ملفات وتقارير

الطيران الإسرائيلي يواصل حصد الخسائر وشركات عالمية توقف رحلاتها

مطار بن غوريون بنته بريطانيا وسمي باسم أول رئيس وزراء للاحتلال الإسرائيلي - جيتي
يواجه الاحتلال الإسرائيلي أزمة متصاعدة في قطاع الطيران المدني إثر استهداف المطارات من قبل المقاومة الفلسطينية وجماعة الحوثي اليمنية، لا سيما بعد الهجوم الصاروخي الذي نفذته جماعة الحوثيين والذي استهدف مطار بن غوريون الدولي قرب تل أبيب في الرابع من أيار/مايو الجاري، ما أدى إلى اضطراب واسع النطاق في حركة الملاحة الجوية، وتوالت تباعًا إعلانات شركات طيران دولية عن تعليق أو إلغاء رحلاتها من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وكانت شركة "إير إنديا" الهندية أول من بادر إلى تعليق رحلاتها إلى تل أبيب، مشيرة إلى حرصها على سلامة طواقمها وركابها. وتبعتها مجموعة "لوفتهانزا" الألمانية وشركاتها التابعة، التي أوقفت بدورها جميع رحلاتها إلى مطار بن غوريون، موضحة أن القرار جاء بسبب "الوضع الراهن". 

كذلك أعلنت شركة "دلتا إيرلاينز" الأمريكية عن إلغاء رحلاتها من مطار جون كينيدي إلى تل أبيب، وعلقت الخطوط الجوية البريطانية جميع رحلاتها. 

أما شركة "ويز إير" المجرية فقد ألغت رحلاتها إلى الاحتلال الإسرائيلي، في حين ألغت شركات مثل "يونايتد إيرلاينز" الأمريكية و"رايان إير" الايرلندية رحلات مجدوَلة إلى مطار بن غوريون.

كاتس يهدد
ورغم أن إدارة المطارات الإسرائيلية أعلنت استئناف العمل في مطار بن غوريون بعد توقف مؤقت، إلا أن الضرر المعنوي والاستراتيجي بدا أعمق بكثير، خاصة بعد تصريح وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن "من يضربنا سيتم ضربه بـ7 أضعاف"، في محاولة لاحتواء التداعيات المتزايدة لهذا الحدث الأمني.

وتأثرت العمليات الجوية بشكل مباشر، حيث تم تحويل بعض الرحلات أو إلغاؤها كليًا؛ الخطوط الهندية أعادت طائرة كانت متجهة إلى تل أبيب، بينما أنزلت الخطوط الأوروبية ركابًا من طائرة كانت متوجهة من مدريد، في حين ألغت الخطوط الجوية النمساوية رحلاتها حتى إشعار آخر، وكذلك فعلت شركات سويسرية، بلجيكية، وإيطالية.

في المقابل، واصل عدد قليل من شركات الطيران الأجنبية تشغيل بعض الرحلات إلى الاحتلال الإسرائيلي، مثل "الخطوط الجوية الإثيوبية"، و"فلاي دبي" الإماراتية، و"بلو بيرد إيرويز" اليونانية. 


الشركات الإسرائيلية تحاول جبر الخلل
ومنح هذا الانسحاب الجماعي شركات الطيران الإسرائيلية الثلاث الكبرى، "إل عال"، "يسرائير"، و"أركيا"، هيمنة شبه كاملة على الأجواء الإسرائيلية في محاولة منها لعلاج العجز الذي حدث. واستجابةً للوضع، أعلنت "إل عال" عن سقف أسعار للرحلات باتجاه واحد إلى تل أبيب من مدن عالمية عدة، في محاولة لتسهيل عودة المواطنين، فيما أطلقت "يسرائير" و"أركيا" رحلات إضافية من لارنكا وأثينا وروما وفيينا.

