سياسة دولية

مخططات كوشنر العقارية وصلت إلى ألبانيا فهل تحقق "ريفييرا ترامب" في غزة؟

اعتبر كوشنر أن غزة تمثل "أرضا عقارية ثمينة على البحر ويمكن أن تكون مركزا للسياحة"- جيتي
يجرى تطبيق حلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإنشاء "ريفييرا في غزة"، خلال الوقت الحالي في ألبانيا، وذلك من خلال مستشاره المقرب السابق وصهره جاريد كوشنر، والسيطرة على الجزيرة الوحيدة التابعة للبلاد الواقعة جنوب شرق أوروبا.

ووصف تقرير لصحيفة "ديلي تلغراف" هذه الجزيرة بأن "طيور مرزة المستنقعات تحلق عبر مرج من العشب البني، وتنطلق طيور فلامنغو أو النحام مثل الأسهم الوردية فوق بحيرة ياقوتية، على مدى البصر، وعن بعد، يطلق ابن آوى الذهبي عواء، وتمتلئ هذه الزاوية الهادئة من ألبانيا بالحياة البرية، وتشعر كأنها عالم بعيد عن الدمار المروع الذي حل بقطاع غزة، ومع ذلك هناك خيط يربط بينهما".

وأضاف التقرير أن دونالد ترامب تعرض لإدانة واسعة النطاق هذا الأسبوع، عندما زعم أنه سيعيد تطوير قطاع غزة المليء بالأنقاض ليصبح "ريفييرا الشرق الأوسط" البراقة، وأن غزة سيقدمها الإسرائيليون إلى أمريكا بعد تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر ومناطق أخرى. 

وذكر أنه سيتم تحويل المنطقة إلى "واحدة من أعظم مشاريع التطوير الباهرة من نوعها على وجه البسيطة"، بينما علق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان جالسا إلى جنب الرئيس قائلا: "هذه أحسن فكرة سمعتها". 

وأكد التقرير أن المقترح كان غريبا، مع أن واحدا من أفراد دائرته المقربة طرحه من قبل، فقد تحدث جاريد كوشنر، مستشاره السابق وصهره المتزوج من ابنة ترامب، إيفانكا، الفكرة أمام جمهور في جامعة هارفارد في فبراير/ شباط 2024، قائلا إن غزة تمثل "أرضا عقارية ثمينة على البحر، ويمكن أن تكون مركزا للسياحة".

وأضاف: "مع أن هذه الخطط تبدو مستحيلة على بعد مئات الأميال من قطاع غزة الذي مزقته الحرب، إلا أنه (كوشنر) يحقق نجاحا في رؤيته العقارية، وقد حصل على موافقة مبدئية لبناء مجمع سياحي ضخم على مساحة من الأرض البكر على البحر قرب مدينة فلوري الألبانية، وفي الوقت الحالي تعتبر المنطقة خليطا ساحرا من غابات الصنوبر والبحيرات والشواطئ الرملية والأراضي الحرجية والمنحدرات، خالية من الطرق الإسفلتية".

وأوضح أن "طيور الكروان تعشش في الكثبان الرملية، وتجوب طيور البجع والعقاب السماء، وترعى قطعان صغيرة من الماشية الهزيلة على سفوح التلال، وهناك قطيع من الأغنام يحرسه قطيع من الكلاب الشرسة، لكن هذه المناظر ستتغير بشكل كامل، إذ تظهر الرسوم التوضيحية الفنية أن المشروع الذي تبلغ تكلفته 1.4 مليار يورو (1.45 مليار دولار) سيحول المنطقة إلى فنادق مستقبلية وفيلات أنيقة وحمامات سباحة وأرصفة لليخوت وطرق. 

وأضاف التقرير أن "هذا ليس كل شيء يروج آل كوشنر لمشروع تطوير ثان على جزيرة على بعد أميال قليلة من الشاطئ، فقد كانت جزيرة سازان الوحيدة قبالة ساحل ألبانيا، قاعدة غواصات سوفييتية خلال الحرب الباردة، وسيتم تطويرها وتحويلها ببناء شقق حديثة من الخشب والزجاج تطل على البحر".

وكشف التقرير أن مشاريع كوشنر حصلت على دعم حماسي من رئيس وزراء ألبانيا إيدي راما، الذي يحكم البلاد منذ أكثر من عقد، قائلا: "نريد رفاهية كما تريد الصحراء المياه". 

