رغم استمرار سريان وقف إطلاق النار واستئناف دخول المساعدات إلى
غزة، وتمكُّن العديد من النازحين الفلسطينيين من العودة إلى القطاع، إلا أن هناك حالة من عدم اليقين بشأن موعد السماح لوسائل الإعلام الدولية بالدخول إلى القطاع لتغطية الظروف المعيشية للسكان هناك، فمنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، منعت
الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين الأجانب من دخول القطاع المدمر، ولم تسمح إلا لعدد قليل من الصحفيين بإجراء زيارات خاضعة لرقابة مشددة من جانب قواتها.
في الأسبوع الماضي، طلبت المحكمة العليا الإسرائيلية مهلة 30 يومًا للرد على التماس تقدمت به منظمة تمثل وسائل الإعلام الدولية في فلسطين، للسماح للصحفيين بالوصول المستقل إلى غزة. وتقول سارة القضاة، المديرة الإقليمية للجنة حماية الصحفيين في الشرق الأوسط، إنه لا يزال من غير المعروف متى سيتم السماح لوسائل الإعلام الدولية بتغطية الأحداث من المنطقة.
صحفيو غزة.. مصدر رئيس لإعلام العالم
تعتمد وسائل الإعلام بشكل رئيسي على تقارير الصحفيين الفلسطينيين المقيمين في غزة والذين يعملون لدى كبرى وكالات الأنباء، وتدعم هذه التقارير أرقام وصور ولقطات جوية لوزارة الصحة في القطاع، كما تستند لشهادات من كوادر طبية وإنسانية عاملة في المدينة للتعرف على ما حدث ويحدث في غزة، فيما قام صحافيون من وسائل إعلام دولية بتغطية الأحداث من الحدود خارج غزة، حيث يمكن رؤية وسماع الكثير من القصف على القطاع.
وقالت سارة القضاة لصحيفة "وول ستريت جورنال": إنه "بينما لا نعرف متى سيتمكن الصحفيون من دخول قطاع غزة في ظل ظروف مستقلة تمامًا، فإن لجنة حماية الصحفيين أوضحت موقفها ومخاوفها بوضوح تام"، ووصفت اللجنة الحظر المفروض على وصول وسائل الإعلام إلى غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بأنه "حظر شامل".
اظهار أخبار متعلقة
وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قدمت لجنة حماية الصحفيين مذكرةً لدعم رابطة الصحافة الأجنبية بشأن الالتماس المرفوع إلى المحكمة العليا في "إسرائيل". قال القضاة إنه على الرغم من التقارير التي تشير إلى أن مسؤولين إسرائيليين عقدوا مناقشة رفيعة المستوى بشأن إمكانية إنهاء القيود على دخول الصحفيين إلى غزة، إلا أنه لم يكن هناك إعلان رسمي عن ذلك أو جدول زمني واضح.
وتُشدّد لجنة حماية الصحفيين على ضرورة أن يكون أي وصول فوريًا ومستقلًا وغير مُقيّد، وليس مجرد جولات برفقة عسكريين أو تغطية مُراقَبة للغاية، وأضافت: "إنّ الوصول المحدود والمُوجّه لا يُلبّي معايير الصحافة المُستقلة".
"بدون حماية"
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يُقدَّر عدد الصحفيين الذين استشهدوا في غزة بـ256 صحفيًا، الغالبية العظمى منهم فلسطينيون بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، وتحدث الصحفيون الناجون الذين يواصلون إرسال التقارير من القطاع في السابق عن جوعهم ومرضهم بسبب نقص الطعام والمياه النظيفة.
قالت منظمات حقوقية كالعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إن العدد غير المسبوق من الصحفيين الذين قتلوا في هذه الحرب "يمثل علامة فارقة مقلقة للغاية في تاريخ حرية الصحافة"، وأضافت أن أحد أكثر الأمور إثارة للقلق هو "التطبيع الواضح" لاستهداف الصحفيين، وهي ممارسة لا تنتهك القانون الإنساني الدولي فحسب، بل تشكل أيضًا سابقة خطيرة للغاية على مستوى العالم، مؤكدة أنه عندما يتم
استهداف الصحفيين عمدًا وقتلهم دون أي عواقب، فإن ذلك يرسل رسالة مخيفة مفادها أن "أولئك الذين يوثقون الحروب أو الظلم أو الأزمات الإنسانية لم يعودوا محميين، حتى ولو اسميًا، بالمعايير الدولية."، وأوضحت أن تغطية الوضع المتدهور في غزة ليست مهمة من أجل المساءلة فحسب، بل إنها ضرورية لبناء خطاب عالمي مستنير.
