في 20 أكتوبر تشرين الأول 2025، أصدرت المفوضة الأممية فرانشيسكا
ألبانيزي تقريرًا مهمًا عنوانه : "إبادة
غزة: جريمة جماعية"، يتناول دور
الدول المختلفة في هذه الجريمة، أو كما يسميها
التقرير "الدول الثالثة"،
مما يعد لائحة اتهام موثقة ضد أطراف دولية وعربية وإسلامية، تستوجب محاسبتها
ومسائلتها حتى ترتدع إسرائيل وداعميها والشياطين الساكتة على جرائمها، فالصمت
جريمة، فكيف بالمشاركة فيها أو غض الطرف عنها؟!:
جريمة دولية وتواطؤ عالمي
الإبادة
الجماعية في غزة هي جريمة دولية، وجزء من منظومة تواطؤ عالمي. إذ سمحت دول ثالثة
قوية لممارسات إسرائيل الاستعمارية والعنصرية بأن تصبح واقعًا يوميًا. وحتى مع
بروز العنف الإبادي، فلا تزال دول، معظمها غربية، تقدم لها الدعم العسكري
والدبلوماسي والاقتصادي والأيديولوجي، وشرعنت حربها الإبادية من خلال تصوير
المدنيين
الفلسطينيين "دروعًا بشرية" لحماس، وتبرير الهجوم الأوسع على
غزة على أساس أنه معركة الحضارة ضد البربرية، وأعادت إنتاج التحريفات الإسرائيلية
للقانون الدولي والشعارات الاستعمارية، سعياً لتبرير تواطؤها في الإبادة الجماعية.
وأدت المبادرات الدبلوماسية إلى تطبيع
الاحتلال، وفشلت في تحقيق وقف دائم لإطلاق
النار.
الإبادة الجماعية في غزة هي جريمة دولية، وجزء من منظومة تواطؤ عالمي. إذ سمحت دول ثالثة قوية لممارسات إسرائيل الاستعمارية والعنصرية بأن تصبح واقعًا يوميًا. وحتى مع بروز العنف الإبادي، فلا تزال دول، معظمها غربية، تقدم لها الدعم العسكري والدبلوماسي والاقتصادي والأيديولوجي، وشرعنت حربها الإبادية من خلال تصوير المدنيين الفلسطينيين "دروعًا بشرية" لحماس
ومكّن تعاونها العسكري مع إسرائيل، ونقل الأسلحة إليها من هيمنتها
على الشعب الفلسطيني. وسهّلت إجراءات إسرائيل لفرض ظروف معيشية مُصممة لتدمير
الفلسطينيين كمجموعة. وغذّى التعاون الاقتصادي الاقتصاد الإسرائيلي أثناء الحرب.
وكل ذلك يجعلها مساعدة أو مشاركة في أعمال غير مشروعة. لذا، من الضروري أن تراجع
وتعلق الدول الثالثة فورًا جميع علاقاتها مع إسرائيل، لأن أي تعامل من هذا القبيل
يمثل وسيلة مساعدة أو مشاركة مباشرة في
جرائم الحرب والإبادة الجماعية. وسيُسجل في
التاريخ ليس كإساءة فقط للعدالة، بل لفكرة إنسانيتنا المشتركة ذاتها. ويجب أن تشمل
العدالة محاكمات جنائية دولية أو محلية، والتعويضات، ورد الحقوق، وضمانات عدم
التكرار هذه الجرائم، وتفكيك هياكل السلطة التي مكّنت من ارتكابها.
لا بد من وقفة حازمة وحاسمة
تُظهر الإجراءات الناجحة المُتخذة من قبل ضد نظم الفصل العنصري كجنوب
أفريقيا، إمكانية إنفاذ القانون الدولي لضمان العدالة وتقرير المصير. واليوم، يقع
على عاتق الدول الثالثة نفس الالتزام القانوني والأخلاقي بتطبيق هذه الإجراءات
وغيرها ضد إسرائيل. وإن إخفاقها في محاسبتها يكشف عن ازدواجية المعايير، رغم أن
القانون الدولي يفرض التزامات على جميع الدول لمنع وإنهاء الانتهاكات متى وقعت.
