ملفات وتقارير

الخطر في الأعماق.. لماذا تخشى دول العالم سباق الغواصات النووية؟

سباق الغواصات النووية يشتعل.. كوريا الشمالية تحذر من "تأثير الدومينو"  - جيتي
سباق الغواصات النووية يشتعل.. كوريا الشمالية تحذر من "تأثير الدومينو" - جيتي
نددت كوريا الشمالية، في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري بالاتفاق الأمني الجديد بين سيول وواشنطن، الذي يشمل التوجه نحو بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية، معتبرة أنه “محاولة خطيرة للمواجهة” وتهديد مباشر سيحدث ما وصفته بـ“تأثير الدومينو النووي” في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وكان الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ أعلن في وقت سابق إنجاز اتفاق الأمن والتجارة مع الولايات المتحدة، والذي يمنح بلاده دعما لتطوير قطع بحرية تعمل بالطاقة النووية، إلى جانب توسيع سلطة سيول في تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود النووي المستنفد.

وفي أول رد فعل على الاتفاق، قالت بيونغ يانغ، عبر وكالة الأنباء المركزية الرسمية، إن المشروع “تطور خطير يزعزع استقرار الوضع الأمني العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ويسبب حالة من عدم القدرة على السيطرة النووية في المجال الدولي”. 

وأضافت أن حصول كوريا الجنوبية على غواصات نووية “سيشعل سباق تسلح محموما”، مؤكدة أن “جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية ستتخذ إجراءات مضادة مبررة وواقعية”، على خلفية ما وصفته بـ“نية المواجهة” لدى واشنطن وسيول.

لماذا تسبب الغواصات النووية كل هذا القلق؟
يرجع قلق كوريا الشمالية ودول عدة إلى الخصائص الفريدة للغواصات النووية، التي تعد أحد أخطر الأسلحة البحرية الحديثة؛ فهي ليست مجرد قطعة تقليدية، بل منظومة قادرة على البقاء شهورا تحت الماء دون الحاجة إلى التزود بالوقود، مع قدرة على التحرك بسرعات عالية والغوص لعمق مئات الأمتار.

وتشير المعلومات المتداولة إلى أن الغواصات النووية تتمتع بقدرات تجعل أماكن تموضعها ومساراتها شديدة السرية، كما أنها مصممة للنجاة من الضربات الاستباقية، ما يعزز فعاليتها في الردع والمفاجأة.

وتعتمد هذه الغواصات على مفاعل نووي صغير موجود على متنها، يولد حرارة لتشغيل التوربينات وإنتاج الكهرباء وتشغيل الأنظمة الملاحية والداخلية. كما تستطيع تحلية مياه البحر وتوليد الأوكسجين عبر التحلل المائي، ما يسمح لها بالعيش معزولة تحت الماء لفترات غير مسبوقة.

ورغم التطور الكبير، لا تخلو هذه الغواصات من مخاطر، أبرزها احتمال حدوث تسرب إشعاعي أو تعطل أنظمة التبريد، كما حدث في كارثة الغواصة الروسية “كورسك” عام 2000، عندما أدى انفجار طوربيد إلى غرق 118 من أفراد طاقمها.


دور إستراتيجي في الحروب الحديثة
تعد الغواصات النووية عمودا أساسيا في “ثالوث الردع النووي” العالمي، إلى جانب الصواريخ البرية والقاذفات الجوية. فهي قادرة على تنفيذ مهام واسعة تشمل: ( الهجوم البحري والردع النووي - الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية - تنفيذ عمليات خاصة في بيئات معقدة - إطلاق صواريخ باليستية أو مجنّحة من منصات مغمورة).

ورغم أنها ليست أسلحة نووية بذاتها، فإن قدرتها على حمل رؤوس نووية تجعلها من أخطر أدوات الردع في العالم.

اظهار أخبار متعلقة


بدايات سباق الغواصات النووية
بدأ العمل على الدفع النووي للسفن في أربعينيات القرن الماضي، وفي 1954 دخلت الغواصة الأميركية “يو إس إس نوتيلوس” التاريخ كأول غواصة تعمل بالطاقة النووية في العالم.

وفي 1955 تبعها الاتحاد السوفياتي بإطلاق الغواصة “كي-3 لينينسكي كومسومول”، ثم توسعت التكنولوجيا سريعا لتصل إلى بريطانيا وفرنسا والصين خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

ومع تصاعد الحرب الباردة، تجاوز عدد الغواصات النووية في الخدمة أو قيد البناء أكثر من 400 غواصة. ومع نهاية الحرب، خرج ثلثاها من الخدمة بسبب برامج خفض الأسلحة النووية أو تقادم الأنظمة، بينما واصلت القوى الكبرى تطوير أجيال أحدث وأكثر هدوءا وعمقا وقدرة على التخفي.

كيف يعمل المفاعل داخل الغواصة؟
تستخدم الغواصات النووية مفاعلات تعتمد على وقود اليورانيوم-235 المخصب بنسب تراوح بين 20% و50%، وتصل في أحدث الغواصات الأمريكية إلى أكثر من 90%. أما فرنسا والصين فتعتمدان على اليورانيوم منخفض التخصيب.

ويبلغ ارتفاع المفاعل البحري قرابة 4.6 أمتار، باستطاعة تتراوح بين 10 و200 ميغاواط، تكفي لتشغيل الغواصة طوال عمرها التشغيلي دون الحاجة لإعادة التزود بالوقود.

وتعمل عملية الانشطار النووي المتسلسل على توليد حرارة لإنتاج البخار الذي يدفع التوربينات المسؤولة عن الحركة، بينما تولد توربينات أخرى الكهرباء اللازمة لتشغيل الأنظمة الحيوية.



المزايا التي تجعلها “سيدة البحار”
أبرز نقاط القوة: (عدم الحاجة للتزود بالوقود لعشر سنوات أو أكثر - القدرة على الإبحار بسرعة تتجاوز 20 عقدة - إمكانية البقاء مغمورة لشهور في وضعية التخفي - القدرة على الوصول لأهداف بعيدة بسرية عالية).

أبرز التحديات: (تكاليف باهظة قد تصل إلى مليارات الدولارات - الحاجة إلى خبرات هندسية نووية عالية - حجمها الكبير يجعلها أقل قدرة على المناورة في المياه الضحلة - ارتفاع مستويات الضوضاء مقارنة بالغواصات التقليدية - تعقيدات التخلص من النفايات النووية)

الغواصات النووية مقابل التقليدية
الغواصات التقليدية تعتمد على محركات الديزل والبطاريات، ما يجبرها على الصعود للسطح باستمرار لامتصاص الأكسجين وإعادة الشحن. كما أن سرعتها وعمق غطسها محدودان مقارنة بالغواصات النووية، التي يمكنها مطاردة أهدافها بسرعة عالية والانسحاب بسرعة بعد تنفيذ الهجوم.

أما التقليدية، فمحدودة الطاقة، وتضطر إلى الاقتراب ببطء شديد من أهدافها لتوفير الطاقة للهرب بعد الضربة، ما يقلل من قدرتها على الاشتباك مع القطع السطحية السريعة.

اظهار أخبار متعلقة


الدول التي تمتلك أساطيل نووية حتى 2025

1. الولايات المتحدة ( غواصة نووية)

- أكبر قوة غواصات نووية في العالم.

- تعتمد بالكامل على الغواصات النووية منذ 1959.

- 14 غواصة باليستية من فئة “أوهايو” تحمل 20 صاروخا برؤوس نووية.

- 4 غواصات صواريخ موجهة.

- 53 غواصة هجومية من فئات “فيرجينيا” و“لوس أنجلوس” و“سي وولف”.

تتحمل 50% من الترسانة النووية الأمريكية.

2. المملكة المتحدة (11 غواصة نووية)

- أول غواصة نووية: “إتش إم إس دريدنوت” (1963).

- أسطولها بالكامل نووي ويدار عبر فئتي “آستيوت” و“فانغارد”.

3. روسيا (قرابة 30 غواصة نووية)

- ثاني أكبر أسطول عالمي.

- تشمل فئات “دلتا”، “بوريي”، “ياسن”، “أكولا”.

- تطور غواصات “خاباروفسك” و“بلغورود” القادرتين على حمل طوربيد “بوسيدون” النووي
“بوسيدون” قادر على حمل رأس نووي يصل إلى 2 ميغاطن وتوليد موجات مدّ مدمرة.

4. الصين (نحو 12 غواصة نووية)

- أول غواصة نووية في 1970.

تمتلك غواصات هجومية وصواريخ باليستية من فئتي “شانغ” و“جين”.

5. الهند (غواصتان نوويتان)

- دخلت المجال عام 1998.

- أول غواصة: “أريهانت” (2009).

- تمثل جزءا من الردع النووي الهندي.

اظهار أخبار متعلقة


6. فرنسا

- تمتلك أسطولا نوويا كاملا. وتعتمد على اليورانيوم منخفض التخصيب في مفاعلاتها.

سباق غزو المحيطات يتسارع
التحولات الأخيرة في شبه الجزيرة الكورية، وتصاعد برامج الغواصات النووية، تكشف أن هذا النوع من الأسلحة أصبح في قلب التنافس العسكري العالمي، مع اندفاع دول جديدة نحو امتلاك التكنولوجيا، من بينها أستراليا والبرازيل.

ومع تحذيرات كوريا الشمالية من “تأثير الدومينو النووي”، يبدو أن العالم يتجه نحو مرحلة أكثر حساسية، حيث تشكل الغواصات النووية—بقدرتها على التخفي وحمل الرؤوس النووية والبقاء تحت الماء لشهور—أحد أخطر عناصر القوة في توازنات القرن الحادي والعشرين.



التعليقات (0)