بعد خمسة وسبعين عاماً من التواطؤ مع نكبة
الشعب
الفلسطيني، وسنتين من الإبادة الجماعية في غزة، وأكثر من 32 عام على اتفاق
أوسلو للسلام مع الفلسطينيين، واتفاقية وادي عربة مع الأردن 1994، وقبل كل ذلك
اتفاق كامب ديفيد للسلام بين اسرائيل و مصر 1979، عقود طويلة مرت على وهم السلام
ونفي عربي وفلسطيني لطموحات صهيونية بالتوسع الاستعماري، و أصبح التحذير من خطورة
ما يجرى على الأرض، يأخذ شكلاً آخر، بعد
استبدال إسرائيل لمقولة الأرض مقابل السلام مع العرب، إلى سلام القوة وفرض الهيمنة
الإسرائيلية المطلقة على المنطقة.
على الرغم من تصدر، جرائم الإبادة الصهيونية
في غزة، واجهة الأحداث الفلسطينية والعربية، وتحظى باهتمام واسع لدى مختلف الأوساط
المحلية والإقليمية والدولية، إلا أن الصورة، تظل غير مكتملة لدى كثيرين، وخطط
احتلال القطاع الكامل وتنفيذ التطهير العرقي الذي يُحضر له، لم توقفه قرع أجراس
الخطر وإطلاق التحذيرات والمناشدات المختلفة، والآن مع اقتراب البدء باحتلال غزة
بالكامل، وظهور مؤشرات قوية لذلك، بالتوازي مع خطط عدوانية في الضفة، وتصعيد
العدوان على كل المستويات والجبهات، يصبح من "المفيد" التعرف أكثر فأكثر
على عقلية وسلوك المؤسسة الصهيونية بزعامة نتنياهو و ائتلافه الفاشي، من سيل
التصريحات الفصيحة المقرونة بسلوك فاشي على الأرض.
على الرغم من تصدر، جرائم الإبادة الصهيونية في غزة، واجهة الأحداث الفلسطينية والعربية، وتحظى باهتمام واسع لدى مختلف الأوساط المحلية والإقليمية والدولية، إلا أن الصورة، تظل غير مكتملة لدى كثيرين، وخطط احتلال القطاع الكامل وتنفيذ التطهير العرقي الذي يُحضر له، لم توقفه قرع أجراس الخطر وإطلاق التحذيرات والمناشدات المختلفة،
قبل أيام، قال وزير مالية الاحتلال بتسلئيل
سموتريتش، رداً على كرة ثلج نية الاعتراف الغربي بدولة فلسطين "لن نترك لكم
شيئاً تعترفون به"، وهو ما حصل على أرض الواقع في تكثيف البناء الاستيطاني
وإقرار مشروع "اي ون" الذي يعزل القدس الشرقية ومدن شمال الضفة
ويحاصرها كلياً بالمستعمرات ويهجر بعضها، مع مشاريع وإجراءات استيطانية لها نفس
المسعى، ثم أطلق نتنياهو جملته الصريحة عن حلمه بإسرائيل الكبرى التي تخترق
الجغرافيا والتاريخ العربيين.
بخلاف الكلام العربي والفلسطيني والدولي،
الرافض للخطط والنوايا الاستعمارية الصهيونية، التي تتجاوز حدود فلسطين التاريخية،
هناك شيء ملموس متعلق بمصير الأرض الفلسطينية عموماً، وبتثبيت للأمر الواقع
الاستعماري التهويدي الذي يحول دون قيام دولة فلسطينية لها تواصل جغرافي
وديمغرافي، بالإضافة لتوسيع رقعة العدوان الإسرائيلي الذي يشمل دول عربية، ومن العبث الحديث عن نوايا وسياسات صهيونية على
الأرض الفلسطينية، وحلمها بإسرائيل الكبرى، دون ربط كل ذلك مع ما أنجز في غزة من
جرائم إبادة جماعية، تمهيداً للتطهير العرقي، من جهة أخرى، يبدو أن انعكاسات غطرسة
القوة الصهيونية في غزة والمنطقة العربية، لن تقتصر على ما يخطط له العقل الصهيوني
في تحقيق جريمة الإبادة، والنظر باستعلاء استعماري لبقية العرب شعوب وأنظمة.