كما أدى تقليص عدد الرحلات واحتكار السوق إلى قفزات حادة في أسعار التذاكر. فالتذكرة الاقتصادية من تل أبيب إلى نيويورك، التي كانت تكلف نحو 800 دولار، ارتفعت إلى أكثر من 2000 دولار. كما أحدث الإغلاق المؤقت للمطار هزة في ثقة السياح والمستثمرين بمدى استقرار الوضع الأمني في الاحتلال الإسرائيلي، ما يهدد بتداعيات سلبية طويلة الأمد على الاقتصاد.

خطر غير مسبوق
وترى مراسلة شؤون الطيران في صحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية، هدار كانا،  أن ما يشهده الاحتلال الإسرائيلي حاليًا لا يمكن اعتباره مجرد أزمة عابرة، بل هو مؤشر على أزمة ثقة متفاقمة. 

وأوضحت أن شركات الطيران العالمية تتبع سياسة تقليل المخاطر، وأي تهديد لمرافق حيوية كالمطارات يجعل من الاحتلال الإسرائيلي وجهة محفوفة بالمخاطر. 

وحذرت من أن استمرار الوضع على ما هو عليه لبضعة أيام إضافية فقط قد يؤدي إلى خسائر بملايين الشواكل، خصوصًا في ذروة الموسم السياحي.


أما الرئيس السابق لسلطة الطيران المدني، أفنير ياركوني، فقد وصف ما حدث بأنه تطور غير مسبوق، مشيرًا إلى أن هذه أول مرة يسقط فيها صاروخ باليستي بشكل مباشر على مطار بن غوريون. 

وأضاف أن التهديد الحقيقي لا يكمن فقط في الأضرار الفورية، بل في حجم المخاوف المتصاعدة لدى شركات الطيران العالمية، والتي قد تدفعها إلى تعليق الرحلات لأجل غير مسمى. 

وشدد ياركوني على أن الأمر يتطلب تحركًا دبلوماسيًا عاجلاً من الحكومة الإسرائيلية لاستعادة ثقة الشركات الدولية.

على صعيد السياحة، كشفت المديرة التنفيذية لمجموعة "غوردون للسياحة"، شيري غوردون، عن حالة فوضى متزايدة في قطاع السياحة المنظمة، في ظل قرارات الإلغاء المتلاحقة من شركات الطيران دون إشعارات رسمية، مما يعيق اتخاذ شركات السياحة المحلية لخطوات بديلة. 

وطالبت بتدخل حكومي عاجل لإنقاذ القطاع الذي يشغل عشرات الآلاف من العاملين ويواجه شبح الانهيار.

أكثر من 28 مليون دولار خسائر
وبحسب بيان صادر عن سلطة المطارات الإسرائيلية، فقد تكبد قطاع الطيران المدني خسائر بلغت نحو 105 ملايين شيكل (28.8 مليون دولار) خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، نتيجة حرب الإبادة الجماعية المستمرة على غزة وتقليص أنشطة شركات الطيران الأجنبية. 

وانخفض عدد المسافرين عبر مطار بن غوريون بنسبة 34% مقارنة بعام 2023، إذ سجل مرور 13.8 مليون مسافر فقط في العام الماضي. كما تراجعت النفقات التشغيلية بنسبة 16%، لتبلغ 2.3 مليار شيكل (630 مليون دولار).

وتعتزم السلطة تنفيذ خفض إضافي بنسبة 10% في ميزانيتها لعام 2025، مع تجميد إيجارات المحال التجارية داخل المطارات، كمحاولة لدعم الجهات المتضررة. وتعمل حاليًا على وضع خطط لتعزيز البنية التحتية وتحسين تجربة العملاء، على أمل استعادة ثقة شركات الطيران والسياح في المستقبل.

ولا تعكس أزمة الطيران الحالية خللاً في القطاع الجوي فقط، بل تكشف عن هشاشة الوضع الأمني والاقتصادي في الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يلقي بظلاله الثقيلة على قطاعات السياحة والاستثمار والتجارة، ويثير تساؤلات حول قدرة الدولة على حماية بنيتها التحتية الحيوية واستعادة الاستقرار في بيئة أمنية شديدة التوتر.