قال المبعوث
الأمريكي
مارك سافايا، إن مصالح الشعب العراقي والمنطقة الأوسع، تعتمد على عراق
كامل السيادة، خالي من التدخّل الخارجي الخبيث، بما فيه من إيران ووكلائها.
وأضاف،
أن "الولايات المتحدة أوضحت بجلاء أنه لا مكان لأي جماعات مسلّحة تعمل خارج
سلطة الدولة، وأن استقرار العراق وازدهاره يعتمدان على وجود قوات أمن موحدة تحت
قيادة القائد العام للقوات المسلحة وراية واحدة تمثل جميع العراقيين".
وفي أول بيان
لسافايا منذ تعيينه رسمياً مبعوثًا خاصا للرئيس ترامب في العراق في الـ19 تشرين
الأول/أكتوبر 2025، قال أن: "العراق بلد محوري في الشرق الأوسط، ويجب أن يؤدي
دوره الطبيعي في تعزيز السلام والأمن والاستقرار الإقليمي، دون العودة إلى ممارسات
الماضي أو تبني سياسات تعيق الوحدة والتقدم".
واختتم سافايا
بيانه بالقول: "مهمتي، بالنيابة عن الرئيس ترمب، هي دعم العراق في سعيه
لتحقيق الاستقرار والسيادة والازدهار، وسيبقى العراق من أهم وأقوى شركاء الولايات
المتحدة، وأنا ملتزم بتعزيز هذه العلاقة خلال عملي كمبعوث خاص".
السلاح بدل صناديق
الاقتراع
يأتي تصريح
سافايا، في وقت حذّرت فيه
مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، من أن العراق يعيش مرحلة تحوّل سياسي
خطير وسط تصاعد نفوذ الميليشيات المسلحة وغياب فاعلية الدولة في مواجهة العنف
السياسي والذي يكشف عن ضعف سلطة الدولة وغياب سيادة
القانون.
وأضافت
المؤسسة البحثية المختصة بشؤون الأمن القومي الأمريكي والسياسة الخارجية، أن سياسة
السلاح في العراق باتت تحلّ محل صناديق الاقتراع، ورغم محاولاته دمج الميليشيات في
الأجهزة الأمنية الرسمية، إلا أن العراق لا زال عاجز عن السيطرة عليها، مشيرة إلى
أن العقوبات الأميركية المفروضة على قادة الفصائل المسلحة لم تؤدِّ إلى تحجيم
نفوذهم، بل استمروا في ممارسة دورهم السياسي والعسكري.
عقوبات ضد 100 فرد وشركة
برز مؤخرًا تأثير
واشنطن واضحًا في الساحة العراقية بعد الفيتو الذي فرضته على تعديل قانون
"هيئة الحشد الشعبي"، إذ أعلن رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، أن الأحزاب
استجابت للضغط الأمريكي بعدم تمرير تعديل قانون "الحشد الشعبي"، مشيرًا
إلى أن الضغط تمثل بفرض عقوبات سياسية ورفع الدعم عن النظام السياسي، والحماية عن
أموال النفط، وكذلك استهداف قوات "الحشد الشعبي"، والسماح لإسرائيل
بتنفيذ ضربات مباشرة داخل الأراضي العراقية.
وبدأت
العقوبات الأمريكية على المؤسسات العراقية تشتد منذ عام 2023، إذ فُرضت على أكثر
من 100 شركة وفرد، بتهم مساعدة إيران في تجاوز العقوبات المفروضة عليها، وكان منها
شركة المهندس التابعة لـ"الحشد الشعبي"، بالإضافة إلى فالح الفياض رئيس
هيئة "الحشد الشعبي"، وقيس الخزعلي رئيس حركة "صادقون"،
الذراع السياسية لـ"عصائب أهل الحق".
وترى واشنطن، أن
هذه الإجراءات تمهد لإعادة النفوذ الإيراني إلى ما قبل عام 2012، عبر خلق قوى
سياسية جديدة منفتحة على الغرب تستطيع الحد من النفوذ الإيراني، وتُحجم دور
الفصائل، ويعتمد ذلك على نتائج الانتخابات النيابية المقبلة.
وفي أبرز تطور
يهدد العراق بالعودة إلى المربع الأول، كشف الصحفي الأمريكي البارز، روبرت ف.
وورث، توقيع
وزارة الاتصالات العراقية عقودًا
بالأمر المباشر مع هيئة الحشد الشعبي وشركة المهندس العامة لصيانة شبكة الألياف
الضوئية العراقية وبناء شبكة بديلة جديدة، معتبرًا أن "هذه العقود، التي لم
يُكشف عنها سابقاً، تمنح الميليشيات شيئًا لطالما رغبت فيه وهو السيطرة على شبكة
البيانات العراقية".
وقال في تقرير
له نشرته
مجلة "ذي اتلانتيك" الأمريكية: "أخبرني عدد من المسؤولين
العراقيين والعاملين في قطاع الاتصالات، إن هذه العقود مثيرة للقلق ليس بسبب
الفرصة التي توفرها لتحقيق مكاسب غير مشروعة فحسب، بل بسبب خوف أكبر تتعلق بالأمن،
فبوجود الخبرات اللازمة، يمكن للميليشيات أو لمن يرعاها في طهران استخدام سيطرتها
على الشبكة لمراقبة أي شخص في العراق".
وأضاف:
"وفي سياق مماثل، حاول السوداني مؤخراً تمرير عقد حصري لشبكة الهاتف المحمول
من الجيل الخامس لصالح ائتلاف مختلف تابع لقوات الحشد الشعبي. لقد أعاق أحد قضاة
المحكمة العليا تنفيذ العقد، مبرّرًا بأنه يثير تساؤلات تتعلق بالأمن القومي، لكنه
قد لا يتمكن من الاستمرار في تعليقه إلى أجل غير مسمى".
حذر من "إفلاس الدولة"
وتحت عنوان "الحليف الأخير لإيران في الشرق الأوسط"، أشارت مجلة "
ذي اتلانتيك" الأمريكية إلى العراق الذي برغم أنه يعيش بهدوء منذ ثلاث سنوات، إلا أنه يجد نفسه في موقع غير مريح، ما بين طهران وواشنطن، كاشفة أن بغداد تحولت إلى "شريان حياة" بالنسبة لطهران، حيث منحت وزارة الاتصالات العراقية عقداً لشركة "المهندس" لصيانة شبكة الألياف البصرية وإنشاء شبكة بديلة جديدة في البلاد.
وأوضحت المجلة في تقريرها، أن العراق نجح طوال أكثر من ثلاث سنوات في البقاء بعيداً عن عناوين الأخبار، في حين عصفت الحروب والانتفاضات بمناطق أخرى من الشرق الأوسط،إلا أن العديد من العراقيين يخشون إلا يدوم هذا الهدوء طويلاً، مشيراً إلى أن إيران تلقت ضربات قاسية من الولايات المتحدة وإسرائيل كما انهار "محور المقاومة" ووجد العراق نفسه في موقع غير مريح، حيث تحول إلى الحليف الإقليمي الرئيسي الأخير لإيران، وشريان اقتصادي حيوي لنظامها المحاصر مالياً، بينما لم يعلق الرئيس الأمريكي ترمب على هذه العلاقة رغم استمراره في محاولة خنق اقتصاد إيران من خلال العقوبات، وبين إلى أن هناك قلق من أن يتحول العراق مجدداً إلى ساحة صراع بين الولايات المتحدة وإيران.
انتشار واسع للفساد
وفي حين لفت التقرير إلى الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، أشار إلى أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يروج لحالة الهدوء والازدهار النسبي في البلد، مضيفاً أن شعاره الانتخابي هو "الرافعة" كرمز لازدهار الإعمار في السنوات الأخيرة، لكن التقرير تابع قائلاً إن السوداني وظف أكثر من مليون مدني خلال العام الماضي ليخفف من أزمة البطالة، إلا أنه في الوقت نفسه جعل الدولة معرضة أكثر للإفلاس، بالتزامن مع انتشار واسع للفساد، موضحاً أنه من الصعب تحديد كمية الأموال التي جرى توجيهها إلى "الأيدي الخاصة".
وقال مسؤول حكومي سابق، إنه "ليس صدفة أننا لم نشهد أي احتجاجات شعبية، حيث أن الجميع يتم شراء ولائهم"، مضيفاً أن هذا وضع "ليس مستدام، فعندما تنخفض أسعار النفط دون مستوى معين، لن يكون بمقدور الحكومة دفع الرواتب، وعندها ستندلع احتجاجات دموية"، وذكرّ بما جرى خلال احتجاجات تشرين العام 2019 ضد الفساد والبطالة، والتي أوقعت مئات الضحايا.
السوداني احتضن الميليشيات
وفي حين لفت إلى أن رئيس الوزراء العراقي وقتها مصطفى الكاظمي حاول وفشل في كبح الميليشيات المدعومة من إيران، قال التقرير إنه على عكس الكاظمي، فإن السوداني احتضن هذه الميليشيات وقدم لها الدعم المالي حيث جرى توزيع العقود الحكومية بوتيرة متسارعة وأنشأ شركة مملوكة للدولة باسم "شركة المهندس العامة" التي فرضت عليها وزارة الخزانة الأميركية عقوبات باعتبارها واجهة لجماعات "إرهابية".
وفي الوقت نفسه، لفت التقرير إلى أن الميليشيات تواصل الاستفادة من "مزاد الدولار" الذي ينظمه البنك المركزي من خلال بيع يومي للعملة الأمريكية، والذي تحول إلى وسيلة لعمليات احتيال واسعة، وتابع التقرير قائلاً إن السوداني يقدم نفسه كبراغماتي، وأن العراق يشترك بحدود طويلة مع إيران، ولهذا يتحتم على رئيس الوزراء العراقي أن يوازن مصالح هذا الجار القوي مع مصالح شريك أكثر قوة في واشنطن.
وبحسب "ذي اتلانتيك"، فإن الرؤساء الأمريكيين في السنوات الأخيرة وافقوا بصعوبة على حدود النظام السياسي العراقي، ومارسوا ضغوطاً على القادة العراقيين للابتعاد عن طهران، إلا أنهم تجنبوا اتخاذ إجراءات قد تعيد البلد إلى صراع مفتوح، غير أن التقرير رأى أن ترامب الذي لا يعرف عنه صبره إزاء التسويات الدبلوماسية، قد يسير على نهج مختلف، مضيفاً أن ترامب لم يمنح اهتماماً كبيراً بالعراق منذ عودته إلى البيت الأبيض، غير أن قرار وزارة الخزانة الأمريكية الأخير بفرض عقوبات على شركة "المهندس" وعلى اثنين من "الأوليغارشيين العراقيين البارزين"، أثار همسات قلق بين أوساط "الكلوبتكراتكس" الفاسدين في بغداد.
الوزارة ترد..
"شركة المهندس حكومية"
وزارة
الاتصالات، وفي رد على مجلة "ذي اتلانتيك" الأمريكية ، قالت في بيان لها:
" إن الوزارة تود التوضيح للرأي العام بعدم صحة ما تداولته بعض وسائل الإعلام
في ما يتعلق بالتعاقد مع شركة المهندس"، مؤكدة أنّ "الشركة حكومية تابعة
لهيئة الحشد الشعبي ولها الحق في الدخول في المناقصات والتعاقد على المشاريع وفقًا
للتعليمات النافذة".
وأوضحت أن
"تشكيلات الوزارة لها الحق بالتعاقد مع جميع الشركات الحكومية، وقد تم
التعاقد مع شركة المهندس أصوليًا وفقًا لتعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2)
النافذة، بعد توجيه الدعوة لهذه الشركة وعدد من شركات وزارة الإسكان والإعمار
ووزارة الصناعة بخصوص صيانة مسارات الكابل الضوئي وحفر ومد مسارات أخرى، وهو عمل
لا يتعلق بأي حال من الأحوال بإدارة الاتصالات في العراق، كون إدارة وتشغيل أجهزة
الاتصالات الخاصة بشبكة الألياف الضوئية من مسؤولية موظفي وزارة الاتصالات حصرًا".
نبذة عن شركة
المهندس
نهاية تشرين
الثاني/نوفمبر 2022 أعلنت الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، تأسيس
شركة عامة باسم "المهندس"، برأسمال يبلغ 100 مليار دينار، أي نحو 68.5
مليون دولار أميركي، استناداً إلى أحكام المادة 8 من قانون الشركات العامة رقم 22
لسنة 1997.