"إسرائيل" بانتظار تسونامي جديد
منظمة "
أنتي
وور" الأمريكية، المهتمة بالشؤون العسكرية، نقلت تقريرا عن موقع "
واي
نت" الإخباري العبري، ورد فيه اعترافات لمسؤولين إسرائيليين بأن دولة
الاحتلال قد لا تتمكن من فعل الكثير لتحسين صورتها العامة مع قرب دخول الصحفيين
الدوليين إلى غزة، واطلاعهم العالم على حقائق ما جرى من حرب إبادة، وقال أحد
المسؤولين: "للأسف، لا أرى استعدادًا حقيقيًا، لقد نشرت وسائل الإعلام
الدولية بالفعل صورًا للدمار وأرقامًا لعدد القتلى التي أصدرتها وزارة الصحة
التابعة لحماس، ولكن بعد دخول الصحفيين فأنهم سيروا القصص المأساوية من غزة بأصوات
ووجوه سكانها أنفسهم".
ونقل الموقع
العبري عن المسؤولين قولهم: "ليس بوسعنا فعل الكثير لمواجهة ما سيظهره الصحفيون
للعالم، كان بإمكاننا خلال الحرب أن نقول أعيدوا الرهائن وسننهي الحرب"،
مؤكدين أن "إسرائيل" بانتظار الهزة الارتدادية المشابهة لـ"تسونامي"
بعد عودة الرهائن.
صحفيون
تداولوا تصريحات سابقة للمتحدث باسم حكومة الاحتلال الإسرائيلية ديفيد مينسر، أكدوا عدم صحة
مزاعمه بشأن السماح للصحفيين في دخول غزة، مشيرين إلى أن ما يصورونه يخضع للرقابة
وكثيرًا ما تقتطع لقطات يرفض جيش الاحتلال بثها.
الكاميرا سوف تكشف الحقيقة
تعليقا على منع الاحتلال دخول الصحفيين الدوليين إلى غزة، قال المرصد
الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن وقف إطلاق النار ربما كان لإيقاف سقوط القنابل،
ولكن حرب إسرائيل على الحقيقة لا تزال مستعرة، من خلال إبعاد الصحفيين الدوليين عن
غزة، حيث يعمل الاحتلال على محو الأدلة وإسكات كل صوت يمكن أن يكشفها، وتضيف
المنظمة الحقوقية بالقول: "لهذا السبب تمنع إسرائيل الصحفيين الأجانب من دخول
غزة أو تصويرها من الجو، لأن الكاميرا سوف تكشف الحقيقة وتظهر حجم الدمار الهائل".
بدورها، وكالة الأونروا أكدت أن حجم الدمار في غزة لا يمكن قياسه، حيث هناك أكثر من 61 مليون طن
من الحطام يغطي القطاع الآن، المنازل والمدارس والمستشفيات تحولت إلى ركام، وسط
ظروف لا يمكن العيش فيها، يستمر الناس في التحرك بحثا عن الأمان والكرامة.
وفي وقت سابق،
نشر الاحتلال فيديو يظهر استخدام نوع جديد من الصواريخ لهدم ما تبقى من المنازل
شرقي غزة، حيث تظهر فيه سحابة الفطر الشهيرة التي تتشكل خلال انفجار القنابل
النووية المصغرة
"الإفلات من العقاب"
من جهتها، خاطبت الرئيسة
التنفيذية للجنة حماية الصحفيين، جودي جينسبيرج دولة الاحتلال قائلة: "إذا تمكنتم من الإفلات من العقاب
بقتل الصحفيين بهدف السيطرة على الرواية، وتعلمون أنه لن تكون هناك عواقب - لا
محليًا ولا دوليًا - فستواصلون فعل ذلك، وهذا ما شجّع، وسيشجّع، الحكومات في كل
مكان على مواصلة استهداف حامل الرسالة".
جيريمي بوين
من شبكة "بي بي سي"، أكد قائلا: "الإسرائيليون لا يريدوننا أن نصور من خارج النافذة الدمار في غزة،
الأبنية في شمال المدينة سويت مع الأرض، لم يتبق شيء، لن تسمح إسرائيل للصحفيين،
مثلي، بدخول القطاع لتغطية القصة وهم لا يريدوننا أن نراها".