وفي الشهر الماضي، منحت حكومته الضوء الأخضر للتطوير على جزيرة سازان، التي كانت لعقود من الزمان موقعا عسكريا معزولا محظورا، بينما أعلنت الحكومة أن مشروع آل كوشنر هو "استثمار استراتيجي"، وأصدرت أمرا رئاسيا في كانون الأول/ ديسمبر بإزالة الجزيرة من قائمة الأصول العسكرية الوطنية، ما مهد الطريق لمنح ترخيص التطوير، كما عدلت الحكومة قانونا لتسهيل بناء المقاولين في العقارات الراقية وبمناطق كانت محظورة في السابق. 

ويشعر العديد من الألبان بالفزع إزاء احتمال تطوير الجزيرة والساحل القريب، قائلين إن هذا يشير إلى أن الحكومة الألبانية تمنح عائلة كوشنر معاملة خاصة كوسيلة للتقرب من ترامب.

ويرى المدافعون عن البيئة أن الساحل البحري هو جزء لا يتجزأ من دلتا نهر فوسي، ويعتبر من آخر المناطق البرية التي لم تقم عليه السدود، ويمتد من جبال بيندوس في اليونان إلى البحر الأدرياتيكي. 

ويقول خبير الطيور وحماية والحفاظ على المناخ الطبيعي في ألبانيا، جونب فوربسي: "من المفترض أن تكون هذه المنطقة فضاء محميا، لكن الحكومة فتحتها بدلا من ذلك للبناء.. ويقوم مشروع كوشنر على بناء 10,000 غرفة في فندق وفلل، والتي تعني ما بين 20,000- 30,000 سائح.. هم يقومون من ناحية عملية بإنشاء مدينة جديدة، وبدلا من أن تكون واحة طبيعية ستتحول إلى منطقة حضرية أخرى". 

وأضاف فوربسي: "تقول الحكومة إنها ستتخذ الإجراءات من أجل تخفيف الضرر على البيئة، لكننا نتحدث عن تحول، فسيتم تقليص كل النظام البيئي". 

ويخشى خبراء البيئة من أن تؤدي أضواء الفندق والشوارع إلى تعطل تكاثر السلاحف البحرية. وقد يؤدي هذا التعطيل إلى هجرة بعض أنواع الطيور، البالغ عددها 240، والتي تم تسجيلها في المنطقة، والتي تتراوح من الطيور ذات الأجنحة السوداء إلى طيور أبو ملعقة والبوم الصغير. 

وسجل خبراء المحميات الطبيعية ما يصل إلى 5,500 من طيور الفلامنغو في المنطقة، فيما يعتقد أنها أكبر تجمع سكاني للطيور من هذا النوع في البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب 130 طائر بجع دالماسي.

وقالت أنيت سبانغبورغ، رئيسة قسم الحفاظ على البيئة في منظمة "يوروناتور" الألمانية للحفاظ على البيئة: "إنها واحدة من آخر الدلتا الطبيعية، إن لم تكن الأخيرة، في البحر الأبيض المتوسط بأكمله، ويجب أن تكون تحت الحماية الكاملة"، و"سوف تتغير تماما بسبب بناء جميع الفنادق والمنتجعات والبنية الأساسية. ومن الصعب الحفاظ على سلامة البيئة بهذا الحجم من التنمية". و"هذا هو البداية فقط، ويبدو أن الحكومة تهدف لتطوير الساحل كله في جنوب ألبانيا". 

 وكجزء من الاستراتيجية، يجري العمل على بناء مطار دولي في موقع مهبط طائرات عسكري سابق إلى الشمال من فلوري. وقد تم تشييد هيكل المطار، وتعمل الجرافات على وضع الحصى لأساسات المدرج، الذي يبلغ طوله ميلين، والذي سيكون قادرا على استقبال الطائرات طويلة المدى. 

