يقول المثل:
"مقاومة الخراف ليست كمقاومة الذئاب".. مواجهة المعتدي تحتاج إلى أدوات قوة
حقيقية، لا إلى ردود فعل شكلية، وإذا اكتفى
العرب والمسلمون ببيانات الإدانة، فإنهم
سيكونون كالخراف في مواجهة ذئب مفترس لا يعترف بقانون ولا يردعه عُرف.
لقد أثبتت
الوقائع أن الكيان الصهيوني لم يعد يخفي جرائمه، بل يرتكبها علنا: اغتيال قادة وشخصيات
سياسية، وقصف أراضٍ عربية، وحصار وتجويع ممنهج لسكان غزة، وإبادة جماعية محتملة، وأخيرا
قصف قطر وانتهاك سيادتها المباشر. كل ذلك يتم في ظل حماية الفيتو الأمريكي، ما يجعل
القانون الدولي معطّلا إن لم يُفعّل العرب والمسلمون أدواته البديلة.
أولا: الجرائم
المعلنة بين الواقع والقانون
1- الاغتيالات
العلنية: استهداف شخصيات سياسية وعلمية في أراضٍ ذات سيادة، كما حدث مع العالم النووي
الإيراني محسن فخري زاده (2020)، واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني (2020) داخل
العراق. كما سجلت الوقائع نمطا من العمليات التي استهدفت قيادات أو وفودا تابعة لحركات
مسلحة (منها هجمات طاولت مسؤولين تابعين لحركة حماس في أماكن وتجَمُّعات مختلفة)، وعمليات
جوية متكررة داخل سوريا طالت مواقع قرب مؤسسات رسمية رفيعة.
هذه الاعتداءات لا يمكن تبريرها تحت ذريعة الدفاع عن النفس الواردة في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، لأن شروطها (وجود هجوم مسلح وضرورات الرد الفوري والضروري والمتناسب) غير متحققة في معظم الحالات. وعليه، فإنها تُصنّف كأعمال عدوانية تهدد السلم والأمن الدوليين، وتستوجب تفعيل آليات المساءلة الدولية
تُصنّف هذه
الأفعال، من حيث الإطار القانوني، على نحوٍ مبدئي كـقتل متعمَّد خارج نطاق القانون
إذا نُفِّذت خارج أطر النزاع المشروع، وقد تندرج كـجرائم حرب أو جرائم دولية (مثل
العدوان
أو القتل العمد أو الجرائم ضد الإنسانية) عند توافر أركانها القانونية (راجع: نظام
روما الأساسي، المادة 8، واشتراطات القصد والنية في اتفاقية منع الإبادة الجماعية).
2- قصف دول
عربية
لم يعد العدوان
الصهيوني يقتصر على الأراضي الفلسطينية، بل امتد إلى دول عربية وإقليمية أخرى، في انتهاك
صارخ لمبدأ سيادة الدول واستقرارها.
• قطر: الغارة
الإسرائيلية الأخيرة على الدوحة شكّلت سابقة خطيرة، لأنها استهدفت
أراضي دولة ذات سيادة خارج نطاق النزاع المباشر، في خرق واضح للمادة 2/4 من ميثاق الأمم
المتحدة التي تحظر استخدام القوة ضد سلامة أراضي أي دولة.
• سوريا: الغارات المتكررة على دمشق وضواحيها، بما في ذلك استهداف مواقع قرب
القصر الرئاسي ومقار رسمية، تُظهر سياسة عدوانية منهجية. هذه الأفعال تُعدّ من منظور
القانون الدولي أعمال عدوان متكررة، وتفتح الباب أمام ملاحقة المسؤولين عنها.
• لبنان: الهجمات الجوية التي طاولت الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق حدودية
بشكل متكرر، ليست فقط خرق للسيادة اللبنانية، بل أيضا تهديد للسلم والأمن الإقليميين،
خصوصا مع تأثيرها على المدنيين.
• إيران: استهداف مواقع داخل الأراضي الإيرانية، بما في ذلك منشآت نووية ومراكز
عسكرية، يؤكد أن العدوان تجاوز إطار "الدفاع عن النفس" المزعوم، ليصبح عملا
عسكريا هجوميا قد يرقى إلى "عدوان مسلح" بمفهوم قرار الجمعية العامة للأمم
المتحدة رقم 3314 (1974).
إجمالا، هذه
الاعتداءات لا يمكن تبريرها تحت ذريعة الدفاع عن النفس الواردة في المادة (51) من ميثاق
الأمم المتحدة، لأن شروطها (وجود هجوم مسلح وضرورات الرد الفوري والضروري والمتناسب)
غير متحققة في معظم الحالات. وعليه، فإنها تُصنّف كأعمال عدوانية تهدد السلم والأمن
الدوليين، وتستوجب تفعيل آليات المساءلة الدولية.
3- حصار وتجويع
غزة: منع الغذاء والدواء والماء يُعد جريمة حرب وفقا للبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات
جنيف (المادة 54)، وكذلك المادة 8(2)(ب)(xxv) من نظام روما الأساسي التي تجرم تجويع المدنيين عمدا.
4- الإبادة
الجماعية المحتملة: الاستهداف الواسع للمدنيين وتدمير البنية التحتية، إذا اقترن بنية
خاصة للقضاء على جماعة بعينها، يرقى إلى جريمة إبادة وفق اتفاقية منع جريمة الإبادة
الجماعية لعام 1948.
5- انتهاك
سيادة قطر: القصف المباشر على أراضيها خرقٌ للمواثيق الدولية، ويفتح المجال لدعوى أمام
محكمة العدل الدولية لطلب تدابير احترازية وحماية لسيادتها.
