طب وصحة

هل يوجد اختلاف في تكوين الدماغ بين النساء والرجال؟.. بحث علمي يُجيب

قالت مجلة نيوزويك الأمريكية إن كبر حجم دماغ الرجل بالنسبة لدماغ المرأة لا يعني بالضرورة أنه أكثر ذكاء منها-CC0
قالت مجلة نيوزويك الأمريكية إن كبر حجم دماغ الرجل بالنسبة لدماغ المرأة لا يعني بالضرورة أنه أكثر ذكاء منها-CC0
يعد الدماغ عضوا أساسيا  في جمجمة الإنسان، يؤمّن جميع الوظائف الحيوية، فهو يتحكم في جميع أعضاء جسم الإنسان والوظائف الحركية والمعرفية، إضافة إلى الإنتاج الهرموني، وإذا كانت علوم الأعصاب قد أحرزت تقدمًا في مسألة ما إذا كان هناك فرق بين دماغ الرجل ودماغ المرأة، فإن الأفكار والصور النمطية السائدة عند معظم الناس لا تزال قائمة.

وعلى مدى عقود، أكدت الأبحاث وجود تباينات بين الجنسين في بنية الدماغ ووظائفه، إضافة إلى تفاوت الاستعداد للإصابة باضطرابات نفسية، لكنّ السؤال الذي لطالما كان مطروحًا، هو حول مدى ارتباط هذه الفوارق بالعوامل الوراثية مقابل البيئية.

اظهار أخبار متعلقة


في عام 2017، أظهرت مقارنة بين عينات دماغية لمئات الرجال والنساء بعد الوفاة أن نحو ثلث الجينات البشرية يُعبّر عنها بدرجات مختلفة بين الجنسين في أنسجة متعددة، وبرزت الاختلافات بشكل أكبر في الأعضاء التناسلية، لكنها وُجدت أيضًا في العضلات والدماغ، وفي دراسة أمريكية جينية حديثة نشرها موقع "bioRxiv"، تبيّن وجود 610 جينات أكثر نشاطًا في أدمغة الذكور، مقابل 316 لدى الإناث.

دور الكروموسومات
الدراسة العلمية التي شارك في إعدادها باحثون في المعهد الوطني للشيخوخة والمعهد الوطني للصحة العقلية، وهم كل من "أليكس آر ديكاسيان، بافان أولوك، سيوان ليو، ستيفانو آر مارينكو، مارك كوكسون، أرمين رازناهان"، أوضحت أنه في وقت تعزى بعض الاختلافات إلى الكروموسومات الجنسية (XY لدى الذكور وXX لدى الإناث)، فإن المفاجئ هو أن 90 بالمئة من الجينات تقع على الكروموسومات المشتركة بين الجنسين، ويُعتقد أن الهرمونات الجنسية مثل التستوستيرون والإستروجين تتحكم في نشاط هذه الجينات.

وتتكوّن هذه الفوارق في مراحل مبكرة من النمو الجنيني، قبل تكوّن الخصيتين أو المبيضين، ففي دراسة نُشرت عام 2025 على 266 جنينًا، وُجد أن أكثر من 1800 جين كان أكثر نشاطًا لدى الذكور، مقابل 1300 لدى الإناث، وهي أنماط تتقاطع مع ما يُرصد في أدمغة البالغين، ما يرجّح أن الكروموسومات نفسها تلعب دورًا مباشرًا، إلى جانب تأثير الهرمونات.

من الأكثر عرضة للإصابة بالزهايمر؟
ورغم أن اختلاف نشاط الجينات لا يعني بالضرورة اختلافًا وظيفيًا في الدماغ، فإن العلماء يرجّحون أن لهذا التنوع انعكاسات على الأداء العصبي، وتميل الجينات الأكثر نشاطًا لدى الإناث إلى الارتباط بالعمليات العصبية، بينما ترتبط الجينات الأكثر نشاطًا لدى الذكور بخصائص تركيبية في الخلايا العصبية، لكنّ هذا لا يعني بالضرورة إنتاج بروتينات مختلفة، إذ تمتلك الخلايا آليات للتعويض والحفاظ على التوازن.

