حول العالم

الدببة القطبية بين التكيف وخطر الزوال مع تسارع تغير المناخ

دراسة حديثة تؤكد أن مادة دهنية في جلد الدب القطبي تمنع تجمد فرائه- جيتي
دراسة حديثة تؤكد أن مادة دهنية في جلد الدب القطبي تمنع تجمد فرائه- جيتي
شارك الخبر
تتكيف الدببة القطبية على نحو استثنائي مع موطنها شديد البرودة في القطب الشمالي، إذ تمتلك فروًا أبيض كثيفًا، وجلدا سميكا مملوءا بالدهون، ومخالب حادة، وقدرة على الجري بسرعة تصل إلى 40 كيلومترا في الساعة.

وكشف باحثون أخيرا عن ميزة إضافية غير مرئية للوهلة الأولى، تتمثل في عدم التصاق الجليد بفرائها، وهي خاصية لطالما لاحظها من تابع أفلام الحياة البرية، قبل أن يجري تفسيرها علميا.

ويعد الدب القطبي أكبر أنواع الدببة في العالم وأضخم مفترس في القطب الشمالي. ورغم سيطرته على مساحات شاسعة من الجليد البحري، فإنه يواجه تهديدا وجوديا متزايدا بفعل ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد الناتج عن تغير المناخ.

بنية جسدية مصممة للبقاء
يعتمد الدب القطبي، الذي يعيش في واحدة من أقسى البيئات على كوكب الأرض، على طبقة كثيفة من الفراء العازل تتخللها طبقة دهنية سميكة وطبقة مقاومة للماء، تعزل جسمه عن الهواء والمياه شديدة البرودة.

وينمو الفراء أيضا أسفل أقدامه ليحميها من الأسطح الجليدية، بينما يوفر لون الفراء الأبيض تمويها فعالا وسط الثلوج والجليد، وتحت هذا المعطف، يمتلك الدب القطبي جلدا أسود يساعده على امتصاص أشعة الشمس وزيادة الدفء.

اظهار أخبار متعلقة



وتكفل هذه التكيفات للدب القطبي قدرات سباحة عالية، إذ يستخدم مخالبه الأمامية الكبيرة في التجديف بسرعة تصل إلى 9 كيلومترات في الساعة، ويقضي معظم حياته في المحيط أو على الجليد البحري المحيط به.

سلوك يومي ونمط حياة
تبلغ الدببة القطبية ذروة نشاطها في الثلث الأول من اليوم، بينما ينخفض نشاطها في الثلث الأخير. وفي فصل الربيع، تقضي الإناث نحو 20 بالمئة من وقتها في صيد الفقمات برفقة صغارها، في حين تقضي الذكور قرابة 25 بالمئة من وقتها في الصيد.

أما بقية الوقت، فتقضيه الدببة في النوم، وقد تصل نسبة نومها إلى 87 بالمئة في فترات شح الجليد ونقص الغذاء، حفاظا على مخزون الطاقة والدهون.

وبوجه عام، يخصص الدب القطبي نحو نصف وقته للبحث عن الطعام، معتمدا أساسا على الفقمات الغنية بالدهون، ويتردد على مناطق الجليد المتشقق بحثا عن فريسة. كما تشكل جثث الحيوانات النافقة، خاصة الحيتان والرنة، مصدرا غذائيا مهما في ظل غياب الأعداء الطبيعيين.

الغذاء والطاقة
بسبب صعوبة الحصول على الطعام طوال العام، يحتفظ الدب القطبي بمعظم احتياطاته السنوية من الدهون بين أواخر أبريل ومنتصف يوليو، لمواجهة مواسم العجز الغذائي التي قد تمتد من ثلاثة إلى أربعة أشهر، أو أكثر في مناطق مثل خليج هدسون بكندا، ومع ارتفاع حرارة القطب الشمالي، يتأخر تشكل الجليد البحري، ما يطيل فترة انتظار الدببة لبدء الصيد من جديد.

ويصل طول الدب القطبي البالغ إلى أكثر من 2.5 متر، ويزن نحو 680 كيلوغراما، ما يجعله أكبر الحيوانات اللاحمة على اليابسة. وتستوعب معدته ما بين 15 و20 بالمئة من وزن جسمه، ويمتص نحو 84 بالمئة من البروتين و97 بالمئة من الدهون التي يستهلكها. ويحتاج إلى قرابة كيلوغرامين من الدهون يوميا، فيما توفر فقمة حلقية واحدة تزن 55 كيلوغراما طاقة تكفيه لنحو ثمانية أيام.

التكاثر ودورة الحياة
تلد إناث الدببة القطبية صغارها في أوكار ثلجية خلال شهري نوفمبر أو ديسمبر، حيث تحمى الأشبال من الظروف القاسية.

