ملفات وتقارير

كيف يموت الإنسان بردا وماذا ينتظر سكان غزة في شتاء الحرب الثالث؟

رغم أن المناخ بغزة معتدل نسبيًا إلا أنه يصبح كارثيًا في ظل تأثيرات الإبادة الإسرائيلية- جيتي
رغم أن المناخ بغزة معتدل نسبيًا إلا أنه يصبح كارثيًا في ظل تأثيرات الإبادة الإسرائيلية- جيتي
يعيش سكان قطاع غزة الشتاء الثالث في ظل تأثير حرب الإبادة التي استمرت لأكثر من سنتين، بينما تزداد الأوضاع سوءًا في كل مرة بسبب الدمار الهائل في البنية التحتية والمنازل وعيش معظم السكان في خيام مهترئة، وانعدام شبكات الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار.

والمناخ الشتوي في قطاع غزة بارد نسبيًا ورطب، وتتراوح درجات الحرارة عادة بين 7 و16 درجة مئوية خلال شهري كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير، وقد تنخفض ليلًا إلى أقل من 5 درجات في بعض الليالي.

تشهد المنطقة تساقط أمطار متوسطة إلى غزيرة أحيانًا، بمتوسط سنوي يتراوح بين 300 و400 ملم، تتركز غالبيتها في شهور الشتاء. وتؤدي الرياح الباردة القادمة من البحر المتوسط إلى زيادة الإحساس بالبرودة، خصوصًا في المناطق المكشوفة، ورغم أن هذا المناخ معتدل أو دافئ نسبيًا، إلا أنه يصبح كارثيًا في ظل تأثيرات الإبادة الإسرائيلية.

كيف يموت الإنسان بردًا؟
يتعرّض الجسم البشري للبرد القارس بفقدان حرارة أكبر من مقدرته على توليدها، وعندما تنخفض حرارة الجسم المركزي إلى أقل من 35 درجة مئوية يُصنّف ذلك كـ"انخفاض حرارة - Hypothermia" وينذر بخطورة مباشرة.

اظهار أخبار متعلقة


وتُقسم درجات انخفاض الحرارة طبيًّا إلى ثلاث: خفيفة عند 32–35 درجة مئوية، ومتوسطة عند 28–32 درجة، وشديدة عندما تكون أقل من 28 درجة.


وتبدأ الأعراض بالارتجاف الشديد والتنميل في الأطراف وشحوب الجلد، ثم تعب عام وضعف التنسيق الحركي، ومع استمرار التعرّض إلى البرد تتوقف رجفات الجسم تدريجيًا، وينخفض معدل ضربات القلب والتنفس حتى الغيبوبة.

وإذا تُرِكَ الإنسان دون تدفئة، فإن وظائف القلب والرئتين تتعطل وقد يتوقف الجسد عن الأداء الحيوي مهدِّدًا للحياة، بحسب مجلة "جاما" الطبية الأمريكية.

وبعد نحو 50 يومًا من وقف إطلاق النار، لم يتحسن الواقع الإنساني في قطاع غزة، ولم يتم إدخال مواد غذائية هامة أو مسائل لإيواء الناس من الشتاء المقبل، سواء المنازل المؤقتة "كرافانات" أو خيام ومظلات مسطلة، إلا بكيمات شحيحة وقليلة جدا ولبعض هذه المستلزمات البسيطة جدا.

ومنذ بدء سريان وقف إطلاق النار، لم يدخل إلى قطاع غزة سوى أقل من 5000 شاحنة، من أصل 15,600 شاحنة كان يفترض وصولها وفق الترتيبات الإنسانية، أي بنسبة لا تتجاوز 30 بالمئة، وهذا العجز الكبير يعكس استمرار سياسة الخنق التي يتبعها الاحتلال.

ولا يتجاوز متوسط عدد الشاحنات التي تدخل غزة يوميًا 200 شاحنة، رغم أن البروتوكول الإنساني ينص على 600 شاحنة يوميًا لتلبية الاحتياجات الأساسية للغذاء والدواء والوقود، هذا الفارق الحاد يؤكد استمرار ضغط الاحتلال على السكان عبر التحكم في سلاسل الإمداد.

سوء التغذية وضعف المناعة
يُضعف سوء التغذية قدرة الجسم على توليد الحرارة والمناعة، ما يزيد من خطر انخفاض الحرارة والمضاعفات، كما أن الأطفال الذين تعرّضوا لسوء التغذية ينقصهم مخزون الطاقة والدهون اللازم للحفاظ على دفء أجسامهم، وانخفاض حرارة الجسم عند الأطفال يزداد بسبب نقص مخازن الطاقة.

لجوانب أخرى عن تبعات الإبادة الإسرائيلية: "إطعام قاتل".. كيف تمنع "إسرائيل" علاج سوء التغذية بعد مجاعة غزة؟

ويتسبّب نقص الغذاء في تراجع عمل الجهاز المناعي، فيصبح الجسم أكثر عُرضةً للعدوى والأمراض، وحذّرت مؤسسة "إنقاذ الطفل - Save the Children" من أن البرد الطويل يُضعف مناعة الطفل، ويشكّل مع سوء التغذية مزيجًا قاتلًا.

وبالمثل، أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" أن الأطفال في غزة يعانون من مناعة مُقعَّدة بسبب نقص الغذاء لأشهر طويلة، مما يجعل قدوم فصل الشتاء القارس أمرًا مميتًا في ظل افتقارهم للمأوى والتدفئة.


وطبقًا للدراسات الطبية، فإن أصحاب الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب وكبار السن وذوي المناعة الضعيفة هم أكثر ميلًا للإصابة بانخفاض الحرارة، كما أن الأمراض المعدية المنتشرة كالالتهابات التنفسية والإسهالات تُنهك الجسم وتُضعفه، فلا يستطيع مقاومة البرد بسهولة.

وحذّرت تقارير صحية من أن فصل الشتاء سيصاحبه ارتفاع في حالات الالتهاب الرئوي والأمراض المنقولة بالمياه، خصوصًا بين الرضع والأطفال الصغار.

ويُضعف هذا العبء الصحي الإضافي قدرة الجسم على التدفئة الذاتية ويزيد حالات الوفيات المرتبطة بالبرد والشتاء، في ظل انهيار الخدمات الصحية.

الخيام
تؤدي الظروف المعيشية الرديئة إلى تفاقم مخاطر البرد كثيرًا، يعيش معظم السكان النازحين في غزة داخل خيام خفيفة من النايلون والبطانيات والأقمشة الخفيفة، أو ملاجئ مؤقتة لا تعزل الحرارة ولا تحمي من الرطوبة.


وبحسب التقارير المحلية والدولية، فإن الأمطار أغرقت آلاف الخيام بالمياه الملوثة بالصرف الصحي، وتُرك الأطفال نائمين في ملابسهم المبتلّة، مما يزيد احتمال الإصابة بالأمراض.

ووثقت مختلف منظمات حقوق الإنسان الأممية والدولية أن الخيام المتهالكة التي امتدّت الإقامة فيها عامين لا تقف أمام عواصف الشتاء والأمطار، ويُقدَّر أن نحو 700,000 طفل يعيشون في خيام بالية بعد دمار المساكن، ما يجعلهم معرّضين للبرد والأمراض.

اظهار أخبار متعلقة


ويُعاني العديد من الأطفال الآخرين من أمراض تنفسية وإسهالات حادة بسبب البرد والرطوبة المستمرة، وهي حالات تتفاقم بسبب تأثيرات المجاعة السابقة وسوء التغذية.

ظروف شتاء غزة
يتميّز مناخ غزة بأنه متوسّطي معتدل في الشتاء، حيث تتراوح درجات الحرارة في كانون الثاني/ يناير عادة بين 9 درجات مئوية كحدّ أدنى و18 درجة كحدّ أقصى، إلا أن قساوة حرب الإبادة والفقر حوّلت هذه الظروف إلى تهديد مباشر: إذ يتعرّض النازحون لعواصف شديدة وتنخفض الحرارة أحيانًا إلى ما دون الصفر لعدة ليالٍ متوالية.

وتُسهم هذه العوامل في تفاقم الأزمة الصحية في غزة. تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى تراجع الخدمات الطبية حتى "على حافة الانهيار"؛ فالمستشفيات العاملة تعمل فوق طاقتها مع نفاد الوقود وتوقّف إمدادات المياه.

حصيلة الشهداء بردًا
أفاد المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن 17 شهيدًا قضوا منذ بداية الحرب بسبب البرد في مخيمات النزوح القسري، منهم 14 طفلًا، وهو ما تمكّن من توثيقه فقط في الأماكن التي استطاع الوصول إليها، علمًا أن الكثير من المناطق التي لم يُنسحب منها الاحتلال ظلّت بدون أي توثيق حتى الآن.


وبلغت حصيلة الشهداء منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أكثر من 69 ألفًا و775 شهيدًا، و170 ألفًا و965 مصابًا، مع تقديرات بوجود نحو 9500 فلسطيني مفقودين، إما تحت الأنقاض، أو لا يزال مصيرهم مجهولًا جراء الإبادة الإسرائيلية.

اظهار أخبار متعلقة


وبلغ عدد الشهداء الأطفال من هذه الإحصائية أكثر من 20 ألف طفل، منهم 1015 طفلًا كانت أعمارهم أقل من عام واحد، وأكثر من 450 رضيعًا وُلِدوا واستشهدوا خلال حرب الإبادة الجماعية.

وتضمّنت الإحصائية أكثر من 154 طفلًا استُشهدوا جوعًا نتيجة الحصار الخانق ومنع الاحتلال إدخال الطعام وحليب الأطفال، و14 طفلًا استُشهدوا بسبب البرد داخل مخيمات النزوح القسري، في ظل انعدام المأوى والملابس ووسائل التدفئة.
التعليقات (0)

خبر عاجل