نشرت مجلة التايم الأمريكية الشهيرة حوارا صحفيا مطولا مع الرئيس الأمريكي
دونالد
ترامب تناول موضوعات كثيرة؛ كان أبرزها هو الشرق الأوسط واتفاق وقف إطلاق
النار في غزة وخطة السلام التي أعلن عنها ترامب في قمة شرم الشيخ الأخيرة.
"نحن نغرق الرأي العام بالأخبار والتصريحات"
هذه السياسة التي أعلن عنها ستيف بانون مستشار ترامب السابق في كيفية
تعاملهم مع الإعلام والرأي العام في أمريكا؛ هي بالضبط ما التزم به ترامب في
مقابلته مع مجلة التايم. أغرق ترامب الرأي العام بكم هائل من التصريحات
والاعترافات والتهديدات؛ التي ربما يذهب بعدها به إلى قاعة المحكمة وقد يكلفه
البعض الآخر حياته.
البداية من العراق وخطأ جورج بوش الابن في غزوه وتدمير بلد عربي قوي كان
صمام الأمان في مواجهة الأطماع الإيرانية في التوسع وتهديد المنطقة، على حد وصف
ترامب، فالرئيس الأمريكي اعترف أن مصلحة أمريكا كانت في ترك الساحة للحرب
الإيرانية العراقية التي تهدأ لفترة ثم ما تلبث أن تعود مرة أخرى، ومن وجهة نظره
أن هذا الصدام المستمر كان لمصلحة أمريكا وإسرائيل ودول المنطقة بأسرها.
لم تتعود إسرائيل أن تتلقى هذه الضربات وهذه الانتقادات من رئيس أمريكي، وربما كانت المرة الأولى التي يهدد فيها رئيس أمريكي الاحتلال بهذه الطريقة ويستخدم معها خطابا عنيفا بهذا الشكل
ما جرى هو تدمير العراق والسماح لإيران بالتوحش وامتلاك ترسانة أسلحة شبه
نووية، وصناعة أذرع لها في دول المنطقة، وهو ما اعتبره ترامب الخطر الأكبر الذي
يهدد
إسرائيل كما يهدد دول الخليج العربي، ويمنع أي عملية سلام شامل في الشرق
الأوسط.
ترامب الذي يبدو أحيانا أنه لا يعرف ما يقول ويبدو في أحيان أخرى يدرك جيدا
قيمة كل حرف وكلمة تخرج من فمه، اعترف بتورطه في عملية تفجيرات البيجر الشهيرة
التي استهدفت بها إسرائيل مقاتلي حزب الله اللبناني، والتي قادت في نهاية الأمر
إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
اعتراف ترامب قد يذهب به إلى المحكمة وينهي حياته السياسية، فالرجل قال إن
إسرائيل نسقت معه عملية البيجر لأنها تحترمه وتحترم الولايات المتحدة الأمريكية،
ولكن الغريب أن ترامب لم يكن وقتها رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، فلماذا نسقت
معه إسرائيل عملية كهذه؟ وكيف لمواطن أمريكي أو مرشح رئاسي في هذا الوقت أن يتواصل
مع استخبارات دولة أجنبية ويطلع على أسرار عملية عسكرية ستجري على أراضي دولة أخرى؟
ولكن الحياة السياسية لترامب أو المعارك القضائية لا تمثل له مشكلة على
الإطلاق، فالرجل تعوّد أن يخوض معارك كهذه ويخرج منتصرا للدرجة التي جعلته يطالب
بتعويض مالي قيمته 230 مليون دولار من وزارة العدل الأمريكية لتحقيقيها معه في
قضايا سابقة.
المشكلة الأساسية والخطر الحقيقي الذي ربما يهدد حياة ترامب الشخصية وليست السياسية؛
هي تصريحاته ضد
نتنياهو وإسرائيل، والتي حملت مزيجا من التهديد والوعيد مع كثير من
الفضائح والتعرية لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، وتبني مواقف فُهم منها دعمه
للقضية الفلسطينية.