ويتركز الاهتمام الأكبر حاليًا على العلاقة بين هذه الاختلافات والقابلية للإصابة بالأمراض العصبية، فالكثير من الجينات المرتبطة بمرض ألزهايمر أكثر نشاطًا لدى الإناث، ما قد يفسر ارتفاع معدلات الإصابة بين النساء، في حين تُظهر دراسات على القوارض أن الجين SRY الموجود فقط لدى الذكور قد يضاعف شدة مرض باركنسون.

الأدمغة تعمل بشكل مختلف
وفي دراسة علمية أعدّتها البروفيسورة جيني غريفز من "جامعة لا تروب"، جاء فيها أن مئات الجينات في الدماغ البشري تعمل بطريقة مختلفة بين الذكور والإناث، ما يعزز فكرة أن الاختلافات الجينية، وليس فقط الهرمونية أو البيئية، تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل السلوك والوظائف العصبية.


وأوضحت الدراسة التي نُشرت عبر موقع "theconversation" العلمي، أن الفوارق الجينية في الدماغ تظهر منذ المراحل الأولى لتطور الجنين، وحتى قبل تكوّن الأعضاء التناسلية أو إفراز الهرمونات الجنسية.

هل تعمل الأدمغة فعلاً بطريقة مختلفة؟
وفي السياق، قالت غريفز إنه من المبكر الجزم بأن هذه الفروق الجينية تعني اختلافًا في الذكاء أو التفكير أو القدرات الإدراكية بين الجنسين، لكنها تؤكد أن الفروق في التعبير الجيني بهذا الحجم لا بد أن تنعكس على بعض الوظائف العصبية، كما أوضحت أن الجينات الأكثر نشاطًا في أدمغة الإناث ترتبط بعمليات الاتصال العصبي والتواصل بين الخلايا العصبية، في حين أن الجينات النشطة في أدمغة الذكور ترتبط أكثر بالبُنى الغشائية والنوى الخلوية، ما يشير إلى اختلافات وظيفية دقيقة بين الجنسين في التنظيم البنيوي للدماغ.


تأثيرات أعمق مما نعتقد
إلى ذلك، اشار الباحثون إلى أن هذه النتائج تؤكد أن الاختلافات بين الجنسين في الدماغ ليست سطحية ولا مكتسبة بالكامل، بل تمتد إلى مستوى الجينات والعمليات الخلوية. ومع ذلك، يضيفون أن اختلاف النشاط الجيني لا يعني بالضرورة اختلافًا في الناتج النهائي، لأن الخلايا قد تُوازن الاختلافات عبر آليات تعويضية للحفاظ على استقرار البروتينات والوظائف العصبية، وخلصت غريفز إلى أن التمييز البيولوجي بين أدمغة الذكور والإناث هو ظاهرة تطورية عالمية تشمل جميع الفقاريات تقريبًا، وأن فهم هذه الفوارق سيساعد في تطوير علاجات أكثر دقة للأمراض العصبية ذات التوزيع الجنسي المختلف.

بماذا تختلف أدمغة النساء عن الرجال؟
خلصت دراسة طويلة الأمد أجرتها كلية ستانفورد للطب، استخدمت بيانات تصوير الدماغ لأكثر من 1000 رجل وامرأة تتراوح أعمارهم بين 20 و35 عاماً، إلى أن أنماط نشاط الدماغ التي تحدث في رأس المرأة تختلف اختلافاً جذرياً عن تلك التي تحدث في مخ الرجل، بحسب ما نقلته صحيفة "تلغراف" البريطانية.

