صحافة دولية

مدغشقر في قلب صراع المعادن بين واشنطن وبكين

مدغشقر تحوي على معادن نفيسة وثمينة- إكس
مدغشقر تحوي على معادن نفيسة وثمينة- إكس
نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية تقريرا تناولت فيه المشهد في مدغشقر بعد  أصبحت في قلب التنافس الإستراتيجي بين واشنطن وبكين حول المعادن النادرة.

وذكرت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، بأن الولايات المتحدة تسعى من خلال مشروع "قاعدة توليارا"، لتأمين المعادن النادرة الضرورية للانتقال الطاقي، بينما يبقى موقف الحكومة المالغاشية الجديدة غير واضح فيما يتعلق بالانضمام إلى هذا المشروع، حيث تبرز منطقة جنوب غرب مدغشقر الآن كموقع متقدم في الإستراتيجية الأمريكية للوصول إلى المعادن الأساسية في السباق العالمي.

وأشارت المجلة إلى أن مشروع قاعدة توليارا، الذي استحوذت عليه شركة "إنرجي فيولز" الأمريكية مطلع عام 2024، يهدف إلى استغلال رواسب من الرمال المعدنية  مثل الإلمنيت والزركون والروتيل والأهم من ذلك، المونازيت الغني بالعناصر الأرضية النادرة، وهو عنصر أساسي في التقنيات الخضراء والدفاعية، فيما تهدف واشنطن إلى حجز مكان في خارطة المعادن لتقليل اعتمادها على بكين.

وتحافظ الصين على احتكار شبه عالمي، فهي تُسيطر على ما يقرب من 60 بالمئة من إنتاج هذه المعادن، والأهم من ذلك، على 91 بالمئة من تكريرها، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية. ويُشير رافائيل ديبيردت، عالم الأنثروبولوجيا المُتخصص في التعدين والباحث في كلية كوبنهاغن للأعمال، إلى أن "الصين تُسيطر على سلسلة القيمة بشكل كامل لدرجة أنها تُملي الأسعار".

وفي مواجهة هذه الهيمنة، لم تعد الولايات المتحدة تتردد في دفع ثمن باهظ، ففي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، وقّعت واشنطن عقدًا بقيمة مليار دولار تقريبًا مع المنجم الأمريكي في ماونتن باس في كاليفورنيا، الذي تشغله شركة "إم بي ماتيريالز"، وهي الوحيدة في البلاد، يضمن شراء كامل الإنتاج لمدة 10 سنوات.

ويبلغ الحد الأدنى للسعر 110 دولارات للكيلوغرام، بينما يتراوح السعر العالمي حول 50 دولارًا، ويشير رافائيل ديبيردت إلى أن “هذا مؤشر على أن المنطق الإستراتيجي يغلب على الربحية”.

اظهار أخبار متعلقة



استثمار أكثر من 700 مليون دولار أمريكي
تُعدّ قاعدة توليارا جزءًا من هذه الإستراتيجية الأمنية نفسها؛ إذ تستحوذ شركة "إنرجي فيولز"، برئاسة مارك تشالمرز، على ثلثي إنتاج اليورانيوم الأمريكي، وهي مهيأة لتوريد معادن حيوية أخرى مثل التيتانيوم والفاناديوم.

ويتضمن مشروع مدغشقر، وهو مشروعها الأفريقي الوحيد، استثمارًا يزيد قليلاً عن 700 مليون دولار أمريكي، بقيمة صافية حالية تُقدر بملياري دولار أمريكي بناء على عمر المنجم البالغ 38 عامًا، وفقًا لخطة العمل الأولية التي أُعدّت قبل استحواذ إنرجي فيولز، ويُعدّ هذا ثالث أكبر مشروع تعدين في تاريخ البلاد.

وبحسب المجلة، يبقى أن نرى ما إذا كانت الإدارة الجديدة للعقيد راندريانيرينا، التي تولت السلطة بعد الإطاحة بأندري راجولينا في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، ستوافق على هذه المسألة الحساسة سياسيًّا.

من جانبها، أكدت شركة “إنرجي فيولز” التزامها التام بمشروع قاعدة توليارا، ورغبتها في التعاون مع الحكومة الملغاشية لوضع الإطار القانوني اللازم، وتجري حاليًّا مناقشات بين الطرفين. ومن المتوقع اتخاذ القرار النهائي بشأن الاستثمار في عام 2026، على أن تبدأ العمليات في منتصف عام 2028.

تقاسم عائدات التعدين
وعلى أرض الواقع، لا تزال المعارضة المحلية تُشكّل خطرًا حقيقيًّا على الشركة، فقد أدت المظاهرات التي قمعتها السلطات السياسية في مارس/ آذار الماضي في مدينة توليارا، والاشتباكات في الغابة القريبة من منجم التعدين المُخطط له، إلى تقليص الأنشطة وترحيل جزئي للموظفين المغتربين. وتركز المخاوف بشكل رئيسي على الآثار البيئية وتقاسم المنافع الاقتصادية. 

وتشير منظمة كراد-أوي غير الحكومية تحديدًا إلى مخاطر التعرض الإشعاعي المرتبط بالمونازيت، وسحب كميات هائلة من المياه في منطقة قاحلة.

إلى جانب التوترات المحلية، يُسلّط المشروع الضوء على القضية الأوسع نطاقًا المتمثلة في تقاسم عائدات التعدين في مدغشقر، حيث يقول بيرسي فانامبيرا، وهو من أبناء المنطقة وزعيم الحركة الفيدرالية الثورية في مدغشقر: "يحتاج الناس إلى طمأنة بأن الحكومة المركزية لن تصادر جميع المنافع الاقتصادية".

ووفقاً للباحثة ليندا هوبرت تا مؤلفة كتاب “مدغشقر: بين حماية البيئة وتطوير التعدين”: “لكي تُمثل مشاريع التعدين فرصةً تنمويةً، يجب أن تتمتع الدولة بالقدرة على التفاوض بشأنها وتنظيمها بما يضمن تعظيم فوائدها وإعادة توزيعها بشكل عادل”. حينها فقط، يُمكن للدولة تحويل مواردها إلى محركٍ حقيقي للتنمية، بدلاً من أن تكون مصدراً جديداً للانقسام الاجتماعي.
التعليقات (0)

خبر عاجل