ويحدد القانون الدولي الوسائل المتاحة والإجراءات المتوقعة، والتي لها صلة بالحرب
وجريمة الإبادة في غزة:
1 ـ استخدام القوة ضد انتهاك ميثاق الأمم المتحدة.
ويجوز للدول الثالثة التدخل بناءً على طلب دولة تتصرف دفاعًا عن النفس عند تعرضها
لعمل عدواني.
2 ـ تحظر معاهدة تجارة الأسلحة عمليات نقل الأسلحة
وغيرها من المواد العسكرية عندما يكون من المعروف أو كان ينبغي أن يكون معروفًا أن
هذه البضائع ستُستخدم في جرائم دولية.
3 ـ وفق منظمة التجارة العالمية، فلا تتعارض
اتفاقيات التجارة مع وفاء الدول بالتزاماتها المتعلقة بالسلام والأمن الدوليين.
وفي حالة وجود خرق خطير، فإنها تصبح باطلة ولاغية.
4 ـ يسمح قانون البحار بمنع "المرور غير
البريء"، ويجعل السماح به الدولة متواطئة في الجرائم الدولية.
5 ـ بموجب اتفاقيات جنيف والقانون الدولي العرفي،
تلتزم جميع الدول بمقاضاة ومعاقبة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد
الإنسانية، وجرائم الحرب، بغض النظر عن صلتهم بالجريمة.
6 ـ بموجب القانون الدولي، فإنه من المستحيل
قانونيا وعمليا تمييز نطاق الأعمال
الإسرائيلية بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يتطلب من الدول الثالثة
مقاطعة شاملة لإسرائيل.
الإبادة تحت ستار دبلوماسي وسياسي
مَكّن الدعم المتواصل لإسرائيل من بدء ومواصلة هجومها على الشعب
الفلسطيني. وأدى التواطؤ المتسم بالتلاعب بالروايات وإعادة إنتاج الافتراءات
الإسرائيلية، إلى كتم الدعوات العاجلة للتحرك، وطمس شبكة المصالح السياسية
والمالية والعسكرية المتورطة، وترسيخ القمع والهيمنة والمحو. وردد معظم القادة
الغربيين الروايات الإسرائيلية، مكررين ادعاءات زائفة تمحو الفروق الجوهرية بين
المقاتلين والمدنيين الفلسطينيين. وصُوِّر الإسرائيليون على أنهم
"مدنيون" و"رهائن". أما الفلسطينيون على أنهم إرهابيون، أو
أهداف جانبية، أو تستخدمهم حماس دروعًا بشرية، أو وصف أسرى غزة لدى إسرائيل بأنهم
سجناء محتجزون قانونيًا.
وتحت ادعاء الحرب على الإرهاب، ساهمت الدول الغربية في تبرير الإبادة
الجماعية. وأعرب قادة غربيون بارزون عن دعمهم لـما زعموه "دفاع إسرائيل عن
النفس". واستشهد بايدن مرارًا بتقارير لا أساس لها عن قطع رؤوس الأطفال.
ودافع ستارمر عن حق إسرائيل في قطع المياه والكهرباء عن المدنيين. وقد أجّجت هذه
البيئة هجومًا إسرائيليًا شرسًا. وحتى في خضم الدعوات العاجلة لوقف إطلاق النار،
اكتفت الدول الغربية بالدعوة إلى ممرات وفترات توقف وهدنات إنسانية - متجاوزةً
بذلك وقف إطلاق نار دائم. وتعاملت مع الوضع كأزمة إنسانية يجب إدارتها، لا حلها،
مما أتاح لإسرائيل مجالًا أوسع للهجوم على غزة.
