سياسة دولية

رئيس مكافحة الإرهاب البريطاني الأسبق: حرب العراق صنعت المتطرفين في بلادنا

تصريحات باسو، الرجل الذي قاد جهود مكافحة الإرهاب لسنوات، تكشف عن حقيقة غالبًا ما تُهمّش في الخطاب الرسمي: أن الداخل البريطاني لا يمكن عزله عن سياسات الخارج.. فيسبوك
تصريحات باسو، الرجل الذي قاد جهود مكافحة الإرهاب لسنوات، تكشف عن حقيقة غالبًا ما تُهمّش في الخطاب الرسمي: أن الداخل البريطاني لا يمكن عزله عن سياسات الخارج.. فيسبوك
أطلق الرئيس الأسبق لوحدة مكافحة الإرهاب في شرطة العاصمة البريطانية، نيل باسو، تصريحات لافتة وغير معتادة لمسؤول أمني رفيع، أكد فيها أن السياسات الخارجية البريطانية، وعلى رأسها غزو العراق، كانت عاملاً رئيسيًا في دفع بعض المواطنين نحو التطرف والإرهاب.

وفي مقابلة مع صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، في الذكرى العشرين لتفجيرات 7 تموز/ يوليو 2005 الدامية التي هزّت لندن، قال باسو إن قرار المشاركة في غزو العراق عام 2003، تحت مزاعم امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل، أدى إلى "تطرف أُناسٍ ربما لم يكونوا ليصبحوا كذلك لولا تلك السياسات".

وأضاف: "القرار لم يُبرر الإرهاب، لكنه مهّد الطريق له، وساهم في صنع بيئة خصبة للتطرف".

وأكد باسو أن على الحكومات الاعتراف بأن السياسات الخارجية، كالموقف من حرب غزة اليوم، تنعكس بشكل مباشر على الأمن الداخلي، محذرًا من تجاهل ما وصفه بـ"الارتداد الأمني" (blowback) لتلك السياسات.

وقعت الهجمات الإرهابية في لندن بتاريخ 7 يوليو 2005، حين فجر أربعة انتحاريين أنفسهم في قطارات الأنفاق وحافلة عامة، ما أسفر عن مقتل 52 شخصًا وإصابة أكثر من 750.

الصدمة الكبرى جاءت حين تبيّن أن المنفذين مواطنون بريطانيون من مواليد البلاد، أحدهم كان يعمل مساعدًا تربويًا، وتدرّب سابقًا في باكستان.

وقال باسو إن منفذي التفجيرات تبنّوا خطابًا يرى أن "الغرب هو الشيطان، ونحن جنود الله"، وهي سردية مألوفة لدى جماعات مثل القاعدة.

واعتبر باسو أن الهجمات لم تُشعل فقط شرارة الإرهاب، بل دمّرت "مسار التسامح العرقي" الذي كانت تسلكه بريطانيا منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث أدى ذلك إلى تزايد الشكوك ضد المسلمين وتدهور العلاقات بين الأعراق.

وقال: "من أكثر ما كان مدمّرًا بالنسبة لي أن هذا الحادث أوقف تمامًا مسيرة التقدّم في التفاهم العرقي والاجتماعي... العلاقات العرقية اليوم ليست أفضل مما كانت عليه في السبعينيات".

وأضاف: أن الحركات اليمينية المتطرفة، مثل رابطة الدفاع الإنجليزية (EDL) وتومي روبنسون، نشأت كردّ فعل مباشر على أحداث 7/7 وما تلاها من خطاب عنصري ضد المسلمين والسود والآسيويين.

وشدّد باسو على أن التطرف لم يكن محصورًا في جهة واحدة، بل تغذّى من كلا الطرفين، الإسلامي واليميني المتطرف، وقال: "الطرفان يتغذّيان على بعضهما البعض. الإرهاب الإسلامي أطلق موجة تطرف يميني، وبدوره غذّى التطرف المضاد".

كما أشار إلى أن الشرطة البريطانية، بعد أحداث 7/7، وجّهت جهودها بشكل شبه كامل إلى محاربة الإرهاب، ما أدى إلى إهمال ملفات حساسة مثل التمييز العنصري داخل المؤسسة، والتي كانت محور تحقيقات بعد جريمة قتل الشاب الأسود ستيفن لورانس في التسعينات.

وفي موقف واضح، دعا باسو الحكومات إلى عدم تجاهل العلاقة بين السياسة الخارجية والتطرف، قائلاً: "لا أقول إن علينا تغيير سياستنا الخارجية استجابةً للتهديدات، لكن علينا أن نكون صادقين بأن بعض السياسات ستجعلنا أقل أمنًا، مثلما قد تجعلنا عرضة للهجمات ونحن نتسوق في المولات".

رغم مرور عقدين على الهجمات، يؤكد باسو أن خطر الإرهاب ما زال قائمًا، بل وربما أكثر تعقيدًا مما كان عليه عام 2005، حيث أصبح التهديد متعدّد المصادر: من تنظيمات إسلامية، إلى جماعات يمينية متطرفة، وصولًا إلى تهديدات من دول معادية كإيران وروسيا.

وأنهت الغارديان تثقريرها بالقول: "تصريحات باسو، الرجل الذي قاد جهود مكافحة الإرهاب لسنوات، تكشف عن حقيقة غالبًا ما تُهمّش في الخطاب الرسمي: أن الداخل البريطاني لا يمكن عزله عن سياسات الخارج، وأن تجاهل هذا الترابط لن يوقف "الارتداد العنيف"، بل سيعمّقه".

اظهار أخبار متعلقة


التعليقات (0)

خبر عاجل