مدونات

ترامب والجدلية الرأسمالية

"ترامب في تعامله مع الرسميات بارتداء الزي فقط، إلا أنه لا يعطي قيمة لمن يراه بلا قيمة"- جيتي
وصف الأيديولوجيات والأنماط:

الأيديولوجيا: لا تعريف مستقرا لها، لكني أعرفها بأنها مجموعة من التفاعلات في الفكر لحالة مثالية لما يطرح كنمط حياة، لكنها لا تشكل نمطا لأنها بأفهام متعددة أغلبها ذهني لا واقع لها وتدخل بدافع غريزة وتأثير واقع بشكل سلبي كنتيجة لفاعلية غرائز آخرين كالتدين وحب السيادة أو التملك. فهي تصور فكرة أو فكر لكن بلا قراءة للواقع بشكل صحيح واستنباط ما يلائمه.

والأيديولوجيا عندما تكون منبثقة عن فكر مستورد أو فكر ليس فيه فهم لآلياته أو إنتاجه لآليات تدير الواقع فهي كقالب يشوه المجتمع ولا يحسنه لإدخاله في القالب، ومثال ذلك تحويل الليبرالية أو الديمقراطية إلى أيديولوجيا وهي آليات تحتاج إلى تحسين، ولم تتحسن أو تتطور فأصابها الفساد لتشرع لوجود الفساد وهيمنته، أو الصالح وتجربته، ومن الخطأ معاملتها كفكر لأنها بلا جذر، كذلك التعامل مع فكر حضاري كالإسلام بفهم عبر العصور وليس مستقى في معالجته للواقع من استقراء الواقع، فهذا سيخلق حالة غريزية من التدين شوهاء، إما تعصب خارج الحياة أو نفاق من أجل الحاجات والغرائز، وهذه حالة معاكسة هي الاستقرار عند الجذور بلا إنبات جديد.

النظام لا يتجزأ

أما النظام الذي نتحدث عن واقعه وهو الرأسمالي، فهو نظام اقتصادي أحاط نفسه بآليات حماية ليستقر المجتمع وتحدد تلك الآليات مساره في التعبير عن الضيق أو معاناة فشل النظام أو سلوكيات ما، لكن لا تثير فوضى قاتلة للمدنية فهو نمط حياة في ظل قيمة النفعية وما تتطلب من سلوك في المعاملات البينية ومعاملات السوق، وهذه تشكل نمط حياة ضعيفا أمام الصراعات الداخلية إن أثيرت؛ غير أن نظامه الاقتصادي يتطور إلى حد كبير إنما سيحتاج دوما إلى الموارد الخارجية وهذا مهم جدا فهمه، وهنا تنشأ أيديولوجيات في التعامل مع الخارج وغالبا ما يكون التعامل لا إنسانية فيه، وهو منسجم تماما مع أساس الدولة الحديثة التاريخي التي قامت مع الثورة الصناعية والانتشار كقوى إرغام واستخدام واحتلال من أجل المواد الخام..

هذا النظام كلي مترابط الحلقات لا يطبق كوصفة اقتصادية لبلد من أناس يكرهون النظام الاشتراكي أو حلا لمشكلة وضعها طفيلي، فهذا سيزيد الطين بلة ويسحق المواطن، لأن هنالك نظما داخلية نشأت في التطبيق تعالج إخفاق النظرية، فعندما تقوم بالعلاج وعندك ضمان صحي أي متعامل مع آليات النظام فكلفة العملية التي تحتاج إلى 3000 دولار ربما تدفع منها 300 فقط، لأن هنالك عملية حسابية تمر بين عدة جهات ومؤسسات نشأت بالتجربة والممارسة، أما من يريد الحل كوصفة متجزئة فإن المواطن الذي يعالج في النظام الاشتراكي بدولارين أو خمسة سيسدد 3000 دولار قد لا يملكها لأن الرواتب والعائدات والقدرة الشرائية والسوق مختلف، كذلك السياسة كالإتيان بنظام الانتخابات ولكن بنفسية التغلب والسلطة وليس برامج العمل في الوعود الانتخابية، فتجد أن النائب البرلماني أو رئيس الدولة يتكرر انتخابه عدة دورات وهو يطرح لائحة تتراكم فيها الإخفاقات.

ترامب جيل التقادم:

الرأسماليون الأوائل تبنوا النظام وطوروه لخلق جو استثماري متمدن يتعاظم فيه الطلب والحاجة والعمل، تقارب المسافة بالاتصالات، وتحول العالم إلى بُقع اصطدام حضاري نتيجة الهجرة والفرار من الظلم إلى حيث تتوقع الحرية والعدل. وتشوه الأفكار الراحلة والمستقبلة عن أصلها خلق جيلا مؤدلجا لا يحمل فكرا صافيا، فبالتالي أتت الأيديولوجيا بلا فلسفتها، على نظم لم تصمم لاختلاف فكري وإنما اختلاف رأي في التنفيذ وهو أمر مختلف.

