"عليك الانتقال للعيش في بلدة صغيرة
حيث ما زال القانون سائدا. لن تنجو هنا، لست ذئبا، لقد باتت هذه أرضَ ذئابٍ الآن".
هذه المقولة هي جزء من المشهد الأخيرة لفيلم "سيكاريو"
(2015)، على لسان الممثل الرائع بينيسيو ديل تورو.
ما نشهده اليوم في تلك البقعة من العالم، أي في الشرق
الأوسط، أو بالأحرى في الوطن العربي، يجعلنا ندرك بمجرد النظر إلى الخريطة الممتدة
من الخليج إلى المحيط أننا نعيش في بؤر صراعاتٍ ممتدة لا تهدأ ولا تستقر.
ومن الواضح أن من يطالبون بالهدوء والاستقرار، وكذلك
بالحرية والديمقراطية والتغيير السلمي والتحول السياسي عبر آليات مستقرة ومعروفة،
لا يُراد لهم أن يكون لهم صوتٌ يُرفع أو يُسمع. أصحاب السلطة يريدون اشتعال
الأزمات لتكون مبررا لوجودهم ولحروبهم وملء السجون، وإيصال رسالة إلى الشعوب
مفادها: "إن رحلنا، ستنهار الدنيا". وما نراه في اليمن وسوريا وليبيا
يؤكد تلك السردية التي يروّجون لها.
الذين يرفضون التغيير هم أصحاب الامتيازات والأطماع، طبقة
أرستقراطية متمثلة في المال والقضاء والعسكر والإعلام وأصحاب النفوذ الإداري في
الدولة. تلك الفئة تسعى للحفاظ على مكتسباتها وتوريثها لأبنائها، كما فعل نظام
حافظ الأسد مع ابنه بشار، حتى انتشرت عدوى التوريث فشهدناها في ليبيا ومصر، من
خلال سيف الإسلام القذافي وجمال مبارك، والآن مع أبناء السيسي. بمعنى أن يولد
أطفالهم وفي أفواههم ملاعق من ذهب، لا من صفيح أو خشب.
ومن يطالب بالتغيير يُتهم بالخيانة والعمالة وارتباطه
بقوى الشر والإمبريالية، لأن قوانين اللعبة في أيديهم. فمن هو العدو إذا من وجهة
نظرهم؟ أهم أمريكا والصهاينة؟ أم من يطالبون بالتغيير السلمي؟
حماس.. والمعادلة الصعبة
هل انتهت الحرب على 
غزة حقا؟
لقد أرغمت حماس إسرائيل على الجلوس نِدّا لندٍّ، وكلمة
بكلمة. لكن، هل حققت حماس نتائج ملموسة منذ 7 أكتوبر؟ وما تلاه. ربما ما تأمله
حماس شيء، وما يجري على الأرض شيء آخر، تلك هي السياسة.
الأيام القادمة ستكشف الكثير، لكن المؤكد هو أن حماس
تحولت إلى رقم صعب في
المعادلة،
رفضت أن يُقتصر دورها على تقديم المساعدات للفقراء، أو الشجب والإدانة، ورمي العدو
بالحجارة، وهو الدور الذي قد يرغب البعض في حصرها فيه. لقد تحولت حماس إلى فاعل رئيسي في الصراع، لكي تحافظ على
وجودها في منطقة تطحنها الصراعات.
السودان.. ساحة صراعٍ جديدة
ما إن هدأت الحرب قليلا في غزة حتى سمعنا عن دخول مليشيا
الدعم السريع بقيادة حميدتي، والمدعومة من 
الإمارات، إلى أراضٍ جديدة في العمق
السوداني، خاصة في منطقة الفاشر.
الجيش السوداني منهك، فقد خاض حربا استنزافية مع قوات
الدعم السريع. فالجيوش أُعِدّت لقتال الجيوش، لا لحروب الشوارع والقتال من مدينة
إلى أخرى.
أما الجارة 
مصر، فهي تدعم السلطة هناك على استحياء من
الإمارات. نعلم أنها لو تدخلت ميدانيا فستغير المعادلة كما حدث في ليبيا، حين
تقدمت قوات حفتر نحو طرابلس، فتدخلت تركيا بطلب من الحكومة الشرعية، وقلبت
الموازين.
اقتربت القوات التركية من سرت، فخرج السيسي قائلا إن
"سرت خط أحمر"، لكنه لن يكرر ذلك في السودان، رغم أن السودان هو العمق
الحقيقي والامتداد الطبيعي للأرض المصرية وبوابة نهر النيل.
أما المال الخليجي، الممثل في الإمارات، فهو حاضرٌ
بقوة هناك، فيما يغيب الدور العربي المتمثل في الجامعة العربية تماما، والدور المصري
حاضر على استحياء.
البدائل الإقليمية
لا مفر أمام الخرطوم سوى اللجوء إلى الشراكات
الإقليمية. فقد وقّع السودان وتركيا اتفاقات للتعاون العسكري والأمني خلال زيارة
الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الخرطوم عام 2017، ومنح السودان جزيرة سواكن على البحر
الأحمر لتركيا.
وفي عام 2023، عاد التعاون العسكري بين السودان
وإيران، حيث زُوّدت الخرطوم بطائرات مسيّرة من طراز مهاجر-6. كما دخلت باكستان على
الخط مؤخرا.
الدور العربي غائب، والسودان يعلم ذلك، لذا يتجه نحو
تحالفاتٍ إقليمية جديدة مع تركيا وإيران وربما باكستان أيضا.
أما الغرب والولايات المتحدة، فلا يريدان للعرب أن
ينهضوا، والإمارات تقوم بالدور المطلوب من دون أن تخسر أمريكا سنتا واحدا.
الإمارات.. اللاعب الخفي في الفوضى
الدور الإماراتي في الصراعات والانحيازات لا يُبشّر
بخير. فقد اختارت الدور الأقذر في تغذية الفوضى العربية: دعمت حفتر في ليبيا ضد
الحكومة الشرعية، وحميدتي ضد الجيش في السودان، والسيسي ضد التجربة الديمقراطية في
مصر، وقيس سعيّد في تونس، ومحمد دحلان في فلسطين من قبل ذلك. أما في اليمن فحدّث
ولا حرج. لكن عندما ينتهي دورها، ستكون النهاية حتمية: "كِش ملك"، وستدفع
الثمن، كما قيل: "أُكِلتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيض".