قضايا وآراء

كيف يمثل مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين انقلابا على المواثيق الدولية؟

محمد كرواوي
" الاعتقال نفسها تعاني من فوضى قانونية وتعتيم ممنهج، وأن احتمال وقوع تجاوزات أو تصفية داخل السجون قائم"- وفا
" الاعتقال نفسها تعاني من فوضى قانونية وتعتيم ممنهج، وأن احتمال وقوع تجاوزات أو تصفية داخل السجون قائم"- وفا
يتقدم داخل الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يقضي بفرض عقوبة الإعدام على من يدان بقتل إسرائيليين بدافع قومي أو "إرهابي"، وهو مشروع يحظى بدعم واضح من وزراء اليمين المتطرف ورئاسة الحكومة. وهذه المبادرة ليست جديدة، إذ أعيد إحياؤها بعد أن ظلت مجمدة منذ عام 2018، حين طرح حزب "إسرائيل بيتنا" مبادرة مماثلة، ثم تبنتها "القوة اليهودية" بزعامة إيتمار بن غفير الذي جعل منها شعارا انتخابيا تحت عنوان "الردع ضد الإرهاب".

في الأول من آذار/ مارس 2023 صادق الكنيست في قراءة تمهيدية على مشروع "الإعدام لمنفذي العمليات الإرهابية" بأغلبية 55 صوتا مقابل 9 معارضين، ثم أعادت لجنة الأمن القومي في 28 أيلول/ سبتمبر 2025 إدراجه على جدول الأعمال، وفي الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 أحيل رسميا إلى الجلسة العامة بدعم من نتنياهو وبن غفير، ما يجعله أقرب من أي وقت مضى إلى أن يصبح قانونا نافذا.

يثير جوهر المشروع أسئلة عميقة على صعيد العدالة، إذ يفتح الباب أمام تطبيق الإعدام حصرا على الفلسطينيين المدانين بقتل إسرائيليين، دون أن يشمل المستوطنين أو الجنود الذين يقتلون فلسطينيين بدوافع قومية. وهذا التمييز يمنح القانون طابعا عنصريا يخالف مبدأ المساواة أمام القضاء، خصوصا أن صيغته الغامضة لمصطلحات مثل "الإرهاب" و"الدافع القومي" تتيح تطبيقه انتقائيا داخل منظومة محاكم عسكرية متهمة بانتهاك معايير المحاكمة العادلة.

ثير جوهر المشروع أسئلة عميقة على صعيد العدالة، إذ يفتح الباب أمام تطبيق الإعدام حصرا على الفلسطينيين المدانين بقتل إسرائيليين، دون أن يشمل المستوطنين أو الجنود الذين يقتلون فلسطينيين بدوافع قومية

كما أن إسرائيل لم تنفذ أي حكم بالإعدام منذ محاكمة أدولف أيخمان عام 1962، ما يجعل العودة إلى هذه العقوبة تحولا جذريا في فلسفة نظامها القضائي.

ولا يقدم الجانب الأمني مبررا مقنعا لهذا المشروع؛ فالحكومة تعرضه كوسيلة ردع، لكن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نفسها لم تبد حماسة له. وقد كشفت تقارير أن مسؤولين في جهاز الشاباك حذروا من أن إعدام الأسرى الفلسطينيين قد يدفع فصائل المقاومة إلى تنفيذ عمليات انتقامية جديدة، أو إلى احتجاز جنود أو مدنيين في المستقبل كورقة ضغط، ما يعني أن القانون قد يفاقم المخاطر بدل أن يحد منها. ويعكس هذا التحفظ قناعة عملية بأن الردع الحقيقي لا يبنى بالعقوبة القصوى، بل بخيارات سياسية وميدانية تحد من دوافع التصعيد.

ومن منظور القانون الدولي الإنساني، يمثل المشروع خرقا صريحا لاتفاقيات جنيف الرابعة التي تحظر الحكم بالإعدام على الأسرى في سياق نزاع مسلح ما لم تتوافر ضمانات محاكمة نزيهة. كما يمكن أن يعرض إسرائيل للمساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما إذا ثبت أن النص يطبق تمييزا على أساس قومي. وقد حذر المستشار القانوني للحكومة من أن المضي في المشروع قد يعرض الدولة لانتقادات حادة من شركائها الغربيين، فيما عبر الاتحاد الأوروبي في بيان صدر في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 عن قلقه البالغ من "عودة إسرائيل إلى عقوبة تتعارض مع القيم الديمقراطية".