وهنا أخذت الليبرالية نفسها تضيق باستيعاب الجميع، فانتقلت من حالة كلاسيكية ليبرالية 1825 إلى حالة اجتماعية 1929. في الكساد أوجد ديكينز بعد الحرب الثانية إلى الليبرالية الاجتماعية، لغاية السبعينات وبتوحش الشركات ليتحول إلى الحديثة منذ الثمانينات في القرن الماضي من كارتر أنها متوحشة تقلل من نفوذ المخالف ومؤسسات المجتمع المدني، واليوم ترامب يمثل وجها مرتدا متطرفا إلى الكلاسيكية المتجددة حسب تفكيره، وينافس الوجه الآخر الذي يمثله بايدن الذي يتدخل في الحياة الخاصة نسبيا، وهو أظهر سلبية في تفكك المجتمع، لكن الأمر ليس بوجهين أيديولوجيين فقط لتنظيم نمط حياة.

النظام الجديد ضخم مشكلة الاقتصاد، ومع التطور التقني، قلل فرص العمل مع زيادة في السكان، فترى أن الفشل ينسب للمهاجرين بينما الأمر ببساطة هو شيء في طبيعة النظام ما زال يسير رغم أنه فشل بداية القرن الحالي لكن لا بديل بفقدان البديل الإسلامي الذي ليس جاهزا، لكن الشركات الآن أخذت مع ترامب في دورته الثانية تبدي تمكنا إضافة إلى توجهه الطائفي مماهيا التوجه هذا عند الروس القيصري، لكن أمريكا بلا تاريخ فعاد إلى الليبرالية الكلاسيكية وبرأسمالية أشد توحشا.

أوروبا الضعيفة:

أوروبا ليست ضعيفة لافتقارها القوة، وإنما ركنت إلى أمريكا فضعفت إرادتها بقيادة مبادرة أو حرب، وهي تعاني من سلبيات الليبرالية الحديثة، والمفاوض الأوروبي وارث للإمبريالية فهو يأخذ من أمريكا أكثر مما يعطي، وأمريكا تعاني بشكل مباشر من فشل النظام الرأسمالي وطموح الشركات الذي بات كالثعبان الذي التقم ذيله، فترامب أتى للحكم بأناس مؤدلجين أكثر من كونهم خبراء، وهنا نقطة مهمة، ففرضه للضرائب ورفع سقف مطالبه بلا دليل والتعامل بعدوانية وفرض الإرادة وليس التفاوض سيحفز الآخرين إلى قرارات عدمية واللاعودة وهذا سيزيد التضخم ورفع الأسعار في البلد وتلكؤ الصناعات التكاملية وربما ارتفاع للبطالة وقد يصل إلى الإفلاس، وهو ما ستوصله له أوروبا كرد بتعطيل اتفاقاته الخارجية أو وضع العقبات أمامها، والشركات لن تصد السقوط إن حصل لأنها أصلا تحتاج إلى رقابة لن تكون مع ترامب حليفها لذا فهذه فقاعات صوت غالبا.

مع هذا، الناظر لسياسات ترامب في تعامله مع الرسميات بارتداء الزي فقط، إلا أنه لا يعطي قيمة لمن يراه بلا قيمة. وهذه نقطة حساسة يعقبها ظلم وربما ارتداد على مصالح الولايات المتحدة، وأحيانا تنفع عندما يعلم أن من يجلس معه مجرد إنسان تافه بلا قيم فيمرر مصلحته بإظهاره أمام نفسه ثم فرض ما يريد عليه. ويحترم عدوه القوي لدرجة الصداقة، ولا يتعامل من خلال منظور غير الربح وما يحصل عليه، وكل من يقف أمام هذا يهمل النظر برد فعله بلا تحليل أو توضيح، فيستجيب المهتز الضعيف ويتعامل مع القوي وفق صيغ متعددة.

لذا، فحلفاؤه ينبغي لهم دوما عند دخول ساحته أن يتأكدوا أن هنالك مخارج هروب متعددة، فهو نفسه يفكر ببعدين بُعد الحرب العالمية من ضمنها لهذا يفكر في بنما وجرينلاند ذات الحكم تتبع لمملكة الدنمارك، ثم يفكر بغزة كاستثمار على دماء الناس. وهذا ليس تناقضا، فلم يقل أحد إن الرأسمالية والدولة الحديثة إنسانية أو ذات قيم أخلاقية، إن كنت كريما فهم سيعتبرونه استجابة للضغط لدرجة أن ترامب قال "سأذهب إذا دفعتم تريليون دولار لشركات أمريكية موزعة على مدى أربع سنوات"، بينما كان طموحه نصف هذا المبلغ، لكن كرم الملوك وسعه تعبيرا عن الكرم وحسن النية، فتمدد ونسبه لنفسه باعتباره إذعانا، تكبرا ولم يشكر الكرم، وهذا طبيعي لاختلاف الثقافات التي لا يأخذها قادة الأمة بالاعتبار.