قضايا وآراء

لماذا يهين ترامب حكاما عربا؟

بحري العرفاوي
"المقترح يكشف عن عجرفة وعن توحش وعن غريزة مادية لا عاطفة فيها ولا عقل"- جيتي
"المقترح يكشف عن عجرفة وعن توحش وعن غريزة مادية لا عاطفة فيها ولا عقل"- جيتي
تكلم الرئيس الأمريكي المنتخب أخيرا لولاية ثانية، بنبرة الواثق الآمر، وهو يتحدث عن تهجير أهل غزة نحو مصر والأردن، ورغم تعبير كل من النظام المصري والنظام الأردني عن رفضهما لمشروع التوطين (وقد لا يعنيهم الترحيل)، فإنه أكد مرة ثانية وبكل ثقة واستعلاء بأنهما "سيفعلان"، وكان تكلم قبل ذلك عن أموال طائلة يجب أن يدفعها السعوديون لأمريكا لأنها تحميهم وتدافع عنهم. وقد سبق أن زار المملكة في ولايته الأولى وابتزها في أموال طائلة، مذكرا إياهم بأن أمريكا هي التي تحمي عروشهم وأنها لو تخلت عنهم فلن يصمدوا لأسبوعين.

ترامب يخاطب السيسي باسم "الجنرال" ويخاطب حاكم السعودية باسم "الملك" وهو يعي جيدا أنه يقصد أمورا كثيرة، منها أنهما ليسا حاكمين منتخَبين ولا هما ديمقراطيان، فلا يحتاجان استشارة شعبيهما ولا يمكنهما تبرير الرفض باحترامهما لقرار الشعبين، وربما أيضا يريد إبلاغ تهديد ضمني بأن أمريكا قد تساعد، وباسم الدفاع عن الديمقراطية، في إسقاط عرشيهما.

والسؤال ليس لماذا يخاطب ترامب الحكام العرب بهذه الطريقة، وإنما لماذا يجد الجرأة على احتقارهم وإهانتهم؟ ولماذا يُبدون نحوه تذللا وانكسارا؟

ليس مستغرَبا أن يُبدي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية استعلاء واستكبارا فهو رئيس أعظم دولة في العالم، حتى وإن ادعت أنها تدافع عن الحريات وعن الديمقراطية، ففي عالم المصالح لا تعلو إلا أصوات الأقوياء حتى وإن تكلموا بصوت خافت لأنهم يرفعون عصا غليظة
ليس مستغرَبا أن يُبدي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية استعلاء واستكبارا فهو رئيس أعظم دولة في العالم، حتى وإن ادعت أنها تدافع عن الحريات وعن الديمقراطية، ففي عالم المصالح لا تعلو إلا أصوات الأقوياء حتى وإن تكلموا بصوت خافت لأنهم يرفعون عصا غليظة، أما من يبالغون في الصراخ والوعيد وهم ضعاف فلا يثيرون مخاوف من يعرفون حقيقة عجزهم وضعفهم.

الغرب الذي تأسس على فلسفة ليبرالية وعلى نظرة مادية للعالم وللعلاقات، لا يهتم كثيرا بما هو قيم إنسانية ولا يبالي بصرخات الشعوب وهي تموت دفاعا عن أوطانها، فالأرض ليست أكثر من رقعة جغرافية يمكن تركها عند الضرورة، حين تصبح بيئة فاقدة للأمان وفاقدة لمظاهر الرفاه. هكذا تعامل الرئيس الأمريكي مع أهل غزة، يُغريهم بجغرافيا أخرى يجدون فيها منازل جميلة ورفاهية يفتقدونها في ارضهم، ويحلم هو بمشروع استثماري في غزة بعد أن يُسلمه الكيانُ إياها.

هذا المقترح يكشف عن عجرفة وعن توحش وعن غريزة مادية لا عاطفة فيها ولا عقل، يكشف أن المستكبرين لا يفهمون لماذا تموت الشعوب دفاعا عن الأرض، ولا يشعرون بما يجده أهل الأرض من تعلق عاطفي وعقدي ووطني بالأرض، فهي في وعيهم وفي ضمائرهم ليست مجرد رقعة جغرافية يمكن استبدالها، إنما هي انتماء وتاريخ وهوية وثقافة وحضارة لا يتحقق وجود أصحابها إلا فيها وعليها ولا أحد يستطيع إغراءهم ليتركوها.

لقد أجاب أهل غزة ترامب وحليفه الصهيوني حين رفعوا لافتة فيها: "نحن الطوفان ونحن اليوم التالي".

فهل فعلا، نحن العرب، ضعفاء؟ وأي معنى للقوة؟ هل هي فقط قوة السلاح والتكنولوجيا والمال؟ وما الذي يمنعنا من أن نكون ذوي سلاح وتكنولوجيا ونحن أصحاب أكبر ثروات العالم؟

إن سبب ضعف الأنظمة العربية هو كونها أنظمة متسلطة ولا تضمن بقاءها بإرادة الشعوب، وإنما تتوهّم أنها تضمنه بالاعتماد على حماية الدول الكبرى لها، فهي رهينة للاستخبارات الخارجية تُسيّرها وتحدد لها الأعداء وتدلها على الأصدقاء فإذا بهم يعادون أشقاءهم ويوالون أعداء الأمة.
هل يحتاج حكام العرب علما خارقا ليكتشفوا أن قوّتهم هي من قوة شعوبهم؟ حين يلتحمون بها يصارحونها ويخدمونها ويعدلون فيها يكتسبون ثقتها إذا ما تكلموا عن السيادة الوطنية وعن حماية الثروات وعن مواجهة الأعداء

هل يحتاج حكام العرب علما خارقا ليكتشفوا أن قوّتهم هي من قوة شعوبهم؟ حين يلتحمون بها يصارحونها ويخدمونها ويعدلون فيها يكتسبون ثقتها إذا ما تكلموا عن السيادة الوطنية وعن حماية الثروات وعن مواجهة الأعداء، حتى وإن اقتضى الأمر خوض مقاومة شعبية بكل الطرائق لمواجهة قوى الاستكبار التي تريد إذلال الحكام والشعوب مستفيدة من حالة العداء الداخلي والبيني، حيث الأنظمة تعول على حماية القوى الكبرى لها وحيث تجد تلك القوى فرصة للتدخل في سياسات تلك الأنظمة تهددها حينا وتغريها حينا آخر، ولن تتردد في قلبها حين تجد أنها لم تعد قادرة على تنفيذ أوامرها فتتركها لغضبة شعبية منفلتة تطيح بها، وقد تطيح بالدولة حين لا تكون الغضبة تلك قادحا لثورة بما هي رؤية للمستقبل وفلسفة في الحكم وإرادة صلبة ووعي بالمشتركات العابرة والدائمة.

حين تبالغ أنظمة في الظلم وفي التضييق على الحريات وفي التنكيل بالمخالفين، وحين تعجز عن تحويل شعاراتها إلى واقع يلمسه الناس في واقعهم المعيشي، فلن تجد دعما شعبيا إذا ما تعرضت لضغط خارجي ولا تصمد أمام إملاءات الدول الكبرى ذات النزوع الاستعماري، بل إن عددا من المعارضين لتلك الأنظمة قد يجدون لأنفسهم ما يبررون به "استقواءهم" بقوى خارجية يريدونها أن تدخل بشكل مكثف في الشأن الداخلي، دون أن يفكروا في إن كان ذاك التدخل هو مدخل لعودة الاستعمار المباشر الذي لن يحترم من استدعوه للتدخل ولن يكون لهم عنده لا مكانة ولا مكان.

x.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)

خبر عاجل