ومنذ بداية الحرب، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن
سبع مرات، موفرةً غطاءً دبلوماسيًا للإبادة الجماعية. وعزز الامتناع عن التصويت
ومشاريع القرارات المُخففة، الحماية الدبلوماسية والرواية السياسية التي احتاجتها
إسرائيل لمواصلة الإبادة. وحافظت المملكة المتحدة على موقفها المؤيد للموقف
الأمريكي حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وبدت كتلة من الدول الغربية أنها مستعدة
أحيانًا للضغط على إسرائيل. ومع ذلك، أدى إدخالهم لمصطلح "وقف إطلاق النار
المستدام" إلى إصدار قرار مخفف من مجلس الأمن، وتأخير اتخاذ أي إجراء. ورغم
انتقادهم لغزو رفح، فقد سحبوا تمويل الأونروا. خلقت هذه الدبلوماسية وهمًا
بالتقدم؛ لكنها أُحبطت الإجراءات الملموسة مرارًا وتكرارًا. وكانت للعقوبات وظيفة
مماثلة. ففي 2024، فرضت أستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي ونيوزيلندا والمملكة
المتحدة عقوبات على بعض المستوطنين والمنظمات المتطرفة وبن غفير وسموتريتش؛ لكنها
تغاضت عن نظام إسرائيل وهياكلها ككل.
عقدت الدول العربية والإسلامية ثلاث قمم عربية مشتركة استثنائية بشأن
فلسطين، ولّدت بعض الجهود الجماعية كالخطة العربية. ومع ذلك، لم تكن هذه الإجراءات
حاسمة، حتى في خضم العدوان الإسرائيلي على ست دول عربية. وسهلت دول مؤثرة في
المنطقة الطرق البرية إلى إسرائيل، متجاوزةً البحر الأحمر. وحافظت مصر على علاقات
أمنية واقتصادية مهمة معها، وإغلقت معبر رفح.
وقد لجأت بعض الدول غير الغربية، مثل جنوب أفريقيا، إلى المحاكم
الدولية سعيًا لمساءلة إسرائيل والضغط عليها لوقف أفعالها. وقد دعمتها في ذلك 13
دولة فقط. أما معظم الدول الغربية فأصرت على إنكار الإبادة الجماعية. ولم تنضم أي
دولة إلى نيكاراغوا ضد ألمانيا في محكمة العدل الدولية. وأحالت سبع دول فقط الوضع
إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ بينما سعى الكثيرون إلى تقويض أوامر الاعتقال
الصادرة عنها، وأعلنت 37 دولة على الأقل أنها غير ملتزمة بهذه القرارات. وفرضت
الولايات المتحدة عقوبات لشل المحكمة؛ وهددت المملكة المتحدة بوقف تمويلها.
تمت حماية إسرائيل من المساءلة في المحاكم والمحافل العالمية. ولم
يُحدث حكم محكمة العدل الدولية بشأن عدم شرعية الاحتلال أي تغيير رغم اعتماد
الجمعية العامة للأمم المتحدة له في 18 سبتمبر/أيلول 2024، مؤكدةً بذلك على
الطبيعة الملزمة لقرارات المحكمة. وصاغت خارطة طريق لإنهاء الاحتلال من خلال
تدابير دبلوماسية واقتصادية وقانونية لم تنفذها الدول بعد.
أدى مؤتمر حل الدولتين السعودي الفرنسي في سبتمبر/أيلول 2025 إلى
اعتراف عشر دول جديدة بدولة فلسطين؛ إلا أن هذه الاعترافات ظلت رمزية حتى الآن،
دون أي تأثير ملموس في معالجة الإبادة الجماعية المستمرة. وأصدرت 20 دولة جديدة
اعترافاتها بدولة فلسطين، ولكن بشروط مقيدة تتعارض مع جوهر حق تقرير المصير، مما
يُعيد إنتاج أشكال الوصاية الاستعمارية فعليًا.
تحت ادعاء الحرب على الإرهاب، ساهمت الدول الغربية في تبرير الإبادة الجماعية. وأعرب قادة غربيون بارزون عن دعمهم لـما زعموه "دفاع إسرائيل عن النفس". واستشهد بايدن مرارًا بتقارير لا أساس لها عن قطع رؤوس الأطفال. ودافع ستارمر عن حق إسرائيل في قطع المياه والكهرباء عن المدنيين.
منذ بدء الحرب، علّقت بليز وبوليفيا وكولومبيا ونيكاراغوا علاقاتها
الدبلوماسية مع إسرائيل، وخفّضت ست دول: البحرين وتشاد وتشيلي وهندوراس والأردن
وتركيا وجنوب إفريقيا علاقاتها مع إسرائيل.
جاء الجهد الأبرز من مبادرة مجموعة لاهاي التي أُطلقت في يناير/كانون
الثاني 2025. بقيادة كولومبيا وجنوب إفريقيا. والتزمت 13 دولة من المجموعة تطبيق
ستة تدابير ملموسة ضد إسرائيل. وانضمت إحدى وعشرون دولة أخرى إلى الاجتماع الثالث
للمجموعة في نيويورك على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة. وعلى الرغم من جهود
بعض أعضائها، لا تزال إسرائيل تحتفظ بعضويتها بالأمم المتحدة.
في 30 سبتمبر/أيلول 2025، أيدت دول، منها: مصر وإندونيسيا والأردن
وباكستان وقطر والسعودية وتركيا والإمارات، "خطة ترامب"، على الرغم من
صمتها عن إنهاء الاحتلال، وضمان المساءلة، وفرضها آلية مؤقتة للحكم الأجنبي على
غزة، مما يزيد من تقويض حق تقرير المصير الفلسطيني، بدلاً من تحقيقه.
الدول الثالثة والدعم العسكري والاستخباراتي
دعمت الولايات المتحدة إسرائيل منذ إنشائها. وأصبحت، بعد حرب 1967،
المتلقي الرئيسي للتمويل العسكري الأجنبي الأمريكي. وارتكزت الشراكة الاستراتيجية
بينهما على الالتزام بـ"التفوق العسكري النوعي" لإسرائيل، وإمدادات
ثابتة من المساعدات العسكرية والاقتصادية، ووصول تفضيلي إلى المبيعات العسكرية
الأمريكية ومخزون الأسلحة الأمريكي في إسرائيل. وتتلقى إسرائيل حتى 2028 3,3 مليار
دولار سنويًا من التمويل العسكري الأجنبي بالإضافة إلى 500 مليون دولار سنويًا
للدفاع الصاروخي. وتحصل الولايات المتحدة على ثلثي واردات الأسلحة الإسرائيلية.
بعد حرب غزة، تصاعد الدعم الأمريكي لإسرائيل. وانخرط كبار المسؤولين
السياسيين العسكريين في رحلات غير مسبوقة إلى إسرائيل. في 20 أكتوبر/تشرين الأول
2023، أعلنت إدارة بايدن أنها ستطلب 14,3 مليار دولار إضافية لإسرائيل. وفي
أبريل/نيسان ٢٠٢٤، أقرّ الكونغرس حزمة 26,4 مليار دولار لإسرائيل.
ومنذ أكتوبر ٢٠٢٣، نقلت الولايات المتحدة ٧٤٢ شحنة من "الأسلحة
والذخيرة". وقلّلت إدارتا بايدن وترامب من الشفافية، وسرّعتا عمليات النقل من
خلال موافقات طارئة متكررة، وسهلتا وصول إسرائيل إلى مخزون الأسلحة الأمريكي في
الخارج. ونشرت طائرات عسكرية، وقوات خاصة، وطائرات استطلاع بدون طيار، حيث يُزعم
استخدام المراقبة الأمريكية لاستهداف حماس، بما في ذلك الغارة الأولى على مستشفى
الشفاء.
وبحلول
سبتمبر/أيلول 2024، تلقت إسرائيل 57000 قذيفة، و20000 بندقية M4A1، و13981 صاروخًا مضادًا للدبابات، و8700
قنبلة 500 رطل. وبحلول أبريل/نيسان 2025، كان لدى إسرائيل 751 صفقة بيع نشطة بقيمة
39,2 مليار دولار. ومكنت إدارتي بايدن وترامب هذا التدفق المستمر للأسلحة.
أما ألمانيا، فهي ثاني أكبر مُصدّر للأسلحة إلى إسرائيل خلال الإبادة
الجماعية. وبرر القادة الألمان ذلك أنه بمقتضى التزاماتها تجاه إسرائيل بعد
الهولوكوست. وأصدرت من بداية الحرب إلى يوليو/تموز 2025، تراخيص تصدير تعادل 15%
من إجمالي التراخيص إلى إسرائيل في 22 عامًا. وهذا لا يشمل أي أسلحة منقولة بموجب
تراخيص جماعية أو حكومية. وعلى الرغم من أن التعليق المؤقت للموافقات على الصادرات
المستقبلية في أغسطس/آب 2025، فقد تمت الموافقة على صادرات بقيمة 2,46 مليون يورو
بعدها بشهر.
وبالنسبة للمملكة المتحدة، ورغم المعارضة الداخلية، فقد لعبت دورًا
رئيسيًا في التعاون العسكري مع إسرائيل. ومن قواعدها في قبرص، مكّنت خط إمداد
أمريكي إلى تل أبيب، ونفّذت أكثر من 600 مهمة مراقبة جوية فوق غزة طوال الحرب،
لتبادل المعلومات الاستخبارية مع إسرائيل. وتشير أرقام الرحلات ومددها وتزامنها مع
العمليات الإسرائيلية الكبرى، إلى معرفة وتعاون مفصلين في تدمير غزة، يتجاوز
"إنقاذ الرهائن".
زوّدت دول أخرى إسرائيل بقطع غيار وأسلحة ومكونات ذات استخدام مزدوج
من خلال نظام غامض يُخفي عمليات النقل، أو النقل غير المباشر. وتُعد الطائرات
العسكرية والمركبات البرية والمسيّرات والكلاب والعناصر ذات الاستخدام المزدوج
أكثر صعوبة في التعقب.
وشمل الدعم العسكري توريد مكونات المقاتلة F-35، وهو برنامج أساسي في الهجوم الإسرائيلي على
غزة. وتشارك في هذا البرنامج 19 دولة، معظمها دول أوروبية، إضافة إلى الولايات
المتحدة وكندا واستراليا وسنغافورة وكوريا الجنوبية. وكثيرًا ما تبرر الدول تجارة
الأسلحة مع إسرائيل بأنها دفاعية أو غير قاتلة. ونظرًا لأن احتلال الأراضي
الفلسطينية غير قانوني، فما تفعله إسرائيل هناك ليس "دفاعيًا" بطبيعته.
وواصلت الدول منح تراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، مثل: المملكة
المتحدة وكندا وأستراليا. والسماح بنقل الأسلحة عبر موانئها ومطاراتها، مثل:
إيطاليا، هولندا، أيرلندا، فرنسا، المغرب. وتشير هذه الإجراءات إلى نية تسهيل
الجرائم الإسرائيلية.
وتدعم الدول إسرائيل من خلال المناورات المشتركة. وشاركت إسرائيل مع
27 دولة في أكبر مناورة عالمية، منها دول عربية، بقيادة أمريكية. ويتدرب
الإسرائيليون في الكلية الملكية البريطانية للدراسات الدفاعية.
منذ بدء الحرب، خدم في الجيش الإسرائيلي آلاف المواطنين من الولايات
المتحدة وروسيا وفرنسا وأوكرانيا والمملكة المتحدة، من بين دول أخرى. ولم تتم
مقاضاة أي منهم بتهمة ارتكاب جرائم في غزة.
