صحافة دولية

NYT: فوز زهران ممداني في نيويورك يثير ردود فعل قوية في "إسرائيل"

رد عدد من حلفاء نتنياهو على النتيجة في نيويورك بتكرار بعض أشد الهجمات ضد ممداني- جيتي
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمدير مكتبها في القدس ديفيد هالبفينغر، قال فيه إن خطاب فوز زهران ممداني في انتخابات عمدة نيويورك بث مباشرة على التلفزيون والإذاعة الإسرائيلية، في إشارة إلى القلق العميق في "إسرائيل" بشأن زعيم المدينة التي تضم أكبر عدد من اليهود في العالم.

وأضاف هالبفينغر أن فوز ممداني في الانتخابات أثار نقاشا عاطفيا ومحتدما في كثير من الأحيان، تجاوز التساؤل عما إذا كان ذلك سيضر باليهود الأمريكيين ومكانة "إسرائيل" في الولايات المتحدة، وانتقل بسرعة إلى التساؤل عن مدى الضرر الذي سيلحقه شغل منصب عمدة نيويورك بشخص ينتقد "إسرائيل" بشدة.

وذكر أن أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب معارض يميني ووزير الخارجية الأسبق، قال عبر متحدث باسمه: "سقطت التفاحة الكبيرة [نيويورك]". وحث "يهود نيويورك الذين يريدون البقاء على قيد الحياة" على الهجرة "إلى حيث ينتمون - أرض إسرائيل".

وكان داني دانون، السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، أكثر رصانة، حيث تعهد في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي بالعمل مع القادة اليهود في نيويورك "لضمان أمنهم ورفاهيتهم".

وأشار إلى أن ممداني تحدث مرارا عن توسيع جهود المدينة لحماية اليهود النيويوركيين ومكافحة "معاداة السامية"، في حال انتخابه. وقد رفض بشدة اتهامات خصومه بأنه معادٍ للسامية.

ونبه إلى أن رد الفعل القوي هذا صاحبه تجاهل شبه تام لكيفية تغذية سياسات "إسرائيل" وسلوكها في حرب غزة للدعم السياسي لممداني. وعكس كيف أن انتقاداته لإسرائيل قد خرقت ما كان يعتبر منذ فترة طويلة قواعد غير مكتوبة ولكنها تبدو غير قابلة للانتهاك بالنسبة للسياسيين الأمريكيين، الذين تعاملوا لأجيال مع دعم إسرائيل كأمر أساسي للترقي إلى مناصب أعلى.

ولفت إلى أن الفلسطينيين، في المقابل، رحبوا بفوز ممداني البالغ من العمر 34 عاما، والذي سيصبح أول عمدة مسلم ومن أصول جنوب آسيوية في نيويورك، باعتباره إنجازا تاريخيا من نواحٍ متعددة.

ورأى البعض تحولا جيليا مرحبا به في الرأي العام الأمريكي، تحولا قد يشجع حتى الديمقراطيين المعتدلين على التحدث علنا ضد إسرائيل ودعما للفلسطينيين دون خوف من أن يؤدي ذلك إلى تدمير مسيرتهم المهنية.

وأوضح أن ممداني رفض، خلال حملته الانتخابية، الإفصاح عما إذا كان يدعم حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، قائلا إنه يعتقد أن جميع مواطنيها، بغض النظر عن دينهم، يجب أن يتمتعوا بحقوق متساوية. وتقول إسرائيل إن جميع مواطنيها يتمتعون بحقوق متساوية بموجب القانون.

وقال إن ممداني جادل بأن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة، وهو ادعاء قدمته أيضا لجنة تابعة للأمم المتحدة والعديد من منظمات حقوق الإنسان. وبدا مترددا في بداية الحملة في إدانة عبارة ناشطين تنادي بـ "عولمة الانتفاضة"، والتي يجدها العديد من اليهود تهديدا بسبب ارتباطها "بالإرهاب والعنف" خلال الانتفاضات الفلسطينية في الثمانينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وأشار إلى أن ممداني كان، طوال الحملة، هدفا لهجمات لاذعة تشير إلى أنه متعاطف مع الإرهابيين، لا سيما في الأسابيع الأخيرة من المنافسة بعد أن تهرب من الإجابة على سؤال حول ما إذا كان ينبغي لحماس إلقاء سلاحها. اكتفى  ممداني بالقول إنه يعتقد أن كلا من حماس وإسرائيل بحاجة إلى "الالتزام بالقانون الدولي"، ولكن تحت الضغط، أوضح لاحقا أنه يدين حماس.

كما تعهد ممداني، في حال انتخابه، باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بموجب مذكرة اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من أن الخبراء قالوا إن مثل هذه الخطوة من المرجح أن تكون غير قانونية.

وردا على سؤال حول انتخاب  ممداني يوم الأربعاء، لم تعلق متحدثة باسم  نتنياهو، لكنها أشادت بعلاقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بالرئيس ترامب.

وكما هو متوقع، رد عدد من حلفاء نتنياهو على النتيجة في نيويورك بتكرار بعض أشد الهجمات ضد  ممداني.

ووصف إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي من حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف،  ممداني بأنه "داعم لحماس وكاره لإسرائيل ومعادٍ صريح للسامية".