اظهار أخبار متعلقة


ويقول لاري كاهيل أستاذ علم الأعصاب والسلوك في جامعة كاليفورنيا، الذي يدرس هذا الأمر منذ ربع قرن، إن هناك اختلافات هيكلية رئيسية في بنية أدمغة الرجال والنساء، وهو الأمر الذي يفسر أسباب اختلاف سلوكياتهم، وفيما يلي 6 من أعمق الاختلافات بين أدمغة الرجال والنساء، وفقاً لكاهيل:

النساء قد يتمتعن بذاكرة أفضل
الذاكرة البشرية نظام معقَّد، ولكن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن ذاكرة النساء قد تعمل بكفاءة أكبر من الرجال، وينبع هذا من سبب غير مألوف؛ فوفقاً لدراسات عديدة، فإن دماغ الرجل أكبر بنسبة 10 في المائة وأثقل وزناً بنحو 100 غرام، حتى عند مراعاة الاختلافات في حجم الجسم.

ويقول البروفسور كاهيل إنه على الرغم من أن هذا لا يرتبط بأي اختلافات في الذكاء بين الجنسين، فإنه يُعتقد أنه يسهم في اختلاف بنية الدماغ، مما يُسهم في اختلاف إدراك الرجال والنساء للعالم بشكل كبير، ويضيف: "مع ازدياد حجم الأدمغة، تميل إلى تكوين روابطها بشكل مختلف، على سبيل المثال، في حين أن أدمغة النساء أصغر حجماً، فإن الحُصين لديهن، وهو منطقة الدماغ المسؤولة عن التعلُّم والحفظ يكون أكبر نسبياً من دماغ الرجل ويعمل بشكل مختلف، وهذا قد يكون السبب وراء قدرة النساء عموماً على الوصول إلى ذكرياتهن أسرع من الرجال، وتحديد تاريخها بدقة أكبر".

النساء أكثر حبا للإيثار
على مدار عدة سنوات، استخدم فريق من الاقتصاديين الإسبان تجربة نفسية شائعة كطريقة بسيطة لقياس ما إذا كان الرجال أم النساء أكثر ميلاً للإيثار، واستندت دراستهم إلى اختبار نفسي بسيط يُسمى "لعبة الديكتاتور"، ابتكره خبراء الاقتصاد السلوكي في تسعينات القرن الماضي، وهو يحلل كيفية استجابة الناس بعد تلقي هبة مالية غير متوقعة؛ فعند تسليم 10 يوروات، لأكثر من 1000 رجل وامرأة، تم سؤالهم عن المبلغ الذي سيتبرعون به من هذه الهدية لشخص مجهول.

ووفقاً لمارينا بافان، الخبيرة الاقتصادية في جامعة جاومي، كان الخيار الأكثر شيوعاً بين المشاركين الذكور هو عدم التبرُّع بأي شيء على الإطلاق، بينما أظهرت النساء كرماً أكبر بكثير، حيث تبرعن بما يقرب من 5 يوروات، أي نصف قيمة الهدية، وكشفت أبحاث أخرى عن نتائج مماثلة وقدمت تفسيرات محتملة لهذا الأمر، ففي عام 2017، أجرى علماء أعصاب سويسريون تجربة قاموا فيها بتصوير أدمغة عدد من الرجال والنساء أثناء اتخاذهم قرارات بشأن مشاركة مكافأة مالية صغيرة مع آخرين، سواء كانوا من أعز أصدقائهم أو أشخاص غرباء في الشارع.

وأشارت النتائج إلى أن النساء لسن أكثر سخاءً من الرجال فحسب، بل إن أدمغتهن تستجيب بشكل أكثر إيجابية لسلوكيات المشاركة. أما بالنسبة للرجال، فعلى النقيض، إذ تكافئهم أدمغتهم أكثر على اتخاذ خيارات أنانية، كما كشفت دراسات استقصائية أخرى إلى أن النساء أكثر ميلاً للتبرع للأعمال الخيرية وبمبالغ أكبر، وأكثر ميلاً للتطوع بوقتهن لقضايا مختلفة.