في آب/أغسطس الماضي، قام كبير مراسلي شبكة "سي أن أن" ماثيو
تشانس، بتصوير حجم الدمار الهائل الذي لطالما حاولت إسرائيل إخفاءه، حيث كان على
متن طائرة شحن تابعة للجيش الأردني خلال إسقاط المساعدات فوق القطاع، وعلى إثر
ذلك، منع الاحتلال عمليات الإنزال الجوي إلا بشرط عدم تصوير أي مشاهد من غزة.
بدوره، أكد النائب عن الحزب
الديمقراطي كريستوفر فان هولن، أنه منذ بداية الحرب في غزة، منع نتنياهو جميع الصحافيين
الأجانب تقريبا من دخول القطاع ونقل الحقيقة حول الوضع على الأرض، داعيا إلى ضرورة إنهاء هذا الأمر الآن وفورا.
منع تسريب فضائح الاحتلال
بعد فضيحة تسريب المستشارة القانونية العليا لجيش الاحتلال لمقطع مصور يوثق اعتداء خمسة جنود احتياط إسرائيليين بحق أسير فلسطيني والتسبب بإصابات خطيرة له، من ضمنها كسر أضلاع المعتقل وثقب رئته اليسرى وتمزيق المستقيم باستخدام "أداة حادة"، صادق الكنيست، على مشروع قانون البث الذي يمنح الحكومة نفوذا أكبر على قطاع الإعلام، حيث يتضمن المشروع إلزام مُزوّدي المحتوى المُسجّلين بصياغة ونشر المدونات وفقًا للمبادئ التي يحددها القانون.
تعتيم على "دمار لا يستوعبه عقل"
أكدت الأمم المتحدة أن الدمار في غزة لا يستوعبه عقل، مشيرة إلى أن ما بين الحطام والأنقاض، تطل رفات بشرية مختلطة بالكتل الأسمنتية والسيارات المدمرة ومتعلقات دفنت تحت الركام، علاوة على ذخائر غير منفجرة، أما مكتب الإعلام الحكومي في غزة، فقال إن الدمار طال أكثر من 90 بالمئة من البنية التحتية المدنية و300 ألف وحدة سكنية، بينما أشار رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أمجد الشوا، إلى أن 1.5 مليون من سكان القطاع فقدوا منازلهم.
"المهمة الأصعب في تاريخ الحروب الحديثة"
وصفت صحيفة الغارديان عمليات انتشال الضحايا في غزة بأنها الأصعب في تاريخ الحروب الحديثة، مشيرًا إلى أن فرق الدفاع المدني تعمل بأدوات يدوية بسيطة وسط أطنان من الركام ودمار واسع، في ظل منع إدخال المعدات الثقيلة وصعوبات كبيرة في انتشال الجثث والتعرف على أصحابها.
اظهار أخبار متعلقة
وكشفت تقرير الصحيفة البريطانية في تقرير موسع أن الفلسطينيين بدأوا الحفر بين 61 مليون طن من الأنقاض، أي ما يعادل عشرين ضعفًا لمجموع الركام الناتج عن جميع الحروب منذ عام 2008، مشيرًا إلى أن ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص يُعتقد أنهم ما زالوا مدفونين تحت الردم، وأوضح التقرير، أن العائلات الفلسطينية تبحث بيأس عن جثث أقاربها المفقودين.
جبال الركام وخطر الموت المتجدد
ولوصف حجم الدمار، جاكو سيلييرز، الممثل الخاص لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للمساعدة في الأراضي الفلسطينية، أوضح قائلا: "لو بنيت جدارًا بارتفاع 12 مترًا حول سنترال بارك في نيويورك وملأته بالركام، فذلك يعادل كمية الأنقاض التي يجب إزالتها في غزة"، ووفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن إزالة الركام بالكامل ستستغرق سبع سنوات باستخدام 105 شاحنات تعمل يوميًا، في وقت تضررت فيه 77 في المئة من شبكة الطرق في القطاع.
وبدعم أميركي، ارتكبت دولة الاحتلال منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ولسنتين إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 68 ألف شهيد وما يزيد عن 170 ألف جريح، ومجاعة أزهقت أرواح 460 فلسطينيا بينهم 154 طفلا، وألحقت دمارا طال 90 بالمئة من البنى التحتية في القطاع بخسائر أولية تقدر بنحو 70 مليار دولار.