت" أن حكومة نتنياهو هي التي جلبت على نفسها هذا الكابوس، فهي لا تدير سياسة، بل تدير حربا بلا هدف حقيقي.

وقال رئيس حزب الديمقراطيين الإسرائيلي المعارض يائير غولان إن "الدولة العاقلة لا تشن حربا على المدنيين (الفلسطينيين)، ولا تقتل الأطفال كهواية، ولا تنتهج سياسة تهجير السكان"، فيما اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت أن "الحرب في غزة تُدار دون هدف، وفيها يُقتل آلاف الفلسطينيين الأبرياء، إلى جانب عدد كبير من الجنود"، ودعا رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك إلى عصيان مدني.

التحوّل الغربي، رغم تأخره كثيرا، إلا أنه مهم، بالنظر لأهمية مواقف الدول التي تتبناه في السياسة الدولية، والأهم من ذلك، قدرتها على التأثير في الداخل الإسرائيلي، لما لها من علاقات اقتصادية كبيرة. ويكفي هنا إيراد تهديد بريطانيا بوقف مفاوضات الشراكة مع إسرائيل والذي، بحسب اعتراف الإسرائيليين، سينتج عنه خسارة بعشرات المليارات من الدولارات، كما سيؤثر قطع العلاقات الاقتصادية الأوروبية مع إسرائيل على قطاعات حيوية في مجالات التطوير التكنولوجي والسياحة والتجارة عموما، إذ تعد أوروبا أكبر المستهلكين للمنتجات الإسرائيلية.

لكن ما هي الأسباب التي دفعت الدول الأوروبية وكندا إلى اتخاذ هذا الموقف؟ لا شك أن الجاليات الفلسطينية والإسلامية في الغرب لعبت دورا مهما في ذلك، من خلال فعالياتها المستمرة للتذكير بمأساة غزة، ومشاركتها الكبيرة في المظاهرات المندّدة بإسرائيل، بالإضافة إلى حركة نقد واسعة قادها سياسيون وبرلمانيون وصحفيون وناشطون أوروبيون للموقف الغربي الصامت على المذبحة التي تديرها إسرائيل في قطاع غزة.

عدا عن كون هذه السياسات محرجة لأوروبا إلى حد بعيد وقد تكون تداعياتها المستقبلية خطيرة جدا، فهي سياسات تتجاوز حدود المنطق والعقلانية بأشواط، وهي كما أشرنا، تورّط الغرب الذي دعم هذه الحرب حتى وقت قريب وتجعله شريكا في حرب الإبادة، وهو ما تنبهت له بعض الدول الغربية، وبدا موقفها وكأنه انتفاضة في مواجهة الخديعة الإسرائيلية ومحاولة للخروج من مأزق تاريخي قد يكلفها أثمانا باهظة

السبب الثاني، أن حرب الإبادة الإسرائيلية شكلت أخطر اختبار لمنظومة القيم الغربية؛ فالغرب هو من وضع مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، لمنع تكرار جرائم الحرب، وقد وجدت نخب الغرب، السياسية والثقافية، أن حكومة نتنياهو المتطرفة لا تكتفي بتعرية قيمها ومعاييرها الأخلاقية، بل تورطها في جعلها شريكا لها في حرب الإبادة على أطفال ونساء غزة، الأمر الذي دفع شخصيات غربية عديدة إلى التساؤل عما إذا كان الغرب ينتمي بالفعل إلى العالم المتحضر!

بيد أن السبب الأهم في تغيير الموقف الغربي، هو ما أقدمت عليه حكومة نتنياهو، سواء على صعيد التجويع والحصار المشدّد، والذي يوشك أن يؤدي إلى موت جماعي لفئات كبيرة من سكان غزة، في ظل الدعوات الصادرة عن وزراء في حكومة نتنياهو تدعو لتهديم غزة وتهجير سكانها قسرا، إذ عدا عن كون هذه السياسات محرجة لأوروبا إلى حد بعيد وقد تكون تداعياتها المستقبلية خطيرة جدا، فهي سياسات تتجاوز حدود المنطق والعقلانية بأشواط، وهي كما أشرنا، تورّط الغرب الذي دعم هذه الحرب حتى وقت قريب وتجعله شريكا في حرب الإبادة، وهو ما تنبهت له بعض الدول الغربية، وبدا موقفها وكأنه انتفاضة في مواجهة الخديعة الإسرائيلية ومحاولة للخروج من مأزق تاريخي قد يكلفها أثمانا باهظة.

التحول الغربي تجاه إسرائيل مهم، بدلالة تأثيراته الملحوظة على اسرائيل ونخبها السياسية والاقتصادية، وقد يؤدي فعلا إلى تطوير حراك داخلي إسرائيلي يُسقط حكومة نتنياهو، وهذا الأمر يتطلب دعما عربيا، أقله على المستوى الشعبي، سواء من الجاليات العربية في الخارج أو الجماهير في البلدان العربية، عبر زيادة الفعاليات المندّدة بحرب الإبادة على أهل غزة والمُطالبة بوقف الحرب فورا.

x.com/ghazidahman1
التعليقات (0)