تنطلق في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، اليوم السبت، القمة الـ38 للاتحاد الأفريقي، بمشاركة قادة البلدان الأعضاء في الاتحاد، وذلك في وقت تعيش فيه العديد من دول القارة صراعات داخلية وإقليمية وتزداد بؤر التوتر فيها.
وستكون الأزمات والحروب في القارة، على جدول أعمال القمة المزدحم، بالعديد من الملفات، ومن بينها انتخاب قيادة تنفيذية جديدة.
وفي مقدمة الملفات المنتظرة على طاولة القادة الأفارقة، قضايا النزاعات في القارة، إذ ستكون "مبادرة إسكات المدافع في أفريقيا" ضمن المواضيع التي ستناقش بشكل موسّع؛ نظرا لأهمية الملف في ظل تزايد التهديدات الأمنية والصراعات والنزاعات.
ماهي مبادرة "إسكات المدافع"؟
أطلق الاتحاد الأفريقي عام 2013 مبادرة باسم: "إسكات المدافع" أو "إسكات البنادق" في أفريقيا، بهدف تسوية جميع الصراعات في القارة بحلول العام 2030، وذلك في إطار خطة استراتيجية أفريقية للتحول الاجتماعي والاقتصادي، ضمن مشروع أجندة أفريقيا 2063.
وتسعى المبادرة إلى العمل من أجل: "عدم توريث الصراعات للجيل الأفريقي القادم، وإنهاء مختلف أشكال النزاعات الأهلية، ومنع جرائم الإبادة الجماعية".
كذلك، تعمل المبادرة على معالجة الأسباب الجذرية للنّزاعات، بما فيها الفوارق الاجتماعية والاقتصادية مع وضع حدّ لها، واستئصال ومعالجة الصراعات المتكررة والناشئة كالقرصنة، والتمرد المسلح والإرهاب والجريمة العابرة للحدود.
وفي السياق نفسه، تسعى المبادرة لتسوية جميع النزاعات الأفريقية على المستوى الوطني والإقليمي والقاري بحلول 2030، ومعالجة محنة النازحين واللاجئين في القارة، والقضاء على جذور هذه المشكلة.
انتشار الأسلحة
في مختلف ربوع القارة، تنتشر أنواع الأسلحة، خصوصا تلك الصغيرة والخفيفة، مثل البنادق والمدافع الرشّاشة الخفيفة، وقاذفات القنابل اليدوية ومدافع الهاون أقل من 100 مليمتر.
ويساهم انتشار هذه الأسلحة على نطاق واسع في تأجيج الصراعات وزعزعة الأمن والاستقرار في مناطق عدّة من أفريقيا، فيما تعمل المبادرة من أجل الحد من منع انتشار هذه الأسلحة.
ووفق تقارير للاتحاد الأفريقي، فإنّ الجهات خارج الأطر الرسمية تمتلك حوالي 40 مليون قطعة سلاح، وهو ما يقترب من 80 في المئة من مجموع الأسلحة الصغيرة في القارة.
ويعدّ التهريب أحد مصادر انتشار وتدفق الأسلحة الصغيرة والخفيفة في أفريقيا، حيث تستغل جماعات التهريب الدول التي تعاني من هشاشة أمنية، لتهريب السلاح نحو دول الإقليم المجاورة، وهو ما أسهم في انتشار السلاح على نطاق واسع.
فرص النجاح
بالرغم من أن المبادرة لم تتمكن حتى الآن من تحقيق هدفها الرئيس المتمثل في إسكات صوت المدافع، فإن متابعين يرون أن خارطة الطريق التي تبنّاها الاتحاد الأفريقي بهذا الخصوص، قد تساهم في خفض حجم الصراعات في القارة.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي المتابع للشأن الأفريقي، أحمد ولد محمد فال؛ إنّ "إنشاء وحدة تنسيق خاصة بهذه المبادرة في مكتب مفوض السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي، وتعيين ممثلين خاصين بالنزاعات المسلحة، قد يساهم في تحريك المبادرة".
وأشار محمد فال، في تصريح لـ"عربي21"، إلى أنّ "الاتحاد الأفريقي يولي أهمية خاصة لهذه المبادرة"، مضيفا أنها: "ستحظى بنقاش مطول خلال القمة الحالية للاتحاد".