ترامب هدد إسرائيل علنا بوقف الدعم الأمريكي لها إذا ضمت الضفة الغربية، وكشف
لنتنياهو حقيقة إسرائيل أمام العالم بعد عامين من الإبادة الجماعية؛ لم تعد محبوبة
وسيحاربها العالم أجمع، أهان نتنياهو وأخبره أن قصف قطر كان خطأ تكتيكيا كاد
يكلفهم المنطقة بأسرها، ووضع إسرائيل في مكانتها الطبيعية عالميا بقوله ان إسرائيل
مكان صغير جدا أمام العالم الغاضب منها.
لم تتعود إسرائيل أن تتلقى هذه الضربات وهذه الانتقادات من رئيس أمريكي،
وربما كانت المرة الأولى التي يهدد فيها رئيس أمريكي الاحتلال بهذه الطريقة
ويستخدم معها خطابا عنيفا بهذا الشكل، وهو ما رفضته نخب إسرائيلية يمينية على
رأسها بن غفير الذي علق على خطاب ترامب قائلا إن إسرائيل دولة ذات سيادة.
في الشهرين الماضيين، عاشت إسرائيل أسوأ أيامها حرفيا داخل الولايات
المتحدة الأمريكية، والسبب اتهامات من مؤثرين محافظين مثل تاكر كارلسون وكانديس أوينس
ومارجوري تايلور جرين وميجان كيلي؛ لإسرائيل بأنها تورطت في اغتيال الناشط
الأمريكي تشارلي كيرك بعدما تجرأ وانتقد إسرائيل بشكل علني.
إما أن يعود ترامب لرشده وينفذ ما تريده إسرائيل ونتنياهو بشكل كامل، وإما أن يتعرض لضغوط هائلة وضربات متتالية
تشارلي كيرك تحدث علانية عن استهدافه من قبل إسرائيل، وقال إنه لا يحب
بنيامين نتنياهو، واشتكى أكثر من مرة من ضغوطات اللوبي الإسرائيلي ضده لاستضافته
أصواتا رافضة لما تفعله إسرائيل في قطاع غزة، والنتيجة تم اغتياله بطريقة وحشية
داخل جامعة يوتا في أيلول/ سبتمبر الماضي، وكان نتنياهو أول من نعاه على مواقع
التواصل الاجتماعي.
إسرائيل تعلم جيدا أنها فقدت كل دعم غربي حقيقي، وشعبيتها في انهيار داخل
الولايات المتحدة الأمريكية، فقد خسرت الأجيال الصغيرة في مواقع التواصل الاجتماعي،
ويرفض نواب الحزب الديمقراطي تمويلات أيباك، منظمة اللوبي الصهيوني الأشهر في
أمريكا، لكن كل هذا لا يمثل قطرة في الطوفان الذي أحدثه دونالد ترامب بتصريحاته
وتهديداته لإسرائيل بالأمس في مقابلة مجلة التايم الأمريكية.
إسرائيل تملك أوراق ضغط حقيقية ضد دونالد ترامب، أبرزها وأهمها ملفات جيفري
إبستين والتي تظهر وتخفت في وسائل الإعلام حسب الطلب، وربما تستخدمها إسرائيل عن
طريق أذرعها الإعلامية في الولايات المتحدة، وعلى رأسهم لاري إليسون، إمبراطور
الإعلام الجديد، للضغط على ترامب وتعديل مواقفه من إسرائيل.
إما أن يعود ترامب لرشده وينفذ ما تريده إسرائيل ونتنياهو بشكل كامل، وإما
أن يتعرض لضغوط هائلة وضربات متتالية بواسطة ملفات إبستين وغيرها، وإما أن تهدده
إسرائيل بمصير مثل مصير تشارلي كيرك، وعندها ربما تكون مقابلة مجلة التايم هي ما
كلفت ترامب حياته.