كتاب عربي 21

إيران بين مطرقة التفاوض مع ترامب وسندان الضربة المحتملة

علي باكير
إنّ رفض إيران التفاوض قد يزيد بشكل كبير من فرص اتخاذ إجراء أمريكي و/أو إسرائيلي- (الأناضول)
إنّ رفض إيران التفاوض قد يزيد بشكل كبير من فرص اتخاذ إجراء أمريكي و/أو إسرائيلي- (الأناضول)
تشهد التطورات الإقليمية عودة النقاش حول الملف النووي الإيراني إلى واجهة الأحداث مجدداً مع إعطاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طهران مهلة شهرين للتفاوض على اتفاق نووي جديد، وتهديده بشن ضربات عسكرية على البرنامج النووي الإيراني في حال عدم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين.

ووفقاً للتقارير الإعلامية، من المتوقع أن يزور وفد إسرائيلي رفيع المستوى البيت الأبيض الأسبوع المقبل لإجراء مشاورات استراتيجية بشأن طريقة التعامل إيران، وذلك كجزء من عمل المجموعة الاستشارية الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية ( (SCG، وهي مجموعة تمّ انشاؤها ابان عهد الرئيس أوباما لتنسيق التعاون بين الجانبين بشأن السياسة الأمثل للتعامل مع برنامج إيران النووي.

يعتقد نتنياهو وفريقه أنّ هناك فرصة ذهبية الآن لتدمير برنامج إيران النووي وسحب هذه الورقة من يد طهران وذلك بعد تقويض قدرات أذرع إيران العسكرية في المنطقة، وإضعاف قدراتها الدفاعية الصاروخية، وتراجع نفوذ وتأثير طهران مع الإطاحة بنظام الأسد، ومحاولات الحكومة العراقية تحييد نفسها عن الصراع.
ومنذ توليه منصبه في بداية هذا العام، تأرجح موقف ترامب بين الدبلوماسية والإكراه. وقد أعرب في غير مرّة عن تفضيله للتوصل إلى اتفاق بين الجانبين، حيث صرح في الأسبوع الأوّل من مارس قائلا، "آمل أن تتفاوضوا لأنه إذا اضطررنا إلى التدخل عسكريًا، فسيكون ذلك أمرًا فظيعًا". ومع هذا، فقد كانت كل دعوات ترامب للحوار مع إيران مغلّفة بالتهديد العسكري، وهو ما يتطابق مع التهديد الذي أصدره مستشار الأمن القومي مايكل والتز حينما قال انّ "جميع الخيارات مطروحة". ويمكن قراءة التصعيد الإسرائيلي المدعوم أمريكيا مؤخراً في فلسطين، ولبنان، واليمن كجزء من حملة الضغوط التي تمارسها إدارة ترامب على إيران للذهاب الى طاولة المفاوضات.

ويعتقد نتنياهو وفريقه أنّ هناك فرصة ذهبية الآن لتدمير برنامج إيران النووي وسحب هذه الورقة من يد طهران وذلك بعد تقويض قدرات أذرع إيران العسكرية في المنطقة، وإضعاف قدراتها الدفاعية الصاروخية، وتراجع نفوذ وتأثير طهران مع الإطاحة بنظام الأسد، ومحاولات الحكومة العراقية تحييد نفسها عن الصراع. ويضغط نتنياهو وفريقه على إدارة ترامب لإستغلال النافذة المفتوحة للقيام بعمل مشترك. ويدعم مثل هذا الاتجاه فريق من المسؤولين رفيعي المستوى الموالين لإسرائيل الذين عيّنهم ترامب في مناصب رفيعة وحسّاسة داخل إدارته.

من جانبها، تعارض إيران من الناحية العلنيّة التوجّه إلى طاولة المفاوضات من موقع ضعيف و/أو تحت التهديد خاصّة أنّ ذلك لن يحرمها فقط من إمكانية التوصل إلى اتفاق متوازن وإنما سيظهرها بمظهر الخاضع للإملاءات الأمريكية ـ الإسرائيلية الذي يخشى من التهديدات الموجّهة إليه. ويتصدّر هذا الإتجاه داخل إيران المرشد الأعلى علي خامنئي. ولذلك، فقد عارض خامنئي علناً رسالة ترامب ودعوة الأخير للحوار والتفاوض. وأكّد خامنئي يوم الجمعة الماضي أنّ التهديدات الأمريكية لبلاده لن تجدي نفعاً، مشيراً إلى أنّه يتعيّن عليهم وعلى آخرين أن يعرفوا أنّهم سيتلقون صفعة قويّة إذا قاموا بأي تحرّك يضرّ بايران.

