قضايا وآراء

زيارة ترامب للخليج.. أو مرحلة التعرية المتعجرفة

بحري العرفاوي
"ترامب يمارس فنون الإهانة على بعض قادة العرب"- جيتي
"ترامب يمارس فنون الإهانة على بعض قادة العرب"- جيتي
هذا زمنُ الغَلبة، ولا معنى فيه لخطاب اللياقة وأساليب اللباقة، ولا جدوى فيه للبروتوكول التقليدي في التعامل بين مسؤولي الدول وقادة البلدان، هو زمنٌ للأقدر على الفعل وليس للأبلغ خطابة ولا للأجمل بيانا ولا للألطف صوتا، فقد انقضى زمن مسرحة السياسة؛ حيث يتدرب الساسة لمدة طويلة على فنون الخطابة وعلى كيفيات الحضور الرسمي؛ حيث حركة الأيدي وإشارات الأصابع واستدارات الرأس، وحيث يكون السياسي الأبرع هو الأقدر على سحر الجماهير بل وعلى تحقيق الهيمنة النفسية على الطرف المقابل من سياسيي الداخل أو قادة الخارج.

كانت الجماهير في أغلب بلدان العوالم المتخلفة تنظر إلى زعمائها على أنها صانعة انتصارات وقاهرة الأعداء وحامية حمى الأوطان والدين، ولا أحد من عموم الناس كان يتصور أن قائدا عربيا يمكن أن يكون خاضعا لأوامر خارجية أو يمكن أن يتلقى معاملة سيئة من أي قائد أجنبي؛ دون أن يكون له موقف منتصر لكرامته ولكرامة بلاده وعزة شعبه وشرف أمته.

لم تتكشّف معايبُ النظام العربي الرسمي كما تكشّفت بعد طوفان الأقصى، حيث ظهر القادة العرب منهزمين عاجزين وجبناء، بل وبعضهم انكشف مشاركا في جريمة الإبادة ضد أبناء غزة

لم تتكشّف معايبُ النظام العربي الرسمي كما تكشّفت بعد طوفان الأقصى، حيث ظهر القادة العرب منهزمين عاجزين وجبناء، بل وبعضهم انكشف مشاركا في جريمة الإبادة ضد أبناء غزة، لقد بدا قادة أغلب الدول العربية في وضعية المهزوم؛ لا يقدرون حتى على قول كلمة حق ولا على إطلاق صرخة حقيقية ضد قادة الكيان الغاصب وضد قادة الدول الكبرى الداعمة بالسلاح وبالمال وبالمواقف لحرب الإبادة ومشاريع التهجير التي لم تتوقف منذ انغراس هذا الكيان الغريب على منطقتنا وعلى أمتنا.

ما يصدر من حين لآخر من تصريحات وبيانات إدانة، يُطلقها "قادة" عرب، لم تعد تعني شيئا بالنسبة لشعوبنا ولم تعد تزعج المعتدين وحلفاءهم، الجميع يعرفون أنها بلاغة العاجزين بل وصرخات شركاء الجريمة يمشون في جنازات ضحاياهم ويظنون أنهم يصرفون عن أنفسهم شُبهة المشاركة في جريمة.

لقد كان ترامب واضحا وصريحا إلى حدّ نزع كل ما تبقى من غشاوات على أعين السّذّج من عموم أقوامنا؛ ما زالوا يعتقدون أن زعماءَ من العرب تعنيهم سيادة أوطانهم وكرامة شعوبهم ومهابة أمتهم وقداسة قضيتهم.

كان حددّ مطالبه قبل الزيارة، بل هي أوامرُه أطلقها بكل عنجهية وجشع ومن غير تقاليد بروتوكولية معهودة، كان متعجرفا وهازئا ومُهينا، وليس إهانة أكبر من أن يعتبرهم سُذّجا بلهاء حين قال -بعد أن "حَلبَهم"- إنه وجدهم بحاجة إلى الحب فأعطاهم إياه، وقال إن "بايدن لم يُعطِهم إلا قبضة يده".

ما من مواطن حر، إلا ويؤلمه أن يُهان زعماء دول عربية كبرى في مساحاتها أو في ثرواتها أو في عدد سكانها، فتلك الإهانات تتجاوز ذواتهم الخاصة لتنال من كرامة الأوطان ومن عِزّة الشعوب، وهو ما يقصده جبابرة العالم الرأسمالي

عادة، قادة الدول يستمدون قوتهم من وقوف شعوبهم معهم حتى وإن كانت بلدانهم أقل قوة اقتصاديا وعسكريا، فالشعوب هي القوة التي يهابها جبابرة العالم وقد علمهم التاريخ أن الشعوب المؤمنة بعدالة قضاياها لا يمكن أن تُهزم مهما تعاظمت تضحياتها ومهما طالت سنوات مقاومتها، فأصحاب الحق هم الأقدر على الصبر وهم الأكثر تحملا لتكاليف معارك التحرر.

غير أن هؤلاء القادة لا هم يمتلكون أسرار "قوتهم العسكرية"، ولا هم يحظون بشعبية تجلب لهم هيبة وتُكسبهم مهابة فلا يستصغرهم ظالمٌ ولا يحتقرهم متجبّرٌ.

إن ترامب وهو يمارس فنون الإهانة على بعض قادة العرب، كان يعلم أنهم في العراء، وكان يتعّمد المزيد من تعريتهم حتى لا يبقى لهم ما يتعللون به من كونهم يخشون شعوبهم وكونهم يحتاجون تدرّجا في بلوغ مرحلة "الاستسلام التام"، أي مرحلة التطبيع العلني مع الكيان الغاصب.

ما من مواطن حر، إلا ويؤلمه أن يُهان زعماء دول عربية كبرى في مساحاتها أو في ثرواتها أو في عدد سكانها، فتلك الإهانات تتجاوز ذواتهم الخاصة لتنال من كرامة الأوطان ومن عِزّة الشعوب، وهو ما يقصده جبابرة العالم الرأسمالي الغالب حين "يُنكّلُون" علنا وعلى مرأى ومسمع الساسة والمثقفين والدعاة وأجهزة الدول دون أن يتوقعوا غضبةً أو ردة فعل.

لقد علمنا التاريخُ أن مَكرَهُ مُودَعٌ في غباء المتجبّرين، وأنهم حين يبلغون فيه أوجَ عبثهم لا تتأخرُ سُننُه، فإذا هي "البطشةُ الكبرى" تنتقم فيها الشعوب لكرامتها المُخَبّأة في أعماقها؛ لا نعلم لها موعدا وإنما نعلمُ يقينا حتميتها بما هي مواتاة النتائج للأسباب.

x.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)

خبر عاجل