سياسة عربية

رفض إسرائيلي لـ"المدينة الإنسانية" في رفح: فكرة وهمية سخيفة

أكد الكاتب أن الأفكار الإسرائيلية حول غزة عكست "افتقارا شديدا لفهم الواقع"- الأناضول
في الوقت الذي يروج فيه الاحتلال الإسرائيلي لإقامة ما يسميها "المدينة الإنسانية" في جنوب قطاع غزة، فإنه يسعى لإجراء حقل تجارب وإنتاج أفكار فشلت من مناسبات مختلفة، تنوعت بين الميناء البحري والإخلاءات الواسعة و"خطة الجنرالات" وعملية "عربات جدعون".

وأكد رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز ديان في جامعة تل أبيب، والباحث السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، مايكل ميلشتاين، أن "هناك رابطا مشتركا بين خطة "المدينة الإنسانية" المزمع إنشاؤها بين خانيونس ورفح، ومشاريع آلية المساعدات التي أنشئت قبل نحو شهرين عن طريق "مؤسسة غزة الإنسانية"، وتسليح الميليشيات كي تكون بديلاً عن حماس، بجانب الاعتقاد بفرض نزع روح المقاومة على سكان غزة". 

وأضاف ميلشتاين في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وترجمته "عربي21" أن "الترويج لمعظم التحركات الاسرائيلية جنوب قطاع غزة، وهي المنطقة التي يفترض أن تكون المحرك لتغيير القطاع بروح رؤية الرئيس دونالد ترامب، تستند إلى افتراض أن الواقع والوعي يمكن هندستهما من خلال مزيج من القوة العسكرية والرافعات الاقتصادية، مع أن الحرب المكثفة التي انخرطت فيها دولة الاحتلال خلال الشهور الواحد والعشرين الماضية يجعلها تنسى الأفكار التي لا تعد ولا تحصى التي تم الترويج لها، ثم تبددت".

وأكد أنه "في وقت لاحق أصبح من الواضح أن تلك الأفكار عكست افتقاراً شديداً لفهم الواقع، بدءاً من الاعتقاد بأن المزيد من القوة من شأنه أن يضعف حماس، أو حتى يكسرها، أو يدفعها لإعلان الاستسلام، وإلقاء السلاح، وإخلاء غزة، وإطلاق سراح الرهائن؛ وبالإمكان في هذه العجالة المرور على نظام "الفقاعات" السابق التي زُعِم حينها أنها ستكون نواة لإنشاء نظام جديد في غزة؛ ثم خطة الجنرالات التي رافقتها حملة صعبة في شمال القطاع، خالية من الإنجازات الدرامية". 

وأوضح أن "هذه الأفكار إنما تعبر عن أوهام إسرائيلية، تُجسّد في واقع الأمر بذور المفهوم الذي انهار في السابع من أكتوبر 2023، وارتكز على الاعتقاد بأن الإيديولوجية قد تُثنى من خلال الاقتصاد، وهو ما يوضح عدم إحراز أي تقدم، إن وجد، في فهم غزة وحماس، لأن نفس القادة الذين روّجوا للمفهوم المذكور، ويؤخرون التحقيق في جذور الفشل ما زالوا يشكلون الواقع، مع بقايا المفهوم المزروعة في أذهانهم". 

وأشار إلى أن "هذا يؤدي للاعتقاد بأن الوعد بوضع مادي أفضل سيُقنِع الفلسطينيين بالهجرة من غزة، أو الانتقال إلى مدينة الخيام، وإذا قدمت لهم صناديق من الطعام، تستطيع تغيير نظرتهم للعالم، وهذه الأفكار تعكس التأثير العميق لطرق التفكير التي نشأت في الولايات المتحدة، خاصة الإيمان المتفائل بالقدرة على تغيير قلوب وعقول الناس من ثقافات أخرى من خلال المال والإكراه، استناداً للمنطق الغربي من النوع الذي انهار في فيتنام والعراق وأفغانستان". 

وأكد أن "الإسرائيليين يصرون على عدم التعلم من دروس الآخرين، بل حتى من تاريخهم الخاص، فروابط القرى في السبعينات بالضفة الغربية، وتنمية العلاقات مع الكتائب اللبنانية، والمصير البائس لجيش لبنان الجنوبي، والطريقة التي نمت بها حماس، كلها دروس مهمة من الماضي، من المشكوك أن صناع القرار قاموا بتحليلها عندما قرروا تعزيز المشاريع المختلفة في غزة، لأنه في الخلفية تكمن مشكلة أساسية مخفية ولم تتم مناقشتها بشكل كاف في الخطاب الإسرائيلي بشأن غرض الحرب في غزة". 

وأكد أنه "من الناحية الظاهرية، هناك مواجهة بين عقيدتين، إحداهما تتمسك بتعزيز التسوية مع الانسحاب من غزة، وترك هزيمة حماس هدفا للمستقبل، والأخرى مواصلة الصراع حتى احتلالها بالكامل، أما الرسالة الثانية فترافقها حجج تبدو استراتيجية مفادها أن "الفلسطينيين لا يتراجعون إلا بخسارة الأرض"، أو أن "الاستيطان يمنع المقاومة"، وقد حان الوقت لإزالة الأقنعة، لأن الأطروحة الثانية ليست استراتيجية منهجية، بل تعبير عن وجهات نظر دينية خلاصية من خلال السيطرة على كل الأرض الفلسطينية".

وشكك بأن "الجمهور الاسرائيلي يؤيد هذه الأهداف، أو حتى يعرفها، بسبب حرص الحكومة على عدم تقديم تفسير معمق للتداعيات المترتبة على السيطرة على القطاع بأكمله، خاصة وجود مليوني فلسطيني معادين في منطقة مدمرة؛ واقع أمني مماثل للوضع في لبنان والعراق، مع استمرار حرب العصابات التي تتطلب تخصيص أعداد كبيرة من القوات على مدى فترة زمنية طويلة، ستكون مصحوبة بسقوط خسائر بشرية في الجيش؛ أما عن العلاقات مع الدول العربية فإن التطبيع سيصبح حلماً، ويتوقع تدهور العلاقات القائمة، خاصة السلام مع مصر". 

وأشار إلى أنه "حتى لو انتهت الحرب في غزة إلى تسوية بثمن باهظ يتمثل في إنهاء القتال، والانسحاب من معظم أو كل القطاع، فيجب عدم دفن النقاش الداخلي الإسرائيلي الذي اشتعل خلالها، لأن الحكومة والجمهور هربوا من هذه النقاشات، قبل السابع من أكتوبر، وفي النهاية سقطت عليهم جميعا بطريقة مأساوية ومفاجئة، وبات واضحا لهم أنهم لم يكونوا مطالبين فقط بمعالجة مسألة العلاقات مع الفلسطينيين، بل أيضاً بمعالجة القضية المؤثرة والمعقدة المتمثلة في العلاقات بينهم".