اختلاف شكل العدوان على غزة، بصور الإبادة
الجماعية المباشرة، وعلو المطالب الصهيونية لتوسيعها، وفرضها على عموم الأرض
الفلسطينية، ناجم بالدرجة الأولى من نقطة ردة فعل ميتة عربية وفلسطينية، و من دعم
أمريكي مطلق، ونفاق غربي، سمح للمحتل بأن يسرح ويمرح لا بأرض فلسطين، بل في أجواء
وأرضٍ عربية أيضاً، ومنحت للصهيوني مقومات حقيقية بأن يعبر عن أحلامه في إسرائيل
الكبرى المصطدم مع مقاومة الشعب الفلسطيني لهذا المشروع، ولكل الأحلام والأساطير
الصهيونية، فالمشهد الراهن منذ 22 شهراً من إبادة وجرائم، وخلافه، من غطرسة وتغول صهيوني،
وضعَ كل السياسة العربية والفلسطينية في وضع المعلق في الفراغ، فهي غير قادرة حتى
على الرد المناسب على العدوان وأطماعه الاستعمارية على أرضها، ولا هي كما كانت
عليه من تماسك ظاهري معني بدعم الحقوق الفلسطينية واستعدادها لتنفيذ عقوبات وحصار
على المحتل، ولا هي ما يجب أن تكون عليه أسوةً بأنظمة وشعوب غير عربية باتت
مواقفها في سجل التاريخ المعاصر أكثر نصاعة في تسجيل مواقف سياسية وأخلاقية شجاعة
ضد الاحتلال والعدوان.
في هذا السياق، يجيء الموقف الصهيوني الحازم
بالعدوان والدمار، بعد تثبيت إسرائيل رؤية اليوم الأخير لمصير الأرض الفلسطينية
وحقوق الشعب الفلسطيني، وبعد التخلي العربي الرسمي عن نجدة غزة، ومنع استمرار
جرائم الإبادة الجماعية هناك بعجز مفضوح،
يمكن اعتبار تحقيق الاندفاعة الصهيونية بحلم نتنياهو و بن غفير وسموتريتش وغيرهم
من عتاة الفاشية " انتصاراً" حقيقياً، وتأكيداً جديداً على أن الاستفراد
الصهيوني بغزة، مع الشيطنة العربية والغربية لمقاومة الشعب الفلسطيني لمحتله، ستكون
على حساب تحقيق أحلام صهيونية في "إسرائيل الكبرى" من خلال مظاهر القوة
والسحق والإبادة لشعبٍ قهقر السردية الصهيونية وفكك زيفها.
صخب المذابح في غزة، و ضجيج العربدة
والعدوان الإسرائيلي في المنطقة، يهدف بحسب منظري الإبادة الصهيونية ، تحقيق جملة
انتصارات في غزة والضفة، وعلى عموم المنطقة العربية، هذه مؤشرات بدأت منذ قرن
الصراع مع المشروع الصهيوني، و في مقاومة شعب فلسطين لإبادته، مظهرها اليوم يقول
أن الشعب الفلسطيني أكثر أصالة ولن يتخلى عن ميراثه، لن يتخلى عن أهدافه التي ضحى
من أجلها مئات الآلاف من الشهداء والأسرى والمعتقلين لتقرير مصيره ودحر الاحتلال،
وتفكيك بنيته الاستعمارية، مهما كانت شراسة المؤامرة وأدواتها، فهذا قدر من يقارع
ويقاوم احتلال استعماري استيطاني إحلالي، قدر لم تستطع إسرائيل بكل قدراتها إلغاءه
أو نفيه من ذاكرة ووعي شعب فلسطين، وشعوب عربية، رغم محاولة تأطير صورة إسرائيل
عند أنظمة عربية في تعميم هزيمة ذاتية أمامها، سيبقى حفظ الأمل وإدامة العمل بشتى
الوسائل والأساليب حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من دحر الاحتلال وانتزاع حريته، وهو
أمل وعمل بدد أحلام صهيونية قديمة، بصمود ومقاومة شعب فوق أرضه، ويطالب عالم عربي
باشتقاق برامج وخطط محددة تدعمه فعلاً، وتقول لسموتريتش ونتانياهو لن تتحقق
أحلامكم الاستعمارية وعليكم دفع الثمن، فتبديد الأحلام الصهيونية ليست مسؤولية
فلسطينية فقط، هي عربية إن أحسن البعض الإنصات والنظر والتفكير.