ولفت إلى أن قادة البلدان الأفريقية باتوا يدركون أن النزاعات المسلحة هي التحدي الرئيسي للقارة، مردفا: "النزاعات المسلحة تعد من أهم أسباب النزوح والهجرة في أفريقيا، لذلك، الجميع سيكون معنيّا ببذل جهود من أجل الحد من انتشار السلاح ووقف الاقتتال الداخلي".
إلى ذلك، اعتبر أنّ "إبقاء هذه المبادرة على أجندة الاتحاد طيلة السنوات الماضية، يعكس محوريتها بالنسبة لقادة القارة، والحاجة لبدء تطبيقها بشكل عملي سريعا".
بؤر الصراع في القارة
تتوزّع بؤر الصراع في العديد من بلدان القارة، خصوصا في إثيوبيا، والسودان، وأفريقيا الوسطى، والصومال، والكونغو الديمقراطية، والكاميرون، ومالي، وبوركينافاسو، وتشاد، ونيجيريا، والنيجر.
ففي إثيوبيا، يعد الصراع بين أقلية "قيمنت" وقومية "أمهرة" في إقليم أمهرة شمال إثيوبيا، من بين بؤر التوتر في القارة.
وفي أفريقيا الوسطى، تستمر الحرب بين تحالف "سيليكا" ومليشيات "أنتي بالاكا"، التي تسببت بمقتل الآلاف.
وفي مالي، انهار العام الماضي الاتفاق الموقع سنة 2015 بين الحكومة المركزية في باماكو والحركات الأزوادية، وعاد الصراع بقوة بين الطوارق المطالبين بانفصال إقليم أزواد، وحكومة باماكو.
وفي الصومال، تستمر الحرب الأهلية والنزاع بين الحكومة المركزية وإقليم أرض الصومال، الذي يسعى لاكتساب شرعية دولية.
وفي تشاد، تتجدد من حين لآخر المواجهات الدامية بين الحكومة التشادية ومقاتلي جماعة بوكوحرام، التي تنشط في منطقة بحيرة تشاد.
وفي الكونغو الديمقراطية، يحتدم الاقتتال بين الحكومة وحركة "إم 23" المدعومة من رواندا، حيث تمكنت هذه الحركة قبل أيام من توسيع سيطرتها على مناطق في شمال الكونغو الديمقراطية.
وفي
السودان، تستمر المواجهات بين الجيش بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، التي أدّت إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين وحدوث كارثة إنسانية.
تداعيات خطيرة
هذا النزاعات الممتدة في أنحاء واسعة من القارة، تسبّبت في موجات نزوح، حيث بلغ عدد النازحين داخليا في أفريقيا نحو 35 مليون شخص.
ووفق تقارير، فإن نسبة 80 في المائة من النازحين بسبب هذه الصراعات، من خمسة بلدان، هي: جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا ونيجيريا والصومال والسودان.
ومطلع شباط/ فبراير الجاري، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة عن تزايد أعداد النازحين في بلدان
القرن الأفريقي بشكل غير مسبوق، خلال الفترة الأخيرة.
وقالت المنظمة، عبر تقرير؛ إنّ عدد النازحين في منطقة القرن الأفريقي بلغ 20.75 مليون شخص في نهاية عام 2024، وهو ما قالت؛ إنه يمثل ارتفاعا بنسبة 1.6% مقارنة بعدد النازحين إلى غاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأوضح التقرير، أن الصومال يضم 3.5 مليون نازح، وإثيوبيا 3.2 مليون نازح، وجنوب السودان مليوني نازح.
وتقول منظمة الأغذية والزراعة "الفاو"؛ إن حوالي 67.4 مليون شخص معرضون لانعدام الأمن الغذائي في المنطقة، بينهم 38 مليون شخص ينحدرون من الدول الأعضاء في "إيغاد"، وهي: جيبوتي، وكينيا، والصومال، وجنوب السودان، والسودان، وأوغندا.
وتؤكد المنظمة أن النزاعات والأوبئة ونقص الغذاء والماء الصالح للشرب، ما زالت تؤثر بشكل خطير على الأمن الغذائي في منطقة القرن الأفريقي.