أجرى وفد إماراتي رفيع بقيادة وزير الدولة
في وزارة الخارجية، شخبوط بن نهيان آل نهيان، جولة مكوكية إلى دول الساحل، شملت
مالي والنيجر، في خطوة وصفتها مصادر جزائرية بأنها محاولة "لاستثمار التوترات
الجيوسياسية وتغذية النزاعات" في منطقة تعيش مرحلة انتقالية هشة.
أمن وتنمية.. أم تدخل سياسي؟
رسمياً، تهدف الزيارة، بحسب ما أعلنه الجانب
الإماراتي، إلى "تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي"، لكن توقيت الزيارة،
وسياقها الإقليمي المتشابك، وفق صحيفة "الخبر"
الجزائرية، يثيران أكثر
من سؤال حول أهداف أبو ظبي غير المعلنة، خاصة في ظل التوتر المتزايد بين السلطات
المالية الانتقالية والجزائر، بعد تراجع نفوذ الأخيرة في الساحل، بفعل الانقلابات
وتغيّر مواقف العواصم الجديدة في باماكو ونيامي.
وبحسب بيان رسمي، التقى الوفد الإماراتي
رئيس المجلس الانتقالي في مالي العقيد آسيمي غويتا، لمناقشة "شراكات في الأمن
والتنمية"، قبل أن يتوجه مباشرة إلى النيجر للقاء الجنرال عبد الرحمن تياني،
قائد السلطة العسكرية هناك.
دعم لسياسات القمع والعسكرة
غير أن مصطلح "التعاون الأمني"،
رأته صحيفة "الخبر" غطاءً لدعم سياسات القمع الداخلي، خصوصاً أن
الزيارات تأتي في ظل تصاعد التوترات في شمال مالي مع الحركات الأزوادية، واتهامات
للسلطة الحاكمة بعرقلة المسار الديمقراطي، وإقصاء القوى السياسية المعارضة، ما
يجعل أبو ظبي، وفق مراقبين، "طرفًا مباشرًا في إعادة إنتاج الديكتاتوريات
العسكرية بغطاء اقتصادي".
أزمة مكتومة بين الجزائر وأبو ظبي
وتأتي هذه التحركات الإماراتية في ظل توتر
غير معلن لكنه متصاعد في
العلاقات الجزائرية ـ الإماراتية، ظهر جلياً في مواقف
رسمية وشبه رسمية جزائرية، منها تصريحات عبد القادر بن قرينة التي حذر فيها من
"أجندات إقليمية تخترق المغرب العربي"، وكذلك انتقادات لويزة حنون لما
وصفته بـ"تدخل إماراتي سافر في الشؤون السيادية لدول المنطقة". وقد
تفاقم هذا التوتر منذ إعلان أبو ظبي دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربي في
الصحراء وافتتاح قنصلية إماراتية في مدينة الداخلة، في خطوة رأت فيها الجزائر
"اعتداءً على الحق التاريخي للشعب الصحراوي وتجاوزاً للمواقف المغاربية
الجامعة". ويرى مراقبون أن ما يحدث في الساحل اليوم هو امتداد طبيعي لهذه
التوترات، حيث تسعى الإمارات، بحسب التحليلات الجزائرية، إلى إعادة رسم خرائط
النفوذ الإقليمي، ولو على حساب استقرار دول الجوار.
بوابة الأطلسي ومطامع جيوسياسية
ورجحت صحيفة "الخبر" أن زيارة
الوفد الإماراتي تمت بتنسيق بشكل غير مباشر مع المغرب، عبر مبادرات تهدف إلى فتح
"نوافذ بحرية" لدول الساحل على المحيط الأطلسي، في تجاوز واضح للترتيبات
الجغرافية والسياسية التي أرستها الجزائر لعقود، وهو ما يفسر امتعاض الأخيرة من
الحراك الإماراتي المفاجئ.
ردّ مغربي
وفي هذا السياق، قال الإعلامي المغربي نور
الدين لشهب في تصريحات خاصة لـ
"عربي21"، إن "اتهام الصحيفة
الجزائرية للمغرب هو هروب من مواجهة الحقيقة، وهي الإقرار بفشل ديبلوماسي
جزائري". وأضاف: "على العقلاء في الجزائر والمغرب أن يدركوا أن البلدين
دولتان محوريتان، وكلاهما قوي، وبالتالي مصلحة الشعبين تقتضي إيجاد حلول للقضايا
الخلافية تخدم الشعبين والمنطقة بشكل عام".
وشدد لشهب على أن "الإمارات يمكنها أن
تفعل أي شيء، وسمعتها سيئة، ولم تدخل بلداً عربياً إلا وتركته في الفوضى...
الإمارات سمعتها إثارة الفتنة". وأردف: "ليس من مصلحة المغرب والجزائر
أي تجزئة، لأن ذلك ستكون له تداعيات خطيرة على المنطقة".
تدخل في شؤون داخلية؟
وفي تصريحات خاصة لـ
"عربي21" أكد الخبير الأمني المنشق عن النظام الجزائري كريم مولاي، أن
مخاوف النظام الجزائري من تحركات النظام الإماراتي في دول الساحل مخاوف مشروعة، بالنظر إلى الدور الإماراتي في عدد من دول المنطقة..
وأضاف: "علينا أن نتذكر أن مالي تعيش أزمة سياسية ودستورية خانقة، في ظل استمرار
المرحلة الانتقالية لأكثر من ضعف المدة المتفق عليها، وهو ما يجعل من زيارة الوفد الإماراتي في هذه المرحلة الدقيقة، والتي أعلن فيها قادة مالي القطيعة مع النظام الجزائري بـ"محاولة التأثير على شكل النظام القادم"، بما يخدم
مصالح خارجية لا شعبية".
ما يعزز الشكوك برأي مولاي حول دور الإمارات،
هو "السجل الحافل" لأبو ظبي في مناطق النزاع، حيث تورطت، بحسب تقارير
أممية وإعلامية، في دعم أطراف عسكرية على حساب التحول الديمقراطي في كل من السودان
واليمن وليبيا.
لكن مولاي أشار إلى أن هذه السياسات الإماراتية في دول الساحل ما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه الآن لولا فشل الديبلوماسية الجزائرية في عدد من الملفات وعلى رأسها العلاقة مع مالي وقبلها مع مجموعات الفاغنر الروسية، وفق تعبيره.