ويبلغ طول الشبل عند الولادة نحو 30 سنتيمترا ووزنه نصف كيلوغرام. وتمكث الصغار في الأوكار أربعة إلى خمسة أشهر، ثم ترافق الأم لمدة عامين تتعلم خلالها مهارات البقاء، وتتمتع الدببة القطبية بحاسة شم استثنائية، تمكنها من رصد الفرائس من مسافة تصل إلى 16 كيلومترا.

خطر الانقراض وتراجع الجليد
رغم غياب الأعداء الطبيعيين، تواجه الدببة القطبية خطر الانقراض بسبب اعتمادها شبه الكامل على الجليد البحري للسفر والصيد والتكاثر والراحة، ونتيجة فقدان موائلها الجليدية بفعل تغير المناخ، أدرجت الولايات المتحدة الدب القطبي ضمن الأنواع المهددة بالانقراض في مايو 2008.

ووفقا لدراسة نشرتها دورية "Nature Climate Change"، قد ينقرض نحو 25 ألف دب قطبي بحلول نهاية القرن الحالي إذا استمر تقلص الجليد البحري، حيث تواجه 19 مجموعة سكانية فرعية، من بحر بوفورت قرب ألاسكا إلى القطب السيبيري، خطر الزوال بسبب اضطرارها إلى البقاء على اليابسة بعيدا عن مصادر الغذاء لفترات أطول.

ويقدر عدد الدببة القطبية في أرخبيل سفالبارد النرويجي ومنطقة بحر بارنتس بنحو 3000 دب، وتعد الفترة بين مايو وسبتمبر الأنسب لمشاهدتها، مع ذوبان الجليد بما يسمح بحركة السفن وتوفر ضوء النهار الطويل.

حقائق علميةأظهرت دراسة نشرتها مجلة "ساينس أدفانس" أن مادة دهنية تفرزها غدد جلد الدببة القطبية تمنع تجمد الفراء في درجات الحرارة تحت الصفر، ما يعزز قدرتها على البقاء في الطقس القاسي.

اظهار أخبار متعلقة



وتشير الأبحاث إلى أن القطب الشمالي يسجل ارتفاعا في درجات الحرارة بمعدل أسرع بمرتين من بقية مناطق العالم، ما يجعل الدب القطبي رمزا بارزا لتحديات التغير المناخي، ويعرف علميا باسم "Ursus maritimus"، ويعد عنصرا أساسيا في النظام البيئي القطبي الهش.

انتشار وتراجع الأعداد
بحسب تقاريرعلمية، تنتشر الدببة القطبية عبر 19 مجموعة فرعية في القطب الشمالي، ويصل وزن الذكور إلى نحو 680 كيلوغراما مقابل 363 كيلوغراما للإناث، ويؤدي تقلص الغطاء الجليدي بنسبة تقارب 14 بالمئة كل عقد إلى تقليص مواسم الصيد وتقليل فرص الوصول إلى الغذاء، ما ينعكس سلبا على الصحة والتكاثر.

وبين عامي 2011 و2021، فقد القطب الشمالي نحو 1.2 مليون كيلومتر مربع من الجليد مقارنة بمتوسط الفترة بين 1981 و2010. وتشير التقديرات إلى أن عدد الدببة القطبية عالميا يتراوح بين 22 ألفا و31 ألفا، مع احتمال انخفاضه بأكثر من 30 بالمئة خلال العقود الأربعة المقبلة.

تهديدات إضافية وجهود حماية
إلى جانب تغير المناخ، تواجه الدببة القطبية مخاطر أخرى تشمل التلوث البيئي، واستكشاف الموارد الأحفورية، والانسكابات النفطية، وتدمير الموائل، والصيد الجائر أحيانا، وأرست اتفاقية الدب القطبي لعام 1973 أسس التعاون الدولي لحمايتها، مع تركيز الجهود الحالية على خفض الانبعاثات وتنظيم النشاط البشري في القطب الشمالي.

اظهار أخبار متعلقة



وتشير دراسة حديثة على موقع "ScienceAlert"، إلى أن الدببة القطبية قد تكون بصدد تطوير تغيرات تطورية تساعدها على التكيف مع بيئات أكثر دفئا، ودرس باحثون بيانات جينية وسلوكية لآلاف الدببة، ولاحظوا اختلافات حديثة في مناطق مرتبطة بالأيض ووظائف الجلد واستقلاب الدهون.

كما رصد العلماء تغيرات سلوكية غذائية لدى بعض الدببة في المناطق الساحلية، شملت البحث عن مصادر غذاء غير تقليدية مثل الطحالب أو بقايا طعام بشري، وهي سلوكيات غير مألوفة تاريخيا.

ورغم هذه المؤشرات، يحذر الباحثون من أن وتيرة التغير المناخي أسرع من قدرة الأنواع على التكيف، مؤكدين أن بقاء الدببة القطبية على المدى الطويل يظل مرهونا بتراجع الانبعاثات العالمية وحماية موائلها الطبيعية.
التعليقات (0)

خبر عاجل