ملفات وتقارير

دعوة لاستلهام إرث كينيدي في العلاقات الجزائرية الأمريكية على أسس أخلاقية

تقرير: واشنطن مطالبة بنهج يقوم على الثقة والاحترام المتبادل، والتقدير الحقيقي للخصوصية الجزائرية.
دعا الباحث الجزائري المقيم في الولايات المتحدة الهواري عدلي إلى إعادة قراءة تاريخ العلاقات الجزائرية الأمريكية، ليس من باب الوفاء فقط، بل بوصفها نموذجًا لسياسة دولية تستند إلى المبادئ الأخلاقية والإنسانية.

تأتي دعوة عدلي في مقال لافت له اليوم في صحيفة "الخبر" الجزائرية، بعنوان: "لماذا دعم جون كينيدي استقلال الجزائر؟"، في توقيت شديد الحساسية، حيث تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية توترًا متزايدًا على خلفية ملفات الذاكرة والوجود الأمني الفرنسي في الساحل، فيما بدأت العلاقات الجزائرية الروسية تشهد تراجعًا ملحوظًا بسبب خلافات غير معلنة حول الموقف من التحولات السياسية والأمنية في منطقة الساحل، لا سيما بعد الانقلاب الأخير في النيجر والتقارب الروسي المتزايد مع أنظمة لا تتوافق استراتيجيًا مع الرؤية الجزائرية.

هذا التوقيت، يعطي للمقال بعدًا استراتيجيًا، إذ يتقاطع مع سعي الجزائر الواضح إلى تنويع تحالفاتها الدولية، بما في ذلك فتح قنوات أعمق مع الولايات المتحدة الأمريكية، على أسس مغايرة لتوازنات ما بعد الحرب الباردة التي كانت تميل تقليديًا نحو باريس وموسكو.

في مقاله، يسلّط عدلي الضوء على موقف الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي، الذي دعم استقلال الجزائر بشكل علني وجريء في خمسينيات القرن الماضي، حين كان لا يزال عضوًا في مجلس الشيوخ. فقد تبنّى كينيدي موقفًا نادرًا في السياسة الدولية آنذاك، حين ألقى في 2 تموز/ يوليو 1957 خطابه الشهير الذي هاجم فيه الاستعمار الفرنسي، ودعا إلى تمكين الجزائريين من تقرير مصيرهم.

ويعيد عدلي أصل هذا الموقف إلى جهود قامت بها مجموعة من المناضلين الجزائريين في نيويورك، بينهم عبد القادر شندرلي، محمد يزيد، الشريف قلال ومسعود زغار، الذين نجحوا في بناء صلة مباشرة مع كينيدي، وتأثيره لاحقًا على الرأي العام الأمريكي.

ويرى الكاتب أن موقف كينيدي "لا يزال يُمثّل إلى اليوم دليلاً على أن السياسة الخارجية يمكن أن تُبنى على المبادئ لا فقط على المصالح"، في إشارة إلى حاجة الجزائر اليوم لاستدعاء هذا الإرث كرافعة دبلوماسية في مواجهة تقلبات المواقف الدولية من قضاياها الإقليمية والأمنية، سواء في الساحل أو فلسطين.



تصريحات خاصة: كينيدي ليس ترامب

وفي تعليق خاص لـ"عربي21"، قال الأستاذ الجامعي عبد القادر تومي إن العودة إلى التاريخ مفيدة من حيث التذكير ببعض القيم، لكن لا ينبغي أن تُغفل قاعدة أساسية في العلاقات الدولية، وهي أن "العلاقات تُبنى على المصلحة قبل كل شيء".

وأضاف: "الرأي الذي يدعو إلى استحضار مواقف مثل موقف كينيدي مهم، لكنه لا يغني عن القول بأن التعامل الدولي اليوم هو تعامل لحظي وآني، تحكمه لغة المصالح لا العواطف. فكينيدي ليس ترامب، ولا بايدن، ولكل رئيس أمريكي خطابه واستراتيجيته".