في 2024، شكلت الصادرات العسكرية الإسرائيلية 23% من الصادرات. إذ من
نقاط القوة الفريدة لتكنولوجيتها العسكرية اختبارها المستمر على الفلسطينيين، مما
مكّنها من تطويرها. وزادت قيمة صادراتها 18% خلال فترة الإبادة، ووجهاتها
الرئيسية: 54% إلى الاتحاد الأوروبي، 12% إلى دول اتفاقيات إبراهيم.
الدول الثالثة وتهيئة الظروف المعيشية للإبادة
ساهمت بعض الدول الثالثة في تدهور الظروف المعيشية لسكان غزة، حتى
خلال مشاركتها في تقديم المساعدات. وفي لحظات حاسمة، تورطت هذه الدول في التأثير
المدمر الذي لحق بالمدنيين المحتاجين بشدة.
الوضع الإنساني قبل الحرب
قبل الحرب، وبسبب الحصار غير القانوني لغزة من إسرائيل ومصر، والقيود
الصارمة التي فرضتها إسرائيل على حركة البضائع، وتحديد السعرات الحرارية لهم: فإن
80% من السكان يعيشون على المساعدات، ويعتمد 1,1 مليون شخص على الأونروا التي هي
حجر الأساس للدعم الاقتصادي والاجتماعي والإنساني للفلسطينيين، وخاصة في غزة، حيث
تدير أكثر من 400 موقع لتوزيع المساعدات.
الوضع الإنساني بعد الحرب
منذ بدء الحرب، حوّلت إسرائيل القيود القائمة إلى حصار كامل. وحتى
يناير/كانون الثاني 2025، اقتصرت المساعدات على متوسط 107 شاحنة يوميًا، أي أقل من
ثلث مستويات ما قبل الحرب. وفي مارس/آذار 2025، شددت حصارها. وبحلول أغسطس/آب
2025، تم إعلان المجاعة في غزة وفقًا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي،
وتُوفي 461 شخصًا لأسباب تتعلق بسوء التغذية. وسعت إسرائيل عمدًا إلى تدمير النظام
الإنساني الذي يدعم السكان المحتلين. وفعلت ذلك من خلال:
1 ـ إعاقة ومنع الأنروا وحملات التشهير ضدها: تعمدت
إسرائيل قصف مستودعات الأونروا، ومواقع توزيع الغذاء، والمدارس والعيادات، مما
أسفر عن مقتل 370 موظفًا. وزعمت ، دون دليل، تورط موظفي الأونروا في أحداث 7
أكتوبر، فعلّقت 18 دولة تمويلها على الفور، مؤيدةً الرواية الإسرائيلية دون تمحيص.
واستغرق معظم المانحين أشهراً لاستئناف مساهماتهم للأونروا. وأصدرت الولايات
المتحدة قانونًا يحظر تمويل للأونروا. وعندما حظر الكنيست عمليات الأونروا في 30
يناير/كانون الثاني 2025، طلبت بعض الدول رأي محكمة العدل الدولية بخصوص حظر
الأونروا.
2 ـ الترويج لوكالات إنسانية زائفة مؤقتة: حاولت
إسرائيل والولايات المتحدة استبدال آلية المساعدات بأخرى تسيطران عليها. وقامت
مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)التي تأسست في ديسمبر/كانون الأول 2023
بدعم وتمويل من الولايات المتحدة، توزيع المساعدات من خلال مواقع يديرها الجيش
الإسرائيلي ومرتزقة أمريكيون بغرض تسهيل التهجير القسري للفلسطينيين نحو مصر. وبدا
أن هذا استباق لما يُسمى بخطة "ريفييرا غزة". ومنذ مارس/آذار 2025، قُتل
2100 مدنيًا فلسطينيًا، وجُرح مئات الآلاف على يد الجيش والمرتزقة. وحُلت المنظمة
بعد "خطة السلام" لترامب.
الدول الثالثة وتضليل الرأي العام الدولي
بدلاً من معارضة هذه الكارثة الإنسانية، قامت دول منها: بلجيكا وكندا
والدنمارك والأردن والمملكة المتحدة، بإسقاط المساعدات بالمظلات. وهي استجابة
مكلفة وغير كافية وخطيرة. ولم يؤدِ هذا إلا إلى تضليل الرأي العام الدولي في وقت
تفاقمت فيه المجاعة. واعترضت إسرائيل بشكل غير قانوني بعثات المساعدات البحرية،
ومحاولات منظمات المجتمع المدني لكسر الحصار، وسط صمت وتقاعس من الدول الثالثة.
الدول الثالثة و وقود وأرباح الإبادة الجماعية
إن الحفاظ على علاقات تجارية طبيعية مع إسرائيل، رغم انتهاكاتها
المنهجية التي تصاعدت إلى الإبادة، يُضفي الشرعية على الاحتلال ونظام الفصل
العنصري ويُديمه. وفي 2024، شكلت التجارة الدولية 54% من الناتج المحلي الإجمالي
الإسرائيلي. والعديد من الواردات الإسرائيلية هي سلع ذات استخدام مزدوج في
المنتجات المدنية والعسكرية. وفي 2023، أصبحت الدوائر المتكاملة أبرز صادرات
إسرائيل، حيث شكلت 16% من صادراتها. وغالبًا ما تُسوّق على أنها تقنيات مدنية، رغم
أنها ذات استخدام مزدوج، وضرورية للأنظمة العسكرية الإسرائيلية التي تراقب الفلسطينيين
وتسيطر عليهم وتقتلهم، وتعزز دورها في سباق التسلح التكنولوجي العالمي. ورغم
الحرب، فإن هذه التجارة، بناءً على تعريف الاتحاد الأوروبي للاستخدام المزدوج،
تمثل ٣٨٪ من إجمالي تجارة الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بمبلغ 17,5 مليار دولار
أمريكي في عام ٢٠٢٤.
اتفاقيات التعاون الاقتصادي
هناك ما لا يقل عن 45 اتفاقية تعاون اقتصادي بين إسرائيل ودول أخرى،
بما فيها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والإمارات. وتُزيل هذه الاتفاقيات
الحواجز الجمركية وغير الجمركية على السلع والخدمات ذات الاستخدام المزدوج
والدفاعية، وتعترف ضمنيًا بالسلطة الإسرائيلية على المستوطنين غير الشرعيين
وأعمالهم التجارية والأراضي التي ضمتها. ويمتد هذا إلى ما هو أبعد من التجارة.
ومنذ 2014، قدمت المفوضية الأوروبية منحًا بقيمة 2,1 مليار يورو للكيانات
الإسرائيلية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، والعديد منها يطور تقنيات
ذات استخدام مزدوج وعسكري. وموّل مجلس الابتكار الأوروبي 34 شركة إسرائيلية منذ
عام 2021، مما يجعل إسرائيل من بين أعلى المستفيدين من حيث نصيب الفرد.
استمرار التعاون الاقتصادي أثناء الإبادة
أثناء الحرب، لم تُعلَّق أي اتفاقية تجارية أو اقتصادية مُوقَّعة مع
إسرائيل. ولم تُخفّض سوى دول قليلة حجم تجارتها معها، أبرزها تركيا. وزادت دول
أخرى من حجم تجارتها معها مثل: ألمانيا وبولندا واليونان وإيطاليا والدنمارك
وفرنسا وصربيا، بالإضافة إلى دول عربية منها الإمارات ومصر والأردن والمغرب، مما
عوض التراجع التجاري الذي كان من الممكن أن تواجهه إسرائيل. ورغم أنه غالبًا ما
يُدمج في الاتفاقيات التزام الدول الثالثة بالتصدي لانتهاكات القانون الدولي في
المعاهدات.
استمرار تجارة الطاقة والمواد الخام مع إسرائيل
كثيرًا ما خضعت تجارة الطاقة لحظر يهدف إلى مواءمة الدول مع
التزاماتها القانونية الدولية. ولكن في حالة إسرائيل، لم تتحرك سوى كولومبيا، التي
حظرت صادرات الفحم إليها في عام ٢٠٢٤. أما روسيا والولايات المتحدة والمملكة
المتحدة فهم من الموردين الرئيسيين لمنتجات الوقود المكرر إلى إسرائيل. وواصلت دول
مثل المغرب وإيطاليا وفرنسا وتركيا توفير موانئ رئيسية للمنتجات، بما في ذلك النفط
والغاز. واستمر الاتحاد الأوروبي ومصر في استيراد الغاز من إسرائيل عبر خط أنابيب
غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، الذي يمر بشكل غير قانوني عبر البحر المجاور لقطاع
غزة، منتهكًا الحقوق السيادية الفلسطينية. وفي أغسطس/آب 2025، ومع تفاقم المجاعة
في غزة، وسّعت مصر شراكتها مع إسرائيل من خلال صفقة غاز طبيعي بقيمة 35 مليار
دولار أمريكي، وهي أكبر صفقة تصدير في تاريخ إسرائيل.
قبل الحرب، وبسبب الحصار غير القانوني لغزة من إسرائيل ومصر، والقيود الصارمة التي فرضتها إسرائيل على حركة البضائع، وتحديد السعرات الحرارية لهم: فإن 80% من السكان يعيشون على المساعدات، ويعتمد 1,1 مليون شخص على الأونروا التي هي حجر الأساس للدعم الاقتصادي والاجتماعي والإنساني للفلسطينيين، وخاصة في غزة، حيث تدير أكثر من 400 موقع لتوزيع المساعدات.
يعتمد توريد المواد والأسلحة على البنية التحتية لدول ثالثة. وتقوم
الموانئ المعروفة بتسهيلها بنقل أجزاء طائرات إف-35، والأسلحة، ووقود الطائرات،
والنفط، ومواد أخرى إلى إسرائيل. وقامت بذلك مؤاني أو مطارات في بعض الدول، مثل:
تركيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا واليونان والمغرب والولايات المتحدة.
وقد مَنع عمال الموانئ في دول متعددة التجارة غير المشروعة مع
إسرائيل. ولكن، غالبًا ما تُعطِّل السفن والطائرات أجهزة الإرسال والاستقبال
لإخفاء المسارات. وأعادت موانئ توجيه الشحنات. وتمر بعض عمليات التسليم عبر تجار
دول ثالثة. وعملت بلجيكا وإسبانيا ودول أخرى على تسهيل هذا العبور.
التوصيات
تُذكّر المقررة جميع الدول بالتزامها القانوني بعدم المشاركة في
الجرائم الإسرائيلية أو التواطؤ معها، وبمنع ومعالجة الانتهاكات الجسيمة لميثاق
الأمم المتحدة والقانون الدولي واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. وعليها الضغط
من أجل وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية، وإنهاء حصار غزة،
وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن، وإعادة فتح مطار وميناء غزة الدوليين.
ويجب عليها الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير.
تتطلب هذه الالتزامات والواجبات: تعليق جميع العلاقات العسكرية
والتجارية والدبلوماسية مع إسرائيل، والتعاون الكامل مع الجنائية الدولية والعدل
الدولية؛ وتعزيز الدعم المقدم للأونروا ومنظومة الأمم المتحدة ككل؛ وتعليق عضوية
إسرائيل في الأمم المتحدة بموجب المادة 6 من ميثاق الأمم المتحدة؛ والعمل على
تفكيك احتلالها للأراضي الفلسطينية.