النساء أكثر تعاطفاً مع الآخرين
وفقاً لدراسة نُشرت من جامعة كمبردج، وحللت هياكل أدمغة أكثر من 500 طفل حديث الولادة، باستخدام أحدث تقنيات التصوير، فإن النساء يُولدنَ بكمية أكبر من المادة الرمادية في الدماغ، المسؤولة عن معالجة العواطف والتحكم فيها.

كما توضح يمناه خان، الباحثة في جامعة كمبردج التي قادت الدراسة، فإن هناك أيضاً أدلة على أن النساء المراهقات والبالغات يمتلكن كمية أكبر نسبياً من المادة الرمادية في أدمغتهن مقارنة بالرجال، وتقول: "أفادت عديد من الأبحاث بوجود كمية أكبر نسبياً من المادة الرمادية لدى الإناث مقارنة بالرجال، عبر مراحل نمو مختلفة".

الرجال أفضل في قيادة السيارة
في المتوسِّط، يميل الرجال إلى تحقيق نتائج أعلى من النساء فيما يُسمى بمهام الوعي المكاني، التي تتطلب إدراك مواقع الأشياء، وكيفية التنقل من مكان إلى آخر وتفادي الاصطدام بالأشياء، ويتطلب ركن السيارة وعياً مكانياً، وكذلك قراءة الخرائط، ورياضات، مثل كرة القدم والجمباز وكرة السلة والهوكي، وبالطبع، تتمتع عديد من النساء بوعي مكاني ممتاز، مثل لاعبات الجمباز المحترفات، ولكن يبدو أن الرجال يميلون إلى أن يكونوا أفضل قليلاً في هذه المهام.

ولمحت دراسة كمبردج، المذكورة، إلى أن السبب في ذلك قد يرجع لفكرة امتلاك المولود الذكر العادي جزءاً أكبر من المادة البيضاء في الدماغ، وهي المسارات العصبية التي تشكل شبكة بين مناطق الدماغ، والتي غالباً ما تُسمى «الطريق السريع» للدماغ، ويُعتقد أنها مهمة للوعي المكاني والتنسيق البدني.

النساء أكثر عرضة للبكاء
تميل النساء إلى التعامل مع التجارب العاطفية بشكل أعمق من الرجال، خصوصاً خلال النصف الثاني من دورتهن الشهرية، ويرتبط هذا باختلافات في كيفية تنشيط كل من الجنسين للوزة الدماغية، التي تُعدّ بمثابة المركز العاطفي للدماغ، وأظهرت إحدى أشهر تجارب البروفسور كاهيل، التي نُشرت عام 2000، أنه بعد مشاهدة فيلم مؤلم، يُنشّط الرجال اللوزة الدماغية اليمنى لتذكر المشاهد المؤثرة، بينما تفعل النساء ذلك باللوزة الدماغية اليسرى.

اظهار أخبار متعلقة


ويُعدّ هذا فرقاً بالغ الأهمية؛ حيث إن اللوزة الدماغية اليسرى أكثر حساسية للتقلبات الهرمونية خلال الدورة الشهرية، ويقول كاهيل: "عندما تكون النساء في مرحلة ارتفاع الهرمونات بالنصف الثاني من دورتهن، يكون لديهن احتمال أكبر لتذكر تفاصيل الأحداث المثيرة عاطفياً، مقارنة بالرجال".

وهذا يعني أنه خلال هذا النصف من الشهر تستطيع النساء تذكُّر الذكريات العاطفية بسرعة وكثافة، فيما يتساءل باحثون مثل البروفسور كاهيل الآن عما إذا كان هذا يُسهم في زيادة احتمالية إصابة النساء بالاكتئاب السريري أو اضطراب ما بعد الصدمة خلال حياتهن بمقدار الضعف مقارنة بالرجال.
الرجال أقل عرضة للإصابة بالخرف
التعليقات (0)