قضايا وآراء

ترامب مجددا في الواجهة.. السلطة لا تكفي وحدها

خالد أوسو
"لا يكفي أن ترفع شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا"، بل عليك أولا أن تفهم أن هذه العظمة لم تكن في يد فرد، بل في شبكة معقدة من التوازنات"- جيتي
"لا يكفي أن ترفع شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا"، بل عليك أولا أن تفهم أن هذه العظمة لم تكن في يد فرد، بل في شبكة معقدة من التوازنات"- جيتي
مع اقتراب اجتماعات كبرى كقمة السبع وحلف الناتو، تتجدد الأسئلة حول دور الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب في المرحلة المقبلة. وبينما تحاول بعض العواصم الأوروبية تقليص حضوره الدولي، يبدو أن الرجل لا يزال يثير الجدل أكثر من أي وقت مضى.

الوعود على الورق.. والتنفيذ في مهب الريح

منذ بداية ولايته الثانية، أطلق ترامب وعودا عريضة تتعلق بالاقتصاد والسياسة الخارجية، لكن أغلب تلك الوعود بقيت حبيسة التصريحات. ملف الرسوم الجمركية شهد تقلبات أربكت حلفاءه، والتدخل في الملف الأوكراني لم يسفر سوى عن مزيد من الإحراج. أما تعهده بتسوية الملف الإيراني خلال أيام، فبقي حبرا على ورق، من دون تقدم ملموس أو خطة قابلة للتنفيذ.

جبهات الداخل: مؤسسات لا تنحني
الولايات المتحدة ليست دولة تعتمد على الحسم الفردي؛ نظامها السياسي مبني على موازين دقيقة بين السلطات، تمنع أي شخصية، مهما كانت شعبيتها أو حدتها، من تغيير المسار بمفردها

في الداخل، لم تكن الطريق أسهل. الجهاز القضائي واجه بصرامة محاولاته لتوسيع سلطاته، وبعض قراراته الإدارية أُبطلت أو جُمدت. كما أن سعيه لتفكيك البيروقراطية لم يحقق نتائج تذكر، إذ عادت بعض الأسماء التي أُقصيت سابقا إلى مواقعها بفعل آليات النظام ذاته الذي أراد ترامب تغييره.

تحالفات شخصية تنهار ومجتمع منقسم

حتى على صعيد العلاقات الشخصية، لم يصمد الكثير منها. خلافه مع شخصيات مثل إيلون ماسك أظهر هشاشة تحالفاته، إذ انهارت تفاهمات كانت تبدو قوية بسبب تباين الرؤى والمصالح. وفي الشارع الأمريكي، لا تزال قضايا الهجرة والأمن الاجتماعي تغذي الغضب والاضطراب، كما حدث في أحداث العنف الأخيرة في لوس أنجليس.

المؤسسة أقوى من الرئيس

الولايات المتحدة ليست دولة تعتمد على الحسم الفردي؛ نظامها السياسي مبني على موازين دقيقة بين السلطات، تمنع أي شخصية، مهما كانت شعبيتها أو حدتها، من تغيير المسار بمفردها. ولهذا، تبقى مقولة "ترامب يستطيع أن يفعل كل شيء" بعيدة عن الواقع.

ترامب كعرضٌ لأزمة أعمق

وجود ترامب في السلطة لا يمكن فهمه خارج سياق التحولات التي شهدها المجتمع الأمريكي في العقدين الماضيين: العولمة، والتغيرات الثقافية، وتصاعد التيارات المحافظة. هو لم يخلق هذا التوجه، بل مثّله، لكنه حين واجه النظام، لم تكن بيده الأدوات التي تسمح له بإعادة تشكيله.

الآلة السياسية الأمريكية لا تتوقف

تجربة ترامب كشفت عن هشاشة تحت السطح الأمريكي، لكنها لم تغير جوهر النظام. هذا النظام، بقوانينه وآلياته، صُمم ليقاوم التغيير المفاجئ. حتى أكثر الرؤساء اختلافا، يصبحون مع الوقت جزءا من المنظومة التي أرادوا تحديها.

الواقع ما بعد ترامب: هل هي نهاية أم بداية؟
قد يكون ترامب صاخبا، جريئا، مختلفا، لكنه ليس استثناء من قاعدة أمريكية عريقة: التغيير فيها بطيء، ويتطلب أكثر من خطاب وشعار

الذين يعتقدون أن تأثير ترامب قد انتهى؛ يتجاهلون أن جذوره لا تزال حية في المجتمع. فهو لا يمثل فقط شخصا مثيرا للجدل، بل شريحة كبيرة من الأمريكيين الذين يشعرون أن النظام الحالي لا يمثلهم. وهذا ما يجعل من ترامب، في نظر البعض، مجرد بداية لمرحلة جديدة، أكثر اضطرابا وربما أكثر تأثيرا.

أمريكا لا تتغير بسرعة

قد يكون ترامب صاخبا، جريئا، مختلفا، لكنه ليس استثناء من قاعدة أمريكية عريقة: التغيير فيها بطيء، ويتطلب أكثر من خطاب وشعار. لا يكفي أن ترفع شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا"، بل عليك أولا أن تفهم أن هذه العظمة لم تكن في يد فرد، بل في شبكة معقدة من التوازنات التي لا ترحم أحدا، حتى لو كان في أعلى الهرم.

أثر يتجاوز الفترة الرئاسية

ما يجعل ترامب حالة سياسية غير تقليدية هو أن حضوره لا يُقاس فقط بالقرارات التي وقّعها أو القوانين التي حاول تمريرها، بل بما أثاره من نقاشات وأعاد طرحه من أسئلة مؤجلة داخل المجتمع الأمريكي. لقد حوّل مشاعر الإحباط من المؤسسة التقليدية إلى مشروع سياسي قائم، حتى وإن فشل في ترجمته إلى إصلاحات ملموسة.
التعليقات (0)