سُميت الشركة تيمناً
بالقيادي في "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، الذي لقي مصرعه في الغارة الأمريكية، التي استهدفت زعيم "فيلق القدس" قاسم سليماني في 3 كانون
الثاني/يناير 2020، وفي
تقرير
لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قال إن إنشاء شركة المهندس، يُعد نسخة عراقية
من التكتل الإيراني التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني"، حيث تسعى
الميليشيات إلى الهيمنة سريعًا على اقتصاد بلادها المتنامي.
وأضاف أن "كيان
تجاري تسيطر عليه ميليشيات المقاومة العراقية وفصائلها السياسية وتملكه قوات الحشد
الشعبي، مشابه لشركة "خاتم الأنبياء" الإيرانية المملوكة من "الحرس
الثوري"، المصنف على قائم الإرهاب الأمريكية.
ومنتصف تشرين
الأول/أكتوبر الجاري، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية حزمة عقوبات جديدة استهدفت
"شركة المهندس" الذراع الاقتصادي للحشد الشعبي، في خطوة قالت إنها تهدف
إلى "تفكيك شبكات الفساد وغسل الأموال التي تمكّن الجماعات المسلحة من العمل
داخل العراق وخارجه.
تناقض القرارات
بذريعة حماية الأمن القومي
منح شركة
المهندس عقودا تخص مؤسسات حساسة قد تؤدي لتسريب بيانات العراقيين، أثارت استغراب
عدد من الناشطين، مستشهدين بقضية مشابه سبق وأن رفضت أحزاب تمرير عقود مشاريع
قالوا إنها تهدد الأمن القومي العراقي، ففي أيلول/سبتمبر 2021، أعلنت أحزاب مقربة
من إيران، رفضها تعاقد الحكومة العراقية مع شركة "علم أركان" السعودية المختصة
بمجال الملاحة ومراقبة النقل، لتنفيذ نظام مروري إلكتروني متكامل في العراق.
وشدد رئيس
تحالف الفتح هادي العامري، وهو رئيس منظمة بدر (فصيل عسكري تأسس في إيران إبان
ثمانينيات القرن المنصرم)، على أن التعاقد مع السُّعُودية يشكل خطرا على أمن العراق، قائلًا
إن: "العقد سيمنح السعودية السيطرة الكاملة على حركة النقل العراقية وسيجعلها
مطلعة على كل بيانات المرور والمركبات"، وهو رأي شاركه فيه النائب عن التحالف
نفسه، حسن سالم، عادا تعاقد وزارة الداخلية مع شركة سعودية "خيانة للعراق".
مع تراجع
النفوذ الإيراني في المنطقة (لبنان وسوريا)، يبقى ملف أذرعها عبر فصائلها المسلحة الموالية لها في
العراق مفتوحًا بالنسبة للجانب الأمريكي الذي يحاول تقليص نفوذ طهران وفق تقرير
لشبكة
دويتشه فيله الألمانية، إذ اتصل وزير خارجية الولايات المتحدة ماركو
روبيو برئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني يوم الثلاثاء 21 تشرين الأول/
أكتوبر 2025، مطالبًا إياه بنزع سلاح الحشد الشعبي، الأمر الذي استغله خصوم
السوداني قبيل الانتخابات البرلمانية، فقال مسؤول في ائتلاف دولة القانون
بزعامة رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، إن السوداني يخضع للإملاءات
الأمريكية.
ومنذ نحو عقدين من الزمن، بات العراق ساحة تنافس
بين إيران والولايات المتحدة، حيث يسعيان لحماية مصالحهما عبر دعم أطراف بعينها،
وهي محاولات أصبحت تنعكس سلبا على نتائج كل انتخابات بسبب إضعافها ثقة الناخب بنزاهة
العملية السياسية بحسب معهد واشنطن، ولذا تجد الحكومة العراقية نفسها في موقف من
يحاول مسك العصا من المنتصف، بين طهران وواشنطن، وكثيراً ما يُعتبر هذا أحد
العوامل التي تؤثّر في استراتيجية الأحزاب والمرشحين، وتجاهل مصلحة البلاد في
المحصلة.