ويخفي هذا الموقف المتشدّد علناً موقفاً مبطّناً مفاده أنّ إيران لا تمانع التفاوض مع إدارة ترامب لكنّها تريد أن تتجنّب أن يبدو ذلك وكأنّه استسلام. بمعنى آخر، من وجهة النظر الإيرانية، فإنّ صورة النظام الإيراني مهمّة بالنسبة للنظام داخلياً وإقليمياً، وإذا كان ترامب يريد التفاوض فعلاً فلا مانع، لكن ضمن معطيات مقبولة للطرفين. وفي هذا السياق، أشار وزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقجي، في مقابلة له في الأسبوع الأوّل من شهر مارس الحالي إلى أنّ إيران لن تتعامل مع الولايات المتحدة طالما استمر هذا الضغط، مؤكدًا أن طهران ترد على "الاحترام والكرامة"، وليس التهديدات. وقد أتبع عراقجي تصريحه هذا بتصريح آخر الخميس الماضي أشار فيه إلى أنّ بلاده ستدرس الفرص وأيضا التهديدات الواردة في رسالة ترامب.

ويتّسق هذا الموقف مع استراتيجية إيران التي تقوم على ضرورة تفادي الانخراط في حرب مع إسرائيل أو أمريكا تنتهي بتدمير البرنامج النووي الإيراني وربما سقوط النظام، وتفادي الانخراط في محادثات جدّية من موقف ضعيف تفرض على إيران شروطاً أشبه بالاستسلام. ويقتضي تحقيق هذين الهدفين إبقاء الباب موارباً إزاء إمكانية الحوار مع ترامب، ومحاولة إشراك اطراف أخرى كروسيا وأوروبا، وإطالة المفاوضات والمماطلة بشكل يسمح بمرور السنوات الأربع لإدارة ترامب دون الاضطرار الى الدخول في حرب تدمّر إيران. وربما يتطلّب هذا الأمر من إيران أيضاً في مرحلة من المراحل أن تقوم بالتفاوض على أمور ثانويّة أو أقل أهمّية من الموضوع الرئيسي اذا خفّفت واضنطن من حدّة موقفها، وذلك كي تكسب إيران ثقة ترامب وتضيّع الوقت وتتفادى المواضيع الكبرى.

نتنياهو يرى في استهداف البرنامج النووي الإيراني الآن وسيلة لتحويل أزمة 7 أكتوبر 2023 إلى انتصار استراتيجي. وتتضمّن سيناريوهات الضربة هجوماً باستخدام صواريخ باليستية أو هجمات جوّية أكثر خطورة باستخدام قنابل خارقة للتحصينات
لكنّ مهلة ترامب تشير إلى أنّ الأخير يريد كذلك تفادي سيناريو تذهب فيه إيران للمماطلة، وفي نفس الوقع يتحاشى الإنخراط المبكّر في حرب مدمّرة معها تريدها إسرائيل له. ولذلك، يُعتقد أنّ ترامب يريد إعطاء فرصة دبلوماسية حتى منتصف عام 2025، وبعد ذلك قد يؤدي عدم إحراز تقدم إلى تحول الديناميكيات نحو الخيارات العسكرية. ومع هذا، قد ترى القيادة الإيرانية في التحدي وسيلةً للحفاظ على الشرعية المحلية وردع العدوان، لا سيما في ظل أسلوب ترامب غير المتوقع وأفعاله السابقة.

وتشير معلومات إلى أنّ نتنياهو يرى في استهداف البرنامج النووي الإيراني الآن وسيلة لتحويل أزمة 7 أكتوبر 2023 إلى انتصار استراتيجي. وتتضمّن سيناريوهات الضربة هجوماً باستخدام صواريخ باليستية أو هجمات جوّية أكثر خطورة باستخدام قنابل خارقة للتحصينات، وكلاهما يتطلب دعمًا أمريكيًا من تزويد بالأسلحة والمعدات والأنظمة الدفاعية والتزود بالوقود جوًا والاستطلاع، وربما المشاركة عملياً أيضاً. وتُؤكّد موافقة إدارة ترامب على بيع المزيد من هذه القنابل لإسرائيل في أوائل فبراير ٢٠٢٥ بالإضافة إلى المناورة الجوية المشتركة بين واشنطن وتل أبيب في 4 مارس 2025، والتي شملت قاذفات بي-52 وطائرات إف ـ 15 آي/إف ـ 35 آي الإسرائيلية، على هذا التوجّه.

وبهذا المعنى، فإنّ رفض إيران التفاوض قد يزيد بشكل كبير من فرص اتخاذ إجراء أمريكي و/أو إسرائيلي. وتشير التقييمات إلى أن الضربة قد تؤخر برنامج إيران لأشهر فقط، مما قد يدفعها إلى السعي للحصول على القنبلة النووية بأي ثمن، وهو خط أحمر لكلا البلدين، من شأن التأكّد من صحّته أن يعجّل على الأرجح من ضربة محتملة في ظل موقف نتنياهو المتشدد ونفوذه داخل الإدارة الأمريكية إذا استمرت إيران في تصلبها.
التعليقات (0)

خبر عاجل