وقالت الصحيفة إن أميحاي تشيكلي، الوزير الإسرائيلي الذي تشمل حقيبته شؤون الجالية اليهودية ومكافحة معاداة السامية، اقترح أن عمدة نيويورك الجديد هو "شخص لا تختلف مواقفه كثيرا عن مواقف المتعصبين الجهاديين الذين قتلوا 3000 من سكانها" في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
وأشارت إلى أنه كتب على وسائل التواصل الاجتماعي: "نيويورك تسير بعيون مفتوحة نحو الهاوية التي سقطت فيها لندن"، في إشارة إلى عمدة العاصمة البريطانية المسلم، صادق خان.

وأضاف التقرير أنه لم يكن هناك الكثير من النقد الذاتي [الإسرائيلي] ردا على فوز  ممداني.

وذكر أن جلعاد إردان، السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن، اقترح على وسائل التواصل الاجتماعي أن إسرائيل تحتاج فقط إلى "إعادة تسويق نفسها في الولايات المتحدة".

وأنه في الواقع، فقد أشار منتقدو الائتلاف اليميني الإسرائيلي بسخرية أن المسؤولين الحكوميين يتجنبون عمدا التشكيك في السياسات التي أضرت بمكانة إسرائيل في الولايات المتحدة.

وكتبت كسينيا سفيتلوفا، الأستاذة وعضوة البرلمان اليسارية السابقة، على وسائل التواصل الاجتماعي: "إسرائيل في طريقها لتصبح دولة استبدادية". وأضافت أن المستوطنين اليهود المتطرفين "يعيثون فسادا" في المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، "ووزير الدفاع يتجاهل الأمر. ولكن ماذا نفعل حيال فوز ممداني في نيويورك؟".

وبيّن التقرير أن انتخابات نيويورك لم تكن هي الخبر الوحيد الذي يشغل بال المسؤولين الإسرائيليين. فقد أكدت الحكومة ليلة أمس أن الرفات التي تسلمتها من غزة يوم الثلاثاء هي رفات إيتاي تشين، الجندي الإسرائيلي الأمريكي البالغ من العمر 19 عاما، والذي سلمت حماس جثته إلى الصليب الأحمر. ولم يتم بعد إعادة جثث سبعة أسرى آخرين.

وقال العديد من المحللين إن إنجاز ممداني يحمل دروسا حول مستقبل السياسة الأمريكية التي يحسن بالقادة الإسرائيليين أن يأخذوها في الاعتبار.

وكتب شموئيل روزنر، الخبير في العلاقات بين إسرائيل والشتات، على مدونته: "ما فعله يثبت أن الوقوف ضد إسرائيل دون خفض الرأس يمكن أن يكون مربحا سياسيا، أو على الأقل غير ضار".

وأشار التقرير إلى أن أمير تيبون، الصحفي في صحيفة هآرتس اليسارية الإسرائيلية،  وضع نتيجة نيويورك في السياق السياسي الأوسع لليلة ناجحة للديمقراطيين في السباقات الانتخابية في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وقال: "في وقت يشهد فيه موقف إسرائيل في الحزب الديمقراطي تراجعا تاريخيا غير مسبوق"، فإن فوز  ممداني منح "دفعة قوية" للتقدميين، الذين يُعدّون أكبر منتقدي إسرائيل من بين الديمقراطيين.

وكتب  تيبون في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أن معالجة هذا الوضع تتطلب تغييرات في كل من السياسة والخطاب: "هل هناك أي فرصة لأن تتكيف الحكومة الحالية مع هذا الوضع أو حتى تناقشه؟ هذا مستحيل".

وقال التقرير إنه مقابل حالة القلق السائدة في إسرائيل إزاء فوز  ممداني، فإن بعض الفلسطينيين رأوا فيه تحولا سياسيا جذريا.

ففي بيان له، أشاد مصطفى البرغوثي، زعيم المبادرة الوطنية الفلسطينية، وهي فصيل سياسي في الضفة الغربية، بـ"ثورة يقودها الشباب وتحول تاريخي".

ووصفت حنان عشراوي، رئيسة مجلس أمناء جامعة بيرزيت في الضفة الغربية والمسؤولة السابقة في منظمة التحرير الفلسطينية، فوز  ممداني بأنه "جرس إنذار للولايات المتحدة والعالم، وخاصة للديمقراطيين الذين عملوا ضد التقدميين في حزبهم".

وقالت في مقابلة: "إنها دعوة مفادها أن الناس مستعدون للتغيير، ورسالة إلى النظام السياسي برمته بأن الناس مستعدون للعدالة الاجتماعية والشمول.. أعتقد أن هذا يبشر بعصر جديد في الولايات المتحدة".

كما ذكر التقرير أن القس منذر إسحاق، وهو قس لوثري بارز في الضفة الغربية، وصف النتيجة بأنها "مشجعة" لأنه، كما قال في مقابلة، "يتخلى العديد من الليبراليين، عندما يترشحون لمناصب عليا، عن قضية فلسطين. يثبت ممداني أنه يمكن الفوز دون التنازل بشأن فلسطين".

وأضاف التقرير أن أحمد الطيبي، العضو العربي في البرلمان الإسرائيلي،  أشاد بممداني في منشور على الإنترنت، واصفا إياه بأنه "قائد ألهم جميع شرائح مجتمع نيويورك وهزم العنصريين وكارهي الإسلام والمتعصبين". وهنأه باللغة العربية قائلا: "مبروك".