وتابع تومي: "في النهاية، الجزائر دولة سيدة في مواقفها، وتدرك جيدًا أين تضع قدمها، وتعرف كيف تخاطب المجتمع الدولي. فهي لا تتعامل بردود فعل عاطفية، بل وفق رؤية عقلانية تراعي مصالحها العليا، دون التفريط في ثوابتها التاريخية، وأهمها القضية الفلسطينية التي تبقى مركزية في سجلها السياسي".

وشدد على أن "الجزائر لا يمكنها أن تتغافل عن تاريخها الذهبي، ولكن المعطيات حين تتغير، يتغير الخطاب، ويبقى الموقف الوطني الجزائري محكومًا بإطار سيادي جامع".

"رسالة مزدوجة"

في هذا السياق، تبدو رسالة عدلي كأنها موجهة للداخل والخارج معًا، داعيًا إلى مراجعة موقع الجزائر في خريطة التحالفات الدولية، والرهان على شراكات جديدة تقوم على الندية والاحترام المتبادل، خاصة مع الولايات المتحدة، التي "قد تكون اليوم أكثر استعدادًا من أي وقت مضى لإعادة صياغة علاقتها مع الجزائر، على أسس أخلاقية وتاريخية نادرة في سجل العلاقات الدولية".

ويختم عدلي مقاله بالقول: "حين وقف كينيدي مع الجزائر، لم يكن يبحث عن مكسب سياسي، بل عبر عن قناعة عميقة بعدالة قضية شعب يناضل من أجل حريته. إننا بحاجة لاستحضار هذا النموذج الآن، لا كتذكار للماضي، بل كبوصلة للمستقبل".



تقرير أمريكي: الجزائر شريك محوري لواشنطن في مرحلة التحولات الجيوسياسية

في سياق موازٍ للدعوات المتزايدة لإعادة قراءة العلاقات الجزائرية الأمريكية، أبرز تقرير استراتيجي صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في جويلية 2025، تحت عنوان: "المشاركة الاستراتيجية الأمريكية مع الجزائر: مسار وسط التحولات العالمية المتغيرة"، الأهمية المتصاعدة للجزائر كشريك محتمل للولايات المتحدة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة.

التحليل، الذي أعدته الباحثة سابينا هينبرغ، حدّد ثلاثة محاور رئيسية لترقية العلاقة: أولًا، الاستثمار الأمريكي المتنامي في الجزائر، ثانيًا، التنافس الجيو-اقتصادي مع النفوذ الصيني، وثالثًا، الموقع المحوري للجزائر في مجال مكافحة الإرهاب، خاصة في منطقة الساحل.

وسجّل التقرير تحولًا نوعيًا في العلاقات الثنائية، عبر زيارات رسمية رفيعة المستوى، وتوقيع مذكرات تفاهم غير مسبوقة في الدفاع والطاقة وتقليل انبعاثات الميثان. كما أشار إلى إطلاق الجزائر شركة ضغط في واشنطن نهاية 2024، في مؤشر على سعيها لتنظيم قنوات التأثير.

كما شدد على أن واشنطن مطالبة بنهج يقوم على الثقة والاحترام المتبادل، والتقدير الحقيقي للخصوصية الجزائرية، داعيًا إلى شراكة ترتكز على المصالح المتوازنة والاعتراف بدور الجزائر الإقليمي في الاستقرار ومكافحة الإرهاب، من خلال مبادرات مثل قيادة لجنة الأركان العملياتية لدول الساحل واستضافة المركز الإفريقي لدراسة الإرهاب.

وفي توصياته، دعا التقرير الإدارة الأمريكية إلى استثمار الطاقات الجزائرية في مجالات أمنية واقتصادية وبيئية وتعليمية، لا سيما من خلال دعم برامج اللغة الإنجليزية، وتوسيع التبادل الثقافي والتقني، مؤكداً أن الجزائر، رغم تحديات محيطها، تظل بلدًا بـ"فرص كبيرة" يجب استثمارها بعيدًا عن نماذج الهيمنة التقليدية.