المقدمة
في
الأسابيع الأخيرة، تسابقت دول كبرى -من إنجلترا إلى فرنسا، مرورا بكندا ودول أخرى-
للاعتراف مجددا بدولة
فلسطين. عناوين براقة تتصدر نشرات الأخبار: "الشرعية
الدولية تنتصر"، "الحقوق تعود لأصحابها"، "العالم ينصف
الفلسطينيين". لكن وسط هذه الضجة، يطل سؤالٌ بارد وصادم: هل كنا، كشعوب عربية
وفلسطينية، ننتظر اعترافا بما هو موجود أصلا؟ فلسطين لم تُخلق بورقة توقيع في مجلس
الأمن، ولا سيُثبت وجودها تصريح رئيس أو بيان وزراء. فلسطين باقية رغم أنف الجميع،
باقية بدماء الشهداء، بصمود أهلها، وبجذور الزيتون التي لم تقتلعها جرافات
الاحتلال منذ أكثر من سبعين عاما.
لكنّ
الخطورة أن يُستَخدم هذا
الاعتراف كأداة سياسية معكوسة: بدل أن يكون خطوة على طريق
التحرير، يتحوّل إلى غطاء لجرائم جديدة وشرعنة لخطط التهجير والضمّ. هنا، تتكشف
خديعة كبرى قد يكون ضررها أكبر من نفعها.
الخطورة أن يُستَخدم هذا الاعتراف كأداة سياسية معكوسة: بدل أن يكون خطوة على طريق التحرير، يتحوّل إلى غطاء لجرائم جديدة وشرعنة لخطط التهجير والضمّ. هنا، تتكشف خديعة كبرى قد يكون ضررها أكبر من نفعها
الاعتراف
الدولي.. ورقة بلا روح
من
الناحية الشكلية، الاعتراف بدولة فلسطين خطوة مهمّة، فهي تمنح شرعية سياسية
وقانونية للشعب الفلسطيني، وتضع الاحتلال في خانة المحاصَر دوليا. لكن في العمق،
تبقى هذه الاعترافات بلا قوة تنفيذية.
هل أوقفت
الاعترافات الاستيطان في الضفة؟
هل منعت
جدار الفصل العنصري من التمدد؟
هل رفعت
الحصار عن غزة أو منعت قتل الأطفال في مخيمات رفح وخان يونس؟
الإجابة
المؤلمة: لا. على العكس، قد تمنح هذه الاعترافات قادة الاحتلال ذريعة جديدة
ليقولوا: "ها هي
دولة فلسطين على الورق، إذن من حقنا أن نُحكم قبضتنا على ما
تبقّى من الأرض ونُنجز مشروعنا حتى النهاية".
الضفة في
مهبّ الضمّ.. وغزة على حافة التهجير
خطر
الاعتراف لا يكمن في كونه بلا جدوى فقط، بل في كونه سلاحا مزدوجا بيد الاحتلال.
رئيس وزراء الكيان المحتل يستطيع بسهولة أن يستخدم هذه الخطوة ليبرر ضمّ الضفة
الغربية كاملة، بحجة أن ما تبقى من الأرض هو "الدولة الفلسطينية المعترف بها".
أما غزة،
فهي أمام سيناريو أخطر: التهجير الجماعي إلى سيناء تحت عنوان "الحل الإنساني"،
أو دفع أهلها نحو الأردن وسوريا ولبنان. الاعتراف هنا قد يكون المسمار الأخير في
نعش حق العودة، حين تتحول القضية من "تحرير الأرض" إلى "إدارة
لاجئين" وتوطينهم خارج فلسطين.
فلسطين
ليست ورقة للتصويت
الواقع
الذي يتجاهله العالم الغربي أن فلسطين لم تولد في قاعات الأمم المتحدة. فلسطين لم
تُنحت في مكاتب لندن أو باريس أو أوتاوا، فلسطين ولدت في يافا وحيفا والقدس وغزة،
في دماء الثوار، في صمود المخيمات، في زغاريد الأمهات اللواتي يودّعن أبناءهن على
أبواب المقابر.
لذلك، أي
اعتراف يأتي من الخارج لن يكون أكثر من ورقة، والأوراق لا تحرر أرضا ولا تحمي شعبا.
ما يحرر الأرض هي المقاومة، وما يحمي الشعب هو وحدته وصموده. أما الاعترافات
الدولية فهي مثل قشّة تُلقى في بحر هائج، تبدو لامعة للحظة ثم تختفي في العدم.
خديعة
السلام.. واستراتيجية التفريغ
فلسطين ليست بحاجة إلى اعتراف جديد كي تثبت وجودها، فلسطين موجودة لأنها تنبض في دم كل فلسطيني وتهتف بها كل حنجرة عربية حرة. الاعترافات مهمة كأدوات سياسية، لكنها تتحول إلى خديعة إن لم ترتبط بمشاريع واقعية لحماية الأرض ومنع الضمّ والتهجير
إسرائيل
بارعة في تحويل كل انتصار شكلي للفلسطينيين إلى مكسب استراتيجي لها. حدث ذلك في "أوسلو"
حين تحولت السلطة الفلسطينية من مشروع دولة إلى أداة ضبط أمني للاحتلال. واليوم،
قد يتكرر المشهد مع "موجة الاعترافات" التي يجري تسويقها كأنها فجر جديد.
الحقيقة
أن هذه الاعترافات قد تُستخدم لإعادة تسويق مشروع "حل الدولتين" الذي لم
يعد موجودا سوى في خطابات الساسة الغربيين؛ حلٌّ يقوم على تجزئة الأرض، ونزع
السلاح، ودفن حق العودة، وإبقاء الفلسطينيين أسرى بين جدار وسلاح واحتلال.
الخاتمة
فلسطين
ليست بحاجة إلى اعتراف جديد كي تثبت وجودها، فلسطين موجودة لأنها تنبض في دم كل
فلسطيني وتهتف بها كل حنجرة عربية حرة. الاعترافات مهمة كأدوات سياسية، لكنها
تتحول إلى خديعة إن لم ترتبط بمشاريع واقعية لحماية الأرض ومنع الضمّ والتهجير.
إننا أمام
مفترق طرق: إمّا أن نحتفي باعترافات الغرب ونكتفي بالتصفيق، أو نستخدمها كوسيلة
ضغط حقيقية لفرض وقائع على الأرض.
سؤال
للقراء..
هل
تعتقدون أن موجة الاعترافات الأخيرة بدولة فلسطين تُقربنا خطوة من التحرير، أم
أنها مجرد ورقة جديدة في لعبة دولية لا تخدم إلا الاحتلال؟