ميزة الآدمية التوسع الذهني
إن الله خلق آدم وميّزه بمنظومته العقلية الجبارة التي لها القدرة على قمع
أي شذوذ في الغرائز أو طلب للجاجات إن امتلكت الفهم والحس بأن هذا خارج المعهود،
فالعقلية طاغية وليست حيادية مع النفسية والاثنان يشكلان شخصية
الإنسان، وخلق الإنسان
الذي امتدحه القرآن في رسول الله هو طبيعة الإنسان الممثلة لغلبة العقلانية على
الغرائز التي تبدو كرد فعل، وهذه مدمرة للعيش المشترك وغالبا هي سبب تدمير أرقى
رفقة في رحلة الحياة وهي الأسرة أو عقد الزواج، لهذا كان نصح رسول الله أن من
يتقدم لكم للنسب وهو ذو خلق طيب وحسن ترضوه فزوجوه، لأنه لن يؤذي أهله برد الفعل
الانفعالي وقبوله يعد أساس للبناء السليم ولا يحبط فيكون فاسدا، وذو الرجاحة إن
فسد مؤذ للمجتمع.
فالمعلومة ليست كل شيء وإنما فهم المعلومة ومعالجتها وتحويلها إلى شيء عملي
هي من سمات المنظومة العقلية الآدمية، فلو عالج أبونا آدم المعلومة لكان ذا عزم أي
ذا تفكير وقرار صائب بينما هو قرر بعيدا عن المعلومة وإنما بدافع غريزة حب التملك والبقاء،
حيث تهذب الأنا فيضعف الغرور والكبر وغيرها.
التغيير سنة كونية
ليس من لحظة زمنية تمر على الإنسان وتعاد، لكن ما يعاد هو النظام وماهية
النظام التكرار لليل والنهار والحساب لوقت يمضي، كذلك التغيير سمة للإنسان الذي
يفكر، ينتقل من
فكرة إلى فكرة ومن حالة إلى حالة لا يبقى لديه مستقرا إلا الغايات،
والغايات متغيرة وفق قيمة أكبر هي الحياة التي لا ترخص إلا أمام القيم والعقيدة،
وتلك إن فقدها يصبح فاقدا للكينونة فلا قيمة حقيقية للاستمرار.. أولئك الشهداء
ويسمون في جهة أخرى المضحون وهم مناضلون من أجل قيمة يموتون في طريق نصرتها.
لم يعد الموت الخيار الوحيد أمام نجاح المناضل أو المجاهد، بل الجهد لنصرة
العقائد عبر وسائل التواصل الحديثة ويمكن أن تتبناها دول كما تبنت الساتلايت والذي
هو جزء من وسائل الانتشار والدعوة إلى الفكرة.
الإنسان وخطوات التغيير:
نلاحظ انتقال الناس من فكر إلى فكر أو من عقيدة إلى عقيدة أو من منهج إلى
منهج، وفي مقالات سابقة ذكرنا العوامل المؤثرة على الإنسان، بيئة الطفولة، ثم بيئة
المدارس، وبيئته الاجتماعية المحيطة، وتأثير سياسة الدول، وفاعلية أفكاره نفسها في
تولد الاعتقاد الجازم بصحة التوجه، وقابلية الإنسان على التجديد والتحديث أو حتى الإبداع
في ربط الواقع وإدارته مع فكره، فترى بدايته في تفكير الأسرة ويتبنى معتقداتها، ثم
يتحرك الشك في المدارس والمحيط، وتأثره بعدالة المجتمع والدولة، فينتقل فكره لتبني
الجديد؛ ليس لصحة الجديد وإنما لقناعته بعجز القديم.
وهنا قد ينتقل من نفق مسدود إلى
نفق مسدود، وغالبا نصرة الفكرة بتجاهل أو إعتام فهم المجتمع هي سدادات الطرق التي
يسير بها الإنسان الذي يريد أن يحقق شيئا، فإما أن يبدع أو يدور بلا حل في الأفكار
المتاحة كما فعل أبو حامد الغزالي فلم ينهج جديدا وإنما انتقل بين الأفكار في
عصره، لكن في القرن العشرين ظهرت محاولات تجديد إلا أنها لم تتخلص من التراث وما
نقل من إخفاقات فكرية وسلوكية واختلاط التفاسير بين الفقهاء والفلسفة اليونانية،
لهذا نجد استخدام لمصطلحات ومفاهيم فلسفية لا تشابه الخطاب القرآني، مثلا القلب
القرآني هو موضع التفكير والصدر هو الرأس، بينما القلب التشريحي في الجوف ولا
علاقة له بالتفكير والعواطف فالمنظومة العقلية هي في الرأس، لكن القلب الجوفي
المفكر هو في الفلسفات القديمة والدماغ مجرد حشوة عند البعض ونواقل عصبية، والفؤاد
هو أيضا في القلب المضخة. وهذا كله ليس صحيحا فالقلب يستعاض عنه بمضخة بلاستيك،
والفؤاد مركز الحس وهو في الرأس، ومساحة واسعة جدا للتفكير وإنشاء الاحتمالات
والمسارات، هذه إن كانت عاملة عند الإنسان يتطور ويتسع فكره وينتج الجديد ونرى
خيارات إضافية وليست تقليدية، فتحول الإنسان إلى فكر بلا تخطيط تقوده العاطفة يضعه
في ورطة فقدان التحكم في المصير، وانتقاله إلى شيء موجود فاشل سيزيد في الطين بلله.
وهذا الأغلب في مجتمعنا لأنه يعتمد القوالب الجاهزة من نخبته تجعل المجتمع مختبر
تجارب لأفكار تبقى رواسبها وصراعاتها حتى بعد رفضها من المجتمع، كما يعتمد
الاستنباط والتقليد في الدين فيكون الشباب المندفع وقودا لفشل هذه التنظيمات حتى
لو صدقت، ناهيك عن تلاعب ذوي المصالح بها.
ما الذي نحتاجه:
أن نبتعد عن الأوهام ومثالية نقلت لنا عن الماضي وشخصياته بحيث أصبح الماضي
بأشخاصه واجتهادهم مقدسون وهم الدين والثقافة والدولة، وهذا ليس صحيحا، وأن نفكر
في واقعنا نستقرئ أحواله ومشاكله ونستنبط له حلولا نعرضها للناس إن وافقوا نضعه
كتجربة لشعب، فليس إسلام السابقين حلا كما إن نقل تجارب الشعوب الأخرى حلا، فكلها
قوالب، والأصح أن نركز على أهلية المجتمع وأفراده وسيصل المجتمع إلى خيارات الصواب
وعقلية فاعلة، ولأننا نفكر بطريق متخلفة فإننا لا نقبل التحول أو نفهمه ويعذر
المجتمع لأن الواقع يشير إلى حالة متجذرة من النفاق والقدرة على الانقلاب أكثر
إجادة من الحرباء، وهم نفس الناس الذين كانوا سببا لقهر الشعوب لا يلبثون إلا أن
تعود لقهرهم ويحبط الناس أو يعودون للثورة، وهذا كله تأخير في الاستقرار والرفاهية
وما هو مطلوب لضبط العقلية والنفسية أو الشخصية التي تمثل
ثقافة مجتمع متقدم ناضج
نافع يشارك في المدنية كمنتج وليس كمستخدم أو مستهلك فقط.