ثانيا: الآليات
المقترحة لمواجهة العدوان
1. آلية الاتحاد
من أجل السلم (Uniting for Peace) والتي
أُقرت بقرار الجمعية العامة رقم 377 (1950) كوسيلة لتجاوز شلل مجلس الأمن بسبب الفيتو.
وتُمكّن هذه الالية الجمعية العامة من عقد جلسة استثنائية خلال 24 ساعة لإصدار توصيات
جماعية لحفظ السلم والأمن، بما فيها حظر السلاح أو تشكيل لجان تحقيق.
ومن الأمثلة
تاريخية: إيقاف العدوان الثلاثي على مصر (1956)، التدخل في أزمة الكونغو (1960)، جلسات
طارئة متكررة بشأن فلسطين (الثمانينيات)، إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بأغلبية 141
دولة (2022).
وتبرز أهمية
آلية الاتحاد من أجل السلم اليوم كونها هي السلاح القانوني الدولي الذي يسمح بتجاوز
تعطيل الفيتو الأمريكي في قضية فلسطين والاعتداءات الإسرائيلية، ويمكن أن تُستخدم اليوم
لتفعيل الشرعية الدولية ضد العدوان المعلن، ولفتح الطريق أمام خطوات عملية مثل لجان
التحقيق الدولية، وحظر السلاح، والمقاطعة الجماعية.
2- المحكمة
الجنائية الدولية (ICC) من خلال
دعم الملفات المفتوحة بشأن فلسطين، وتوسيعها لتشمل جرائم الاغتيال والتجويع. وحيث أصدرت
المحكمة عام 2023 مذكرات توقيف بحق قادة روس على خلفية الحرب في أوكرانيا، ما يؤكد
فاعليتها.
3- الولاية
القضائية العالمية تمكّن المحاكم الوطنية من ملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة؛
مثل محكمة كوبلنز في ألمانيا (2021) التي أدانت ضباطا سوريين بجرائم ضد الإنسانية.
ويمكن رفع دعاوى مماثلة ضد قادة إسرائيليين.
4- اتفاقية
شيكاغو للطيران المدني (1944)، حيث تنص على سيادة الدول الكاملة على أجوائها (المادة
1). ويمكن تقديم شكاوى رسمية إلى "الإيكاو" ضد اختراق الأجواء العربية. ومن
الأمثلة، قامت إيران بتقديم شكوى عام 1988 بعد إسقاط طائرة مدنية إيرانية من قبل البحرية
الأمريكية.
5- آلية أممية
وإقليمية لتوثيق الأدلة، فكما أنشأت الأمم المتحدة في الحالة السورية الآلية الدولية
المحايدة والمستقلة (IIIM ) لتجميع
الأدلة الجنائية وتوثيقها، يمكن اليوم العمل على إنشاء آلية مشابهة خاصة بالجرائم المرتكبة
ضد الفلسطينيين.
والجديد هنا
أن هذا الجهد لا يقتصر على الأمم المتحدة، بل يمكن أن يبدأ من منظمة التعاون الإسلامي
أو جامعة الدول العربية عبر: تشكيل لجنة قانونية عربية-إسلامية مستقلة تُعنى بجمع الأدلة
من غزة والدول المتضررة، وإبرام بروتوكول تعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان
أو مع بعثات تقصي الحقائق الأممية، لضمان قبول الأدلة أمام المحاكم الدولية، وتأسيس
مركز توثيق رقمي برعاية عربية-إسلامية يضم قاعدة بيانات للأدلة والشهادات، على أن يكون
معتمدا دوليا.
وتكمن أهمية
هذه الآلية في أنها تضمن أن لا تضيع الجرائم بالتقادم، وتمنح العرب والمسلمين أداة
قانونية دائمة لملاحقة قادة الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية (ICC) أو أمام المحاكم الوطنية التي تعمل بمبدأ الولاية
القضائية العالمية.
المطلوب اليوم أن يتحول الغضب إلى أدوات عملية، تجعل ثمن العدوان أكبر من مكاسبه، وتثبت أن إرادة الشعوب قادرة على تفعيل القانون الدولي حين تتعطل مؤسساته
6. العقوبات
الاقتصادية والاستثمارية مثل تفعيل المقاطعة، وسحب الاستثمارات من الشركات الداعمة
للاحتلال. وخير مثال انسحاب الشركات الدولية من جنوب أفريقيا أثناء نظام الأبارتايد؛
ما ساعد في إنهائه، وحملة "BDS"
التي دفعت شركات كبرى لإعادة النظر في أنشطتها مع إسرائيل.
الأساس القانوني
يكمن في الاستناد إلى مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال وحقوق الإنسان (UNGPs)، التي تلزم الشركات بتفادي التربح من الانتهاكات.
7- القوة الإعلامية
القانونية (Lawfare) من خلال
تحويل لغة القانون الدولي إلى خطاب إعلامي ضاغط. وخير مثال؛ جنوب أفريقيا في دعواها
أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، حيث استثمرت خطاب القانون في الإعلام لكسب دعم
عالمي واسع.
وفي الختام..
إن العرب والمسلمين
أمام لحظة فارقة: إما البقاء في دائرة الشجب والإدانة، أو الانتقال إلى دائرة الفعل
القانوني والسياسي. فجرائم إسرائيل ليست سرية، بل معلنة أمام العالم: اغتيالات، وقصف
دول عربية، وحصار دموي، وإبادة لغزة، وانتهاك سيادة قطر.
السماء ليست
بلا قانون، والسيادة ليست شعارا فارغا. المطلوب اليوم أن يتحول الغضب إلى أدوات عملية،
تجعل ثمن العدوان أكبر من مكاسبه، وتثبت أن إرادة الشعوب قادرة على تفعيل القانون الدولي
حين تتعطل مؤسساته.