وفي السياق نفسه، وصفت الخارجية الفلسطينية في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 المشروع بأنه "ترخيص رسمي للقتل العلني للأسرى الفلسطينيين"، بينما أكدت منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أن تطبيق الإعدام في ظل احتلال طويل الأمد يشكل انتهاكا للقانون الدولي.

ثمة وقائع من السجون تزيد مخاطر القرار، فقد وثقت تحقيقات، مثل تحقيق ذا غارديان في آب/ أغسطس 2024، شهادات عن سوء معاملة وتعذيب داخل السجون الإسرائيلية بعد حرب غزة، وبلغت أعداد المعتقلين الإداريين المئات عام 2025، ما يرفع احتمال أخطاء قضائية قاتلة إذا أتيح للقضاء إصدار أحكام إعدام في بيئة تفتقر إلى الشفافية.

الإعدام يسعى، بقدر ما يقتل الأفراد، إلى محو معنى المقاومة وتحويل الانتماء القومي إلى جرم وجودي يستوجب العقاب النهائي. وهكذا يتحول القانون إلى وسيلة سياسية لإعادة تعريف من يستحق الحياة ومن يعد عدوا مباح الدم

كما كشفت المدعية العسكرية العامة المستقيلة يفعات تومر يروشالمي؛ عن تسريب مصور يظهر جنودا إسرائيليين يعتدون جسديا على أسرى فلسطينيين في معتقل سدي تيمان، قبل أن يتم اعتقالها بعد ساعات من نشر التسريب في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 بتهم تتعلق بإفشاء أسرار عسكرية وتزوير وثائق. الفيديو المسرب، الذي أوردته لاحقا صحف مثل ذا غارديان وواشنطن بوست، كشف عن انتهاكات خطيرة لحقوق الأسرى الفلسطينيين، من تجريدهم من الملابس إلى تعريضهم للضرب المبرح، ما أثار صدمة واسعة وأعاد النقاش حول غياب الرقابة القضائية المستقلة على الجيش الإسرائيلي.

هذه الواقعة تؤكد أن بيئة الاعتقال نفسها تعاني من فوضى قانونية وتعتيم ممنهج، وأن احتمال وقوع تجاوزات أو تصفية داخل السجون قائم ما دامت الأجهزة التي يفترض أن تحاسِب هي بدورها متهمة بالتستر على الانتهاكات.

أخلاقيا، تبدو دوافع المشروع أعمق من مجرد ردع مؤقت؛ فالإعدام يسعى، بقدر ما يقتل الأفراد، إلى محو معنى المقاومة وتحويل الانتماء القومي إلى جرم وجودي يستوجب العقاب النهائي. وهكذا يتحول القانون إلى وسيلة سياسية لإعادة تعريف من يستحق الحياة ومن يعد عدوا مباح الدم. وهذا المسار يضعف أي أفق تفاوضي ويعمق اليأس داخل المجتمع الفلسطيني، إذ يجعل العدالة نفسها أداة قمع لا ميزان إنصاف.

ويروج أنصار المشروع له بوصفه ضرورة وطنية بعد تصاعد الهجمات، معتبرين أن العقوبات الحالية لم تعد تردع. غير أن التاريخ يثبت أن الخوف وحده لا يصنع استقرارا، وأن العدالة المتوازنة والآليات السياسية هي الضمانة الأثبت للحد من العنف. فالدولة التي تميز في تطبيق العقاب على أساس الانتماء القومي تفقد شرعيتها الأخلاقية وتضعف موقعها أمام المجتمع الدولي.

حتى الآن لا يزال المشروع في طور التشريع ولم يقر نهائيا، لكنه مؤشر خطير على انزياح العقل القانوني الإسرائيلي نحو توظيف القضاء كأداة عقائدية. فإذا أُقر فستدخل إسرائيل مرحلة جديدة في علاقتها بالشعب الفلسطيني؛ تقوم على الإقصاء القانوني لا على إدارة النزاع ضمن حلول تحفظ الحقوق والكرامة. إن الدولة التي تثبت وجودها بالإعدام لا بالعدالة تكون قد أنهت روح العدالة قبل أن تنهي حياة الآخرين.
التعليقات (0)