وبحلول الوقت الذي يتم فيه افتتاحه، سيتعامل مع ما يصل إلى 750,000 سائحا سنويا، وتعلق سبانغبورغ على ذلك قائلة: "بالنسبة لكوشنر، فإن هذا المطار هو حلم. سيتمكن الناس من السفر جوا مباشرة من أمريكا". ومن المرجح أن يحفز المطار المزيد من التنمية السياحية. وهذا يعني مطالب ضخمة على إمدادات المياه. وتريد السلطات استخراج المياه من نهر شوشيتش، أحد روافد نهر فيوسي البري. ويقول ليونارد سونتن، عالم الأحياء ومدير المشروع في "يوروناتور" "إنه أحد أجمل الأنهار التي صادفتها على الإطلاق. ووضعته كشاشة على هاتفي، إنه حافل بالأسماك. ولكن خططهم لتحويل المياه من المنطقة تعني أنها سوف تجف في الصيف". 

وينفي كوشنر وداعموه الادعاءات بأن مشاريعهم ستكون مدمرة للبيئة. وقال لصحيفة "واشنطن بوست" إن المشاريع ستكون "مستدامة للغاية" وأنها "ستحترم جميع المتطلبات البيئية". وأكد أشر أبهيسرا، الرئيس التنفيذي لشركة العقارات التابعة لكوشنر، "أفينيتي جلوبال ديفيلوبمنت"، على أن المشاريع سوف "تعزز" المنطقة.

 ورغم المعارضة هناك من يدعم المشروع، وتعيش ناتاشا كوتا، 68 عاما، في زفيرنيك، وهي قرية قريبة من موقع التطوير الساحلي. وهي لا تهتم كثيرا بالأعمدة والسقالات الخشبية، فهي تريد فقط جني بعض المال من خلال بيع الأراضي التي تمتلكها عائلتها إلى عائلة كوشنر. 

وقالت: "إذا أرادوا بناء منتجع كبير، فليأتوا. لا توجد وظائف هنا. لقد ذهب جميع الشباب إلى اليونان أو أمريكا. تعيش ابنتي في نيويورك. نأمل فقط في الحصول على سعر جيد لممتلكاتنا".

وأكدت ميلبو سوباشي، 72 عاما، إن أطفالها الثلاثة البالغين يعيشون ويعملون في اليونان، قائلة: "طالما نحصل على بعض المال، فنحن سعداء بالمنتجع. لدينا أرض غير مستخدمة لذا فنحن مستعدون لبيعها. اعتدنا على زراعتها ولكن لا أحد من الشباب هنا يريد العمل في الزراعة".

 ويأمل إرمال دريدا، عمدة مدينة فلوري القريبة، التي تقع على بعد أميال قليلة من الساحل، أن تجلب التطورات الوظائف والثروة التي تشتد الحاجة إليها إلى المنطقة. وقال مؤخرا: "نريدها أن تكون وجهة سياحية رائدة، شيئا فريدا، ولكن أيضا مستداما".

 ويعتقد بن أندوني، المحلل السياسي الألباني، أن قرار الحكومة بمنح وضع الاستثمار الاستراتيجي لمشروع كوشنر بعد شهرين فقط من إعادة انتخاب دونالد ترامب كان محاولة لكسب ود الإدارة القادمة. وهو يعتقد أن الموافقة على التطورات السياحية خطأ فادح، وليس فقط من وجهة نظر بيئية. وأضاف أن "جزيرة سازان مهمة استراتيجيا للغاية بالنسبة لألبانيا. لعقود من الزمان كانت قاعدة عسكرية. وفي عالم لا يمكن التنبؤ به على نحو متزايد، فهي حاسمة للأمن القومي". 

كما أن الجزيرة تزخر بالتراث العسكري من العصر الشيوعي. وقال: "بدلا من إعطائها لمستثمر أجنبي، يجب الحفاظ عليها. ويجب أن تظل في متاحة لكل الألبان وغيرهم من السياح". 

وعلق بأن الصفقة شابها عدم الشفافية وبشكل كامل. وعلى الرغم من الاعتراضات، يبدو أن هناك القليل من الشك في أن مشاريع آل كوشنر في ألبانيا ستمضي قدما. ويخشى عالم الطيور فوربسي وهو ينظر إلى الأفق من وصول الشاحنات والجرافات إلى المنطقة العذراء. وتساءل فيما إن كان سيسمح لكوشنر البناء في محميات طبيعية أمريكية مثل يلوستون أو سوسمايت "لا، لكنه طلب رخصة البناء في منطقة طبيعية محمية في ألبانيا، وأعطته الحكومة الإذن. ونحن نتنازل عن الجزيرة الوحيدة في ألبانيا. إنه جنون".