في ظل
الظروف الحساسة التي تشهدها الجمهورية العربية السورية على الصعيدين الداخلي
والخارجي، وعلى إثر الاشتباكات التي بدأت بين مجموعات درزية ومسلحين من العشائر
البدوية، في محافظة
السويداء جنوبي البلاد، والتي اتخذت في البداية طابعا عشائريا،
سرعان ما تطورت إلى صدامات مسلحة مفتوحة بالأسلحة الثقيلة، تدخل الجيش السوري على
الفور لاستعادة الأمن في المحافظة، لكن المشهد تحول إلى مواجهة ثلاثية الأطراف بين
مجموعات درزية مسلحة وفصائل عشائرية ووحدات من الجيش السوري، توسعت الاشتباكات
لتشمل أطراف محافظة السويداء وريفها، ثم تصاعدت حدتها مع تدخل الطيران الحربي
"
الإسرائيلي" الذي شن غارات جوية على مواقع تابعة للجيش السوري بحجة
حماية الطائفة الدرزية. ازداد التوتر بعد عبور عدد من الشبان الدروز من الأراضي
الفلسطينية المحتلة إلى الأراضي السورية للانضمام إلى المواجهات، مما ينذر
بسيناريو بالغ الخطورة، ويشير إلى رغبة "إسرائيلية" في تفجير الأوضاع
بالكامل.
مع
تصاعد التوتر في محافظة السويداء منذ الأحداث التي اندلعت في منتصف يوليو/تموز
2025، ألقى الرئيس السوري أحمد
الشرع خطابا متلفزا فجر يوم الخميس، وذلك في أعقاب
غارات جوية "إسرائيلية" استهدفت محيط قصر الشعب وقيادة الأركان في دمشق
ومواقع في السويداء والجنوب السوري، وقد أعاد الخطاب صياغة معادلة الردع الوطنية
في مواجهة التهديدات "الإسرائيلية" المتزايدة، مؤكدا أن الدولة السورية
اختارت حماية الوطن ووحدة أراضيه بدلا من الانجرار إلى حرب جديدة، على الرغم من
استعدادها لخوضها. وجاء ذلك بعد ساعات من الإعلان عن اتفاق تهدئة في محافظة
السويداء عقب أيام من المواجهات المسلحة والتدخلات الخارجية، وعلى رأسها التصعيد
"الإسرائيلي" العسكري والسياسي.
يعكس هذا التصريح تحولا في التعاطي الرسمي مع أحداث السويداء، من موقف صدامي إلى اعتماد الوساطة المحلية، خاصة مع تصاعد الاستقطاب الطائفي ومحاولات بعض القوى الخارجية، وفي مقدمتها "إسرائيل"، تضخيم الأزمة وتوظيفها لزيادة تفتيت سوريا
واستهل
الشرع كلمته بتأكيد ما وصفه بالموقف الوطني الثابت، قائلا: لسنا ممن يخشى الحرب،
لكننا قدمنا مصلحة الشعب على الفوضى، وأضاف أن خيار بلاده ليس ضعفا، بل تغليبا
للمصلحة الوطنية العليا، مؤكدا أن الدولة السورية تدخلت بكل مؤسساتها لإيقاف ما
وصفه بالاقتتال الداخلي المؤسف في السويداء، وتمكنت من استعادة قدر من الاستقرار
بالتعاون مع مشايخ العقل والفصائل المحلية.
بلهجة
حازمة، صرح الرئيس السوري بأن "إسرائيل" سعت إلى تقويض اتفاق وقف إطلاق
النار الذي تم التوصل إليه، لولا التدخلات العربية والأمريكية والتركية، وأوضح أن
الكيان "الإسرائيلي" يحاول منذ سقوط النظام السابق تحويل
سوريا إلى ساحة
صراع وتفكيك شعبها، مؤكدا أنه لا مكان لتنفيذ أطماع الآخرين في أرضنا.
وفي السياق ذاته، أعاد التأكيد على ثوابت الشعب السوري، الذي لطالما رفض التقسيم
والتفتيت، قائلا: "نحن أبناء هذه الأرض، والأقدر على تجاوز مؤامرات الخارج"،
داعيا الشعب السوري إلى الالتفاف حول الدولة لبناء سوريا جديدة، خالية من التدخلات
الخارجية وساحة للصراعات الدولية.
وأطلق
وزير الدفاع "الإسرائيلي" كاتس، تصريحات تحريضية عنصرية، زاعما أن رسائل
التحذير انتهت، ومتوعدا النظام السوري بضربات موجعة في حال لم يُظهر حسن نية تجاه
الدروز، على حد تعبيره. وتعكس هذه التصريحات، التي أعقبت سلسلة هجمات
"إسرائيلية" متواصلة، استعلاء واستهانة بالسيادة السورية، وتعيد إلى
الأذهان سياسات الاحتلال التي تستغل التوترات الداخلية لفرض وصايتها أو لعب دور
الوصي الأخلاقي على الأقليات، في حين أنها تنتهك القانون الدولي وتحتل أراضي عربية
منذ عقود.
ولم
يتأخر الرد السوري الرسمي، حيث أشار الرئيس إلى أن دمشق لن تسمح بأن تكون ساحة
تجارب لمؤامرات الخارج، مؤكدا أن الشعب السوري كله، بمن فيه الدروز، يشكل نسيجا
واحدا لا تقبل الدولة تمزيقه أو اللعب على اختلافاته.
وفي معرض حديثه عن الاتفاق الأخير في السويداء، صرح الرئيس الشرع بأن الحكومة قررت
تكليف بعض الفصائل المحلية ومشايخ العقل باستعادة الأمن، وأضاف أن أهلنا من الدروز
جزء أساسي من نسيج الوطن، وحمايتهم أولوية قصوى لدينا.
رسائل الرئيس الشرع تعكس ثقة بالنفس وتماسكا وطنيا في مواجهة الاحتلال، والملفت في خطابه أنه لم يقتصر على التهديد، بل أكد على هوية سوريا الجامعة ورفض أي مشاريع تمزيق أو وصاية، موجها رسالة إلى الداخل والخارج مفادها أن دمشق لن تكون لقمة سائغة للاحتلال ولا ساحة لأطماعه
يعكس هذا التصريح تحولا في التعاطي الرسمي مع أحداث السويداء، من موقف صدامي إلى
اعتماد الوساطة المحلية، خاصة مع تصاعد الاستقطاب الطائفي ومحاولات بعض القوى
الخارجية، وفي مقدمتها "إسرائيل"، تضخيم الأزمة وتوظيفها لزيادة تفتيت
سوريا.
وقد أفضت الوساطة التي رعتها دول عربية وتركيا والولايات المتحدة، كما كشف الشرع،
إلى وقف إطلاق نار هش، ولكنه مهم، حال دون تفاقم الاقتتال الأهلي، وأظهرت الدولة
السورية في هذا السياق رغبة في استعادة السيطرة لا بالحلول العسكرية القسرية فقط،
بل بالاحتواء السياسي والمجتمعي.
لكن الشرع لم يغفل عن إطلاق تحذيراته قائلا: إن بناء سوريا الجديدة يتطلب التفافا
شعبيا ورفضا لمشاريع التقسيم، ملمحا بذلك إلى استمرار خطر المشاريع الخارجية، سواء
القادمة من الغرب أو من الاحتلال "الإسرائيلي"، الذي يسعى دائما إلى
استغلال التناقضات الداخلية.
ختاما،
يمكن القول إن رسائل الرئيس الشرع تعكس ثقة بالنفس وتماسكا وطنيا في مواجهة
الاحتلال، والملفت في خطابه أنه لم يقتصر على التهديد، بل أكد على هوية سوريا
الجامعة ورفض أي مشاريع تمزيق أو وصاية، موجها رسالة إلى الداخل والخارج مفادها أن
دمشق لن تكون لقمة سائغة للاحتلال ولا ساحة لأطماعه.
وتأتي
كلمة الرئيس الشرع في لحظة مفصلية لتُظهر تداخل المعارك المحلية والإقليمية في
سوريا، وتُبين حجم التحديات التي تواجه الدولة السورية ما بعد الأزمة، وفي
المقابل، تحاول "إسرائيل" فرض معادلة جديدة عبر سياسة القوة والتدخل في
الشأن السوري، واستثمار كل توتر داخلي لتوسيع نفوذها وفرض معادلات جديدة على
الأرض، وهي تدرك أن أي تفكك في البنية الداخلية السورية يُعد فرصة استراتيجية لا
يمكن تفويتها لتحقيق هدفها المتمثل في تفكيك ما تبقى من وحدة سوريا الوطنية.