تحت شعار "
جيل زد قادم"، انتشرت في الأيام الأخيرة عبارات ورسومات غرافيتي في عدد من أحياء القاهرة الكبرى، كتبها شبان مجهولون على الجدران والجسور ومحطات المترو.
تحمل الرسائل القصيرة التي لم تكن مجرد ظاهرة فنية عابرة توقيع "Z"، وبدأت كأصداء قادمة من
المغرب، حيث أشعلت احتجاجات "جيل زد" هناك موجة تفاعل إقليمي تجاوزت حدود الرباط لتصل إلى قلب العاصمة
المصرية.
من الرباط إلى القاهرة.
لم تعد انتفاضة جيل زد في المغرب حدثا محليا محصورا في سياق اجتماعي أو سياسي ضيق، بل تحولت إلى إشارة إنذار إقليمية تثير قلق أنظمة المنطقة، وفي مقدمتها النظام المصري.
فالقاهرة، التي ما زالت تعيش في ظل ثورة كانون الثاني/يناير 2011، تستشعر ارتدادات أي حراك شعبي مهما كان بعيدا، إذ يكفي أن يتردد الهتاف في شوارع الرباط أو تونس أو بيروت حتى يتوتر ميدان التحرير، وكأن السؤال المؤجل يعود للواجهة: هل يمكن أن يتكرر الحراك؟
جيل رقمي لا يعترف بالوصاية
لا تتعلق المخاوف الرسمية فقط باتساع رقعة الاحتجاجات أو سقف المطالب، بل بجوهر الحراك نفسه؛ فجيل زد هو جيل رقمي لا يؤمن بالوصاية، ولا يحتاج إلى مؤسسات تقليدية ليعبر عن ذاته أو يطالب بحقوقه.
وينشط في البداية عبر منصات ألعاب إلكترونية لا تصل إليها الأنظمة٬ ثم ينتقل عبر الميادين، ويعتبر أن التغيير فعل مباشر لا ينتظر ترخيصا ولا تفويضا. وهو ما يجعل التعامل معه أكثر تعقيدا بالنسبة للأنظمة التي اعتادت إدارة المعارضة عبر القنوات التقليدية، من الأحزاب إلى النقابات والإعلام الرسمي.
اظهار أخبار متعلقة
ثقل ديموغرافي متصاعد في مصر والمغرب
يشكل "جيل زد" في كل من مصر والمغرب رقما صعبا في المعادلة الديموغرافية. فوفق بيانات الإحصاء العام للسكان والسكن لعام 2024، يبلغ عدد الشباب المغاربة بين 15 و29 عاما نحو 8.2 ملايين نسمة من أصل 36.8 مليونا، أي ما نسبته 25% من إجمالي السكان، وهو ما يجعلهم قوة بشرية مؤثرة يصعب تجاهلها.
وفي مصر، تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عدد الشباب في الفئة العمرية ذاتها يبلغ 21.3 مليون نسمة بنسبة 19.9% من إجمالي السكان، بينهم 51.9% ذكور و48.1% إناث. أما في الفئة العمرية من 15 إلى 24 عاماً، فيصل العدد إلى 18.8 مليون شاب يمثلون 17.5% من السكان، ما يعكس ثقل هذه الفئة داخل المجتمع المصري.
ورغم ما ينص عليه الدستور المصري من تخصيص 7% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على الصحة والتعليم (3% للصحة و4% للتعليم)، فإن ما ينفق فعليا لا يتجاوز 2.7% فقط، بحسب التقديرات المستقلة، أي أقل من نصف المخصص دستوريا. هذا التراجع انعكس بشكل مباشر على جودة التعليم، حيث تحتل مصر المرتبة 95 عالميا وفق مؤشر منتدى "دافوس" الاجتماعي الاقتصادي، بينما تشير تقارير أخرى إلى تراجعها إلى المرتبة 139، وهو ما نفته وزارة التربية والتعليم رسمياً.
بطالة وفقر.. مستقبل غامض لجيل كامل
على صعيد آخر، بلغت معدلات البطالة في مصر نحو 6.1% خلال الربع الثاني من عام 2025 ، بعدد عاطلين تجاوز 2.05 مليون شخص من أصل 33.6 مليوناً هم إجمالي القوة العاملة، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
كما ساهمت الأوضاع الاقتصادية المتردية في ارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة. فبحسب آخر "بحث للدخل والإنفاق" نشر عام 2020، بلغ معدل الفقر 29.7%، وارتفع في بحث عام 2021/2022 (الذي لم يُنشر رسمياً) إلى 34%، أي أن نحو 34 مليون مصري يعيشون بدخل لا يتجاوز دولاراً واحداً يومياً (47.6 جنيهاً).
مصطلح "الجيل زد" يطلق على من ولدوا بين منتصف التسعينيات وبداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أي بين عامي 1997 و2012 وفقاً لتعريف مركز بيو للأبحاث.
هؤلاء نشأوا في بيئة رقمية بالكامل، حيث الهواتف الذكية ومنصات التواصل ليست أدوات بل امتدادات لهويتهم الاجتماعية والثقافية.