قضايا وآراء

ما بعد حرب إيران والكيان.. ومستقبل الصراع في غزة

محمد عماد صابر
"بينما كانت الأنظار على "المواجهة الكبرى" في سماء طهران وتل أبيب، كانت الإبادة تُستكمل على الأرض في غزة بصمت دولي وعربي"- جيتي
"بينما كانت الأنظار على "المواجهة الكبرى" في سماء طهران وتل أبيب، كانت الإبادة تُستكمل على الأرض في غزة بصمت دولي وعربي"- جيتي
بين صخب الأحداث وهدوء الوعي انتهت اليوم الحرب المحدودة بين إيران والكيان الصهيوني، بينما ما يزال الكيان الصهيوني يبيد أهل غزة منذ شهور دون أن يحقق نصرا حقيقيا.

وبينما يروج البعض أن الصهيونية العالمية انتصرت، فإن الحقيقة أبعد من ذلك. في هذا المقال نُجري وقفة هادئة وعميقة لقراءة نتائج هذه الجولة المركّبة، وانعكاساتها على المنطقة، وعلى مستقبل المواجهة بين الأمة وأعدائها.

رغم المجازر والدمار والقتل اليومي لأهل غزة، لم ينجح الاحتلال في تحقيق أهدافه الكبرى: لم يتمكن من كسر شوكة المقاومة، لم ينجح في تحرير أسراه، لم يصل إلى قادة حماس، إلا صدفة في قلب المعركة، لم يُهجر أهل غزة رغم الوحشية، لم يفرض الاحتلال سيطرة ميدانية تُذكر. بل إن ما حدث أقرب إلى حالة انهيار أخلاقي وعسكري ونفسي للعدو، مقابل صمود أسطوري لشعب أعزل إلا من الإيمان.

التحالف الصهيوني الغربي يعمل بخطى مدروسة نحو أهدافه، وقد حقق خلال الأشهر الأخيرة بعض المكاسب: إنهاك المقاومة ميدانيا، تعرية الأنظمة العربية وتوريطها في الخذلان أو التطبيع، تصفية شخصيات محورية في فصائل المقاومة، تصعيد الاضطراب في المنطقة لتشتيت الخصوم.. ولكن هذه المكاسب ليست نصرا حاسما

ثم جاءت حرب إيران والكيان، كرسائل متبادلة دون كسر العظم، لم تكن معركة شاملة، بل جولة رسائل استراتيجية محسوبة: إيران أثبتت قدرتها على الرد والوصول، دون الذهاب لحرب كبرى، والكيان الصهيوني ظهر عاجزا عن ردع إيران منفردا، أمريكا تدخلت لاحتواء التصعيد وحماية الكيان، مما أكد هشاشته.

لكن الأهم، الحرب لم تُخفف من جرائم الاحتلال في غزة، ولم توقف الإبادة الجماعية. وهنا تتضح المفارقة: بينما كانت الأنظار على "المواجهة الكبرى" في سماء طهران وتل أبيب، كانت الإبادة تُستكمل على الأرض في غزة بصمت دولي وعربي.

وبعد توقف الحرب بين طهران والكيان، يبرز السؤال: هل انتصرت الصهيونية العالمية فعلا؟..

نعم، التحالف الصهيوني الغربي يعمل بخطى مدروسة نحو أهدافه، وقد حقق خلال الأشهر الأخيرة بعض المكاسب: إنهاك المقاومة ميدانيا، تعرية الأنظمة العربية وتوريطها في الخذلان أو التطبيع، تصفية شخصيات محورية في فصائل المقاومة، تصعيد الاضطراب في المنطقة لتشتيت الخصوم.. ولكن هذه المكاسب ليست نصرا حاسما، بل قد تتحول إلى أعباء استراتيجية طويلة المدى في حال نهضت الأمة وردّت بشكل منظم وشامل.

أمريكا شريك كامل في الجريمة، فهي ليست مجرد داعم للكيان، بل هي الفاعل الأهم في مسلسل الإبادة: تموّل، تسلّح، تحمي سياسيا، وتمنع أي محاسبة دولية، تفرض صمتا على المؤسسات الدولية، وتحول دون وقف إطلاق النار، ترعى توسع الكيان باعتباره وكيلا أمنيا في المنطقة.. أمريكا هي القاتل بوجه ديمقراطي، وهي بلطجي المنطقة الرسمي.

وأما العرب فبين أنظمة صامتة وشعوب مقموعة. لم يكن الصمت العربي مفاجئا، بل هو نتيجة طبيعية لعقود من التفكك والتبعية، لكن الشعوب العربية، رغم القمع، لا تزال تحمل نبضا حيا لفلسطين. دول الخليج، رغم المال والسلاح، تزداد هشاشة أمام شعوبها الغاضبة، وحالة "اللا موقف" الرسمية باتت خيانة معلنة، ووقودا للغضب القادم.

وأما بخصوص المطبلين وتحالف الصهيونية المسيحية، فالحرب على غزة، كما الحرب الإعلامية، كشفت حجم الاختراق الثقافي والإعلامي الذي تمارسه الصهيونية المسيحية داخل العالم العربي والإسلامي: مؤسسات إعلامية تبرر للعدو، "مفكرون" و"دعاة" ينشرون التطبيع باسم "الواقعية"، تسويق فكرة أن "المقاومة مغامرة عبثية". هذا الانكشاف يُمكّن الأمة من تحديد الخنادق، والتمييز بين العملاء والشرفاء.

مستقبل الصراع في الأمة الإسلامية مَن التالي؟.. سوريا، تركيا، باكستان؟

في ظل الصمت الدولي، والتواطؤ العربي، وانشغال الشعوب بقضايا داخلية، قد تكون الدول المرشحة للجولات القادمة هي:

سوريا: عبر تفجير التوازنات أو إعادة استخدام النظام كأداة وظيفية جديدة.

تركيا: عبر الضغط الاقتصادي والإعلامي وتحريك ملفات الداخل.

باكستان: عبر استهداف هويتها الإسلامية ومؤسساتها العسكرية.

على هذه الدول أن تستيقظ قبل أن تجد نفسها في قلب الإعصار، وأن تعرف أن العدو لا يفرق بين فصيل ودولة، بين مقاوم ورسمي.

غزة.. الصمود الذي أسقط أسطورة إسرائيل

رغم الجراح والمجازر، فإن غزة لا تزال تقاتل: لم تُهزَم، لم تستسلم، لم تهرب المقاومة، بل بقيت في الميدان. أهل غزة صامدون، يجوعون لكن لا يفرون، يُقصفون لكن لا يُهزَمون.

أما الصهاينة، فهم الذين هربوا، فقد ظهرت هشاشة مجتمعهم، وانعدام انتمائهم، فهم مجرد مغتصبين بلا أرض ولا جذور.

ما القادم؟ نحو مشروع مقاومة شامل
الكيان لم يربح، بل هرب.. الصهيونية لم تنتصر، بل فضحت نفسها أكثر. إيران أرسلت الرسائل، لكن غزة وحدها نزفت

إذا كانت هذه الجولة كشفت حجم العجز العربي والوحشية الصهيونية، فإنها في المقابل أكدت أن النصر لا يأتي بالعدد بل بالإرادة. الأمة بحاجة إلى ميثاق مقاومة شامل يدمج القوى الإسلامية، ويجمع الشتات.

المعركة ليست فقط على الأرض، بل على الوعي، والتعليم، والثقافة، والقيم. الجيل القادم هو الأمل الحقيقي، وتربيته على الوعي والمقاومة أولى أولويات المشروع الإسلامي.

وختاما: هل نخسر الجولة أم نربح المعركة؟

الكيان لم يربح، بل هرب.. الصهيونية لم تنتصر، بل فضحت نفسها أكثر. إيران أرسلت الرسائل، لكن غزة وحدها نزفت.

أمريكا هي العدو الحقيقي، والعرب في اختبار وجودي، والمقاومة، رغم الألم، أثبتت أنها شرف هذه الأمة. المعركة مستمرة، ومن لم يدرك أنه مستهدف اليوم، سيُستهدف غدا.

ان أهم إفرازات طوفان الأقصى أنه وضع بوصلة الأمة على الطريق الصحيح لتحرير فلسطين. فبرغم وجع غزة الكبير فقد أدركت الأمة هشاشة الصهيوني وقابليته للهزيمة، والأهم أنها أدركت أن عدوها الحقيقي هو الاستعمار الغربي بوجهه الأمريكي المتعجرف..

 كما أدرك العالم بأسره كذب السردية الإسرائيلية عن أرض الميعاد وانحطاط الصهيوني وحلفائه، قَتَلة النساء والأطفال.

إن هذه الأحداث الجسام وضعت قضية فلسطين الآن على طريق التحرير.. الطريق الذي سارت فيه من قبل فيتنام والجزائر وأفغانستان..
التعليقات (0)

خبر عاجل