مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع
غزة حيز التنفيذ، تتزايد تساؤلات
الإسرائيليين عن سبب شعور الفلسطينيين بالنصر رغم مشاهد الدمار المحيطة بهم، واستشهاد عشرات الآلاف منهم.
وعن هذا قال رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، مايكل ميلشتاين، إن "حرب السيوف الحديدية (حرب الإبادة) تنضم لسلسلة من الصراعات في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي التي تنتهي بطريقة معقدة".
وأضاف ميلشتاين في مقال نشرته صحيفة "
يديعوت أحرونوت"، وترجمته "عربي21"، أن "إسرائيل تحقق إنجازات استراتيجية ونجاحات عسكرية، لكنها تشعر بالمرارة وحتى الفشل، رغم معاناة الفلسطينيين من ضربات قاسية وخسائر عسكرية، لكنهم ينظرون للحرب باعتبارها إنجازا تاريخياً، لاسيما أن إسرائيل شعرت بالأذى والمفاجأة".
وأوضح أن "هذا الأمر تكرر في حرب سيناء 1956، التي كانت، مثل الحرب الحالية، مصحوبة بضغوط أمريكية على إسرائيل، لتنفيذ انسحاب إقليمي، وإنهاء الصراع، وكذلك في حرب 1973، والانتفاضة الثانية 2000، وحرب لبنان الثانية 2006، وعملية الجرف الصامد (تصاعد العدوان على غزة عام 2014)".
وأشار إلى أن "الذاكرة الجماعية العربية ترى هذه الحروب باعتبارها إنجازات نتجت عن إظهار التضحية، والقدرة على تحمل الخسائر البشرية الكبيرة، فضلا عن الصمود الذي لم يسمح لإسرائيل بإعلان النصر الكامل. وبعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة مع
حماس، تكمن جهودها لترسيخ رواية في أذهان الجمهور مفادها أن نتنياهو أعلن في السابع من أكتوبر أن هدفه تدمير الحركة، ولكن بعد 15 شهرا اضطر لتوقيع اتفاق معها. بمعنى آخر، فإنه اعترف بحكم الأمر الواقع بأنها العامل المهيمن في غزة، دون أن يكون هناك بديل لها".
وأوضح أن "هناك شعورا مماثلا يسود بين قطاعات كبيرة من الجمهور في غزة. رغم معاناتهم غير المسبوقة، فإنهم يرون في اتفاق وقف إطلاق النار، وهجوم السابع من أكتوبر، إنجازات وطنية. ويعتقد معظم الفلسطينيين أنه هجوم على أهداف عسكرية، ولم يصاحبه جرائم، ولم نجد مثقفا فلسطينيا بارزا أو زعيما سياسيا أو إعلاميا يتحدث عن الندم والخجل والمسؤولية في ما يتصل بها".
واعتبر أن هناك "رؤية أخرى يمكن استخلاصها من هجوم السابع من أكتوبر، وهي أن الفلسطينيين والإسرائيليين، مقتنعون بأن حماس ليست حادثا عابرا في التاريخ الفلسطيني، بل نتيجة لعدم وجود مفاوضات سياسية، أو بسبب الصعوبات الاقتصادية، وأن أعضاءها ليسوا غرباء منعزلين عن المجتمع الذي يعملون فيه، بل جزء لا يتجزأ منه، مندمجون فيه، وهو يؤثر فيهم، ويمثلون أجزاء كبيرة منه، وبالتالي فإن هذه الحركة لا يمكن محوها، كما زعم العديد من الإسرائيليين".
وأكد أنه "منذ السابع من أكتوبر لا يوجد انقسام حاد بين الحركة والجمهور الفلسطيني، وهي الصورة التي تحاول حماس نفسها تسويقها، بما يعزز مكانتها في النظام الفلسطيني، والتصور الذي يقدس استمرار النضال ضد
الاحتلال، ما يجعل من هذه المواجهة الأصعب في تاريخ الصراع الإسرائيلي العربي، وقُتل خلالها عشرات آلاف الفلسطينيين، جعلت من حماس قوة عظمى".
ولفت إلى أن "حرب غزة التي قتل فيها الآلاف من سكانها، ودمّر القطاع، انتهت بعداء غير مسبوق، وطموحات محمومة للانتقام من إسرائيل، وليس مستغربا ألا نسمع أي أصوات، أثناء الحرب وبعدها، تدعو للتخلي عن طريق المواجهة، في ظل هشاشة النقاش حول الدولة الفلسطينية نظرا للضعف العميق الذي تعانيه السلطة الفلسطينية، كما أن فكرة الدولة الواحدة خيال خطير سيؤدي إلى واقع بلقاني دموي، وسيشكل سيناريو متفجر متمثل بالاختلاط الديمغرافي والجغرافي الكامل بين الشعبين، وسيكون أكثر خطورة".
ومن ناحية أخرى، قال مراسل ذات الصحيفة للشؤون الفلسطينية، عيناف حلبي، إن "العالم سرعان ما نسي أهوال هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وتمسك بالصور القادمة من غزة للأطفال الجائعين، والرضع الذين يموتون من البرد، والغزيين الذين فقدوا ممتلكاتهم وأرواحهم، وحماس التي ستعود للسلطة بسرعة كبيرة، ومن بقي في غزة من قياداتها العسكرية والسياسية سيستمرون بإدارة شؤون القطاع، وكأن شيئا لم يكن، بعد أن نجحت بتجنيد أكثر من أربعة آلاف عنصر جديد، رأينا بعضا منهم في شوارع غزة حيث احتفل الآلاف خلال تسليم الأسيرات".
وأضاف حلبي في
مقال ترجمته "عربي21" أنه "يمكن للإسرائيليين القول بصوت حازم وواثق، أن هذا ما سيكون عليه قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. أما الإسرائيليون فسيستمرون بالعيش مع ندبة السابع من أكتوبر، مع الصور القاسية والمرعبة، والمختطفين الذين ماتوا، والقليلين الذين ما زالوا على قيد الحياة، أما من بقي منهم أحياء، فسيعيشون مع الصدمات واليأس، ومع جيش فقد جنوده، ووضع اقتصادي صعب يؤثر علينا جميعًا.. فيما أثارت هذه الحرب العديد من الأسئلة والمخاوف الإسرائيلية، لأن حماس تمتلك ذخيرة لا حصر لها، بجانب أموال وتمويل لا ينضب".