تناول
مقال نشرته مجلة "فورين
بوليسي" للمستشارة الأولى ومديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات
الاستراتيجية والدولية، منى يعقوبيان، الأحداث في الشرق الأوسط مع تصاعد المواجهة بين
إيران وإسرائيل.
وتحدثت الكاتبة عن اختلاف الرؤى بين
الاحتلال والدول الخليجية حول دور إيران في المنطقة مبينة أن على واشنطن أن تختار إحداها.
وهذا نص المقال:
لدى إسرائيل والخليج رؤى
متضاربة لدور إيران في المنطقة، والآن على واشنطن أن تختار إحداها، وفي الوقت الذي تناقش
فيه واشنطن دورها في الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران، سيُجبر صانعو السياسات
الأمريكيون على الاختيار بين رؤيتين متنافستين للشرق الأوسط.
في السنوات الأخيرة،
سعت الدول العربية بشكل متزايد إلى دمج إيران في المنطقة بدلا من مواجهتها.
في
المقابل، تعتقد إسرائيل أنها لا تستطيع قبول إيران متكاملة إقليميا. مع وضع هذه
الأهداف المتنافسة في الاعتبار، يأمل حلفاء أمريكا في الخليج أن تساعد واشنطن في
تهدئة الصراع، بينما تأمل إسرائيل أن تنضم واشنطن إلى حربها ضد النظام الإسلامي.
قبل وقت طويل من هجوم
إسرائيل غير المسبوق على إيران في 13 حزيران/ يونيو، كان السعي نحو التكامل
الإقليمي جاريا بالفعل. من الصعب تحديد تاريخ دقيق لبدء هذه الرحلة. ومع ذلك، يبرز
حدث بالغ الأهمية: هجوم 14 أيلول/ سبتمبر 2019 على منشآت النفط السعودية في بقيق
وخريص.
وقد أدى الهجوم، الذي أعلنت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران مسؤوليتها
عنه، إلى تعطيل حوالي 50% من إنتاج النفط السعودي.
والأهم من ذلك، أن عدم رد
الولايات المتحدة على الضربة كان بمثابة لحظة فاصلة للخليج. فقد اعتقد الكثيرون
أنهم كانوا في مرمى نيران صراع أمريكي إيراني متصاعد، لكنهم لم يستطيعوا الاعتماد
على الولايات المتحدة لحمايتهم في حالة وقوع هجوم إيراني كبير.
وقد دفع هذا الاعتقاد
عملية أدت إلى إعادة العلاقات بين السعودية وإيران في 10 آذار/ مارس 2023. وتقدمت
العلاقات الدافئة ببطء، لكنها استمرت حتى بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وعلى
الرغم من المخاوف بشأن دعم إيران لوكلائها الإقليميين.
في الواقع، بدا أن
التقارب الخليجي مع إيران قد تسارع مع تفاقم التوترات بين إسرائيل وإيران.
بعد شهر
واحد فقط من أول مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل، حضر وزير الخارجية
السعودي - إلى جانب أمير قطر ووزير الخارجية الإماراتي وغيرهما من كبار الشخصيات
العربية - جنازة الرئيس الإيراني الذي توفي في حادث تحطم مروحية.
ثم زار وزير
الخارجية الإيراني عباس عراقجي السعودية في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، في أعقاب
الهجوم الإيراني المباشر الثاني على إسرائيل في وقت سابق من ذلك الشهر. وفي تشرن
الأول/ أكتوبر أيضا، أجرت السعودية وإيران أول مناورات بحرية مشتركة بينهما على
الإطلاق.
اظهار أخبار متعلقة
حتى البحرين - على الرغم من توتراتها الطويلة الأمد مع إيران - تحركت
لاستعادة العلاقات. ومؤخرا، زار وزير الدفاع السعودي طهران في نيسان/ أبريل. تشير
المناقشات التي جرت الشهر الماضي مع استراتيجيين خليجيين إلى أن المحادثات ركزت
على عزل المحادثات النووية الأمريكية الإيرانية الجارية عن الجهود المتوقعة من
جانب إسرائيل لعرقلة المفاوضات.
وعلى نطاق أوسع، أعطى
سعي الخليج نحو نظام جديد في المنطقة الأولوية لخفض التصعيد والنمو والتنويع في
الداخل مع بناء علاقات اقتصادية أعمق في جميع أنحاء المنطقة والعالم. إن إخماد
الصراع المحتمل مع إيران وتعميق المشاركة الإيرانية - إن لم يكن التكامل - هما
جوهر هذه الرؤية الخليجية. ومع وضع هذه الأهداف في الاعتبار، رأى قادة الخليج أن
ثلاث سنوات من التقارب مع إيران أثمرت فوائد أكبر من 30 عاما من العزلة.
وكان تجديد الاتفاق
النووي بين الولايات المتحدة وإيران عنصرا حاسما في هذا النهج. قبل هجمات الأسبوع
الماضي، ركز المتحاورون الخليجيون على ضمان نجاح المفاوضات. في عُمان الشهر
الماضي، أشار محللون إلى أن إيران قد تقترح أجندة طموحة كجزء من صفقة ناجحة تتضمن
اتفاقيات اقتصادية رئيسية وفرص استثمارية للولايات المتحدة. وعززت زيارة الرئيس
دونالد
ترامب إلى المنطقة التفاؤل بإمكانية التوصل إلى صفقة تبشر بعهد جديد
للمنطقة.
كانت هذه الآمال
والحسابات وراء انتقادات الخليج اللاذعة لإسرائيل في أعقاب هجمات 13 حزيران/ يونيو.
والجدير بالذكر أن السعودية أصدرت إدانة لاذعة بشكل خاص، مشيرة إلى هجوم إسرائيل
"الشنيع" على "جمهورية إيران الإسلامية الشقيقة".
كما أدانت قطر
والإمارات وعُمان، من بين دول أخرى، تصرفات إسرائيل. وتتناقض هذه التنديدات بشكل
صارخ مع المواجهة السابقة مع إيران، عندما كانت
دول الخليج من بين الأكثر صراحة في
حث الولايات المتحدة على "قطع رأس الأفعى" وتدمير المنشآت النووية
الإيرانية.
في الوقت نفسه، تخشى
دول الخليج من الوقوع في مرمى نيران صراع متسع بين إسرائيل وإيران. وتتزايد
المخاوف من أن تُسفر الهجمات على البنية التحتية للطاقة الإيرانية عن عواقب وخيمة
على المنطقة، بل قد تُهدد مياه الخليج في حال تسببت في تسربات نفطية.
كما يُخشى من
انخراط الولايات المتحدة في الصراع، مما قد يدفع إيران إلى ضرب أهداف أمريكية في
الخليج. في الوقت الحالي، تتجنب إيران استهداف أهداف في الخليج حفاظا على علاقاتها
المتنامية مع المنطقة، لكن هذا الوضع قد يتغير.
ونتيجة لذلك، يُطالب
الخليج بإلحاح بحل دبلوماسي. وانطلاقا من ضرورات نموها الاقتصادي، ستسعى الجهات
المعنية في الخليج إلى منع امتداد الصراع، وستبحث عن سبل للمضي قدما في نظامها
المُفضل. وفي المستقبل، سيسعى الوسطاء التقليديون، مثل عُمان - وربما السعودية
الآن - إلى تطوير سُبل مُبتكرة للخروج من الصراع، مع استغلال علاقات الإمارات
الهادئة مع إسرائيل كقناة خلفية. وستتكثف هذه الجهود مع تفاقم حدة الصراع.
لقد أدت الحرب
الحالية إلى تفاقم التوتر بين رؤية الخليج للمنطقة ورؤية إسرائيل. من وجهة نظر
إسرائيل، يُعزز الجيش الإسرائيلي نجاحاته في سحق حزب الله، وتسهيل انهيار نظام
الأسد في سوريا، وفتح الطريق أمام عهد جديد في كل من لبنان وسوريا.
من هذا
المنظور، يُعد هجوم إسرائيل على إيران الخطوة التالية في هذا التطور، الهادف إلى
ضمان عدم وجود مكان للجمهورية الإسلامية في هذا الشرق الأوسط. في الواقع، أثار
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو احتمال تغيير النظام في إيران نتيجة
للعمل العسكري الإسرائيلي.
يرى آخرون في العالم
العربي أن استخدام إسرائيل للقوة يُقوّض سيادة القانون، واعتمادها على القوة
العسكرية لا يترك مجالا يُذكر لمنطقة أكثر تكاملا اقتصاديا تعتمد على الاستقرار.
وهكذا، أصبحت إسرائيل، وليس إيران، "المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في
المنطقة".
من هذا المنظور، تُعدّ التدخلات العسكرية الإسرائيلية في غزة
ولبنان وسوريا واليمن وإيران أمثلة على موقفها العدواني والمزعزع للاستقرار. علاوة
على ذلك، سعت إسرائيل، باغتيالها علي شمخاني، أحد كبار مساعدي المرشد الأعلى
الإيراني آية الله علي خامنئي، والذي كان له دور محوري في تقارب إيران مع
السعودية، إلى عرقلة اندماج إيران في المنطقة.
في نهاية المطاف،
يعتمد مستقبل النظام في الشرق الأوسط على ما إذا كان القتال الدائر اليوم سيتعمق
أم سينحسر. فهل سنرى إسرائيل منتصرة تهزم إيران وتُعيد التوازن الإقليمي؟ أم ستصمد
الجمهورية الإسلامية بينما يواصل الخليج سعيه نحو التكامل؟
اظهار أخبار متعلقة
لكل مسار فوائد
ومخاطر واضحة تستلزم مستويات مختلفة من التدخل الأمريكي. من المؤكد أن حرمان إيران
من طموحاتها النووية سيحقق هدفا طويل الأمد للأمن القومي الأمريكي. ومع ذلك، فإن
التفكيك الكامل للقدرات النووية الإيرانية سيتطلب تدخلا أمريكيا كبيرا فيما قد
يصبح حربا جديدة لا تنتهي.
كما أن تغيير النظام
في إيران سيتطلب تدخلا كبيرا بنهاية غير مؤكدة. إن اختيار مسار دبلوماسي من شأنه
أن يجنّب الولايات المتحدة التورط العسكري ويخفف من حدة صراع يزعزع استقرار
المنطقة. قد يُبشّر ذلك بعهد جديد من الاستقرار والازدهار، لكنه يتطلب قبول اندماج
إيران في المنطقة. حتى مع نجاح المفاوضات، قد تبقى مسألة طموحات إيران النووية دون
حل، مما يزيد من مخاطر هذا الاندماج.
حتى الهجمات
الإسرائيلية الأخيرة، استطاعت واشنطن تجنب الاختيار النهائي بين أهداف حلفائها
المتضاربة. الآن، سيتعين